لا تنتظروا من أبو مازن ما لم يستطعه أبو عمار وقوى المقاومة

محمود عباس
محمود عباس

النقد سلوك وقيمة سياسية وأخلاقية محايثة للحياة السياسية والأحزاب والقيادات السياسية التي تحترم حرية الرأي والتعبير وتحترم شعبها تتقبل النقد بل وتمارس النقد الذاتي بين فترة وأخرى وخصوصاً عندما تجد حالة تذمر وعدم رضا من الشعب تجاه سياساتها.

ولكن هناك فرق بين النقد الموضوعي الذي ينطلق من الفهم العقلاني للواقع وما يجب على القيادات السياسية القيام به وتستطيع ذلك ولكنها لا تقوم به، من جانب، والنقد الهدام الذي يمارسه الجهلاء بالسياسة لمجرد حب الظهور والتميز وينطبق عليهم المثل الذي يقول (خالف تُعرف)، أو السياسيون الذين ينطلقون من عدم فهم الواقع ومدفوعين بمواقف مسبقة تجاه النظام السياسي وقيادته تؤسَس على حسابات شخصية أو حزبية ضيقة أو لخدمة أجندة خارجية غير وطنية. الأولون يتلمسون ويعترفون بما يوجد من إيجابيات وانجازات عند الأحزاب والقيادات السياسية ما دامت لم تفرط بالحقوق الوطنية، وحتى إن كانت إنجازات محدودة، وحتى إن لم تكن هناك إنجازات لا يكون هدف الانتقاد مبنياً على رغبة بالانتقام بل السعي للأفضل وتصحيح المسار.

المنتقدون أو المعارضون الموضوعيون لا يسعون لمصلحة شخصية من الحاكم ومستعدون للتضحية بحريتهم وحتى بحياتهم من أجل المصلحة الوطنية وتصحيح المسار، أما الآخرون فيتنكرون لأي إنجاز للقيادة والأحزاب السياسية كما يتنكرون لكل التاريخ الوطني ولا يكون هدفهم من الانتقاد تصويب المسار بل البحث عن مصالحهم الخاصة حتى وإن كانت على حساب الوطن.

اقرأ أيضاً: خبراء دوليين: السلطة عاجزة وصعود اليمين الإسرائيلي سيعيق "حل الدولتين"

بالرغم من كل الانتقادات على عمل القيادات السياسية والأحزاب وما هي عليه اليوم من حالة ضعف وعجز في مواجهة التهديدات الإسرائيلية المتعاظمة وما ينتابها من أوجه فساد وعدم قدرتها على تحقيق الأهداف الوطنية بالحرية والاستقلال، إلا أن ذلك لا يعني تجاهل تاريخها النضالي في مقارعة دولة الاحتلال في الداخل والخارج ودورها في التعبئة والتنشئة السياسية، وبالتالي فإن الهدف من الانتقادات ليس اطلاق رصاصة الرحمة عليها والبدء من نقطة الصفر في العمل السياسي الوطني، بل حثها على تطوير عملها والخضوع لإرادة الشعب من خلال الاحتكام لصناديق الانتخابات وأن تتقبل كل ما يوجَه لها من انتقادات وأن تعترف بأنها وصلت لطريق مسدود في أدائها السياسي والعسكري وعليها فسح المجال لنخب سياسية جديدة، وألا تكون مصالحها الخاصة وارتباطاتها بحسابات وأجندة خارجية عقبة في طريق استنهاض الحالة الوطنية .

ما أسهبنا فيه من حيث أهمية عقلنة وموضوعية الانتقادات الموجهة للطبقة السياسية بشكل عام يمكن أن ينسحب على بعض منتقدي الرئيس أبو مازن.

نعم، طوال 17 سنة من حكم الرئيس أبو مازن والقضية الوطنية تتدهور من سيء لأسوأ حيث يتواصل الانقسام الداخلي كما يسجل العدو نقاطا لصالحه فيما يتعلق بالتوسع في مشاريعه الاستيطانية وما يجري في المسجد الأقصى أيضا في مجال التطبيع مع دول عربية، ومن الطبيعي أن بتعرض الرئيس للانتقاد لأنه رئيس وعنوان لنظام سياسي مأزوم، ولكن سيكون من عدم الإنصاف تحميل الرئيس وحده المسؤولية عما آلت إليه القضية في بعدها الاستراتيجي.

فبالإضافة إلى تعدد الفاعلين السياسيين في الساحة الداخلية وتعدد مراكز اتخاذ القرار داخل السلطة الوطنية وتعدد الأجندة الخارجية، فإن التحولات والأحداث الداخلية والإقليمية التي جرت منذ توليه السلطة كانت لغير صالح القضية ولغير صالح نهج الرئيس سواء كنا متفقين معه في نهجه أم لا، كما أن كثيراً من تعقيدات وأزمات النظام السياسي كانت موجودة قبل توليه الرئاسة، وبعض منتقديه اليوم كانوا من الفاعلين في النظام السياسي قبل تولي الرئيس السلطة.

من المقبول انتقاد الرئيس على قرارات و خطابات وتصريحات لا تجد قبولا ًعند غالبية الشعب كما يمكن انتقاده وتحميله مسؤولية عن ممارسات خاطئة للسلطة متعلقة بسوء الإدارة والفساد وانتهاك الحريات العامة والتعيينات غير المنطقية في المراكز العليا وتهميش للمؤسسات الرسمية الخ، ولكن انتقاد الرئيس وتوجيه شتى الاتهامات له، من بعض المتحذلقين الذين يعيشون في أبراجهم العاجية أو من طرف مدعي المقاومة وأصحاب الأجندة الخارجية، لأنه لم ينجح في إقامة الدولة المستقلة أو يحقق الوحدة الوطنية أو يوقف الاعتداءات الصهيونية أو ينهي حالة الانقسام، هذه الانتقادات تكون مقبولة نظرياً لو كان أولئك يملكون بديلاً عملياً وواقعياً والرئيس حال بينهم وبين إنجاح مشروعهم البديل.

فإن كان الرئيس القائد أبو عمار بكل تاريخه النضالي وشخصيته الكاريزمية وعلاقاته الدولية الواسعة وفي ظل ظروف وطنية وعربية وإقليمية أفضل حالاً مما هو قائم اليوم لم يستطع تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال، فكيف نلوم الرئيس أبو مازن لأنه لم يحقق ذلك ونحن نشهد كل الانهيارات من حولنا وتفكك معسكر الأصدقاء والحلفاء، وما يسمى الربيع العربي ينشر الفوضى والخراب والحرب الأهلية ويفكك دولا مستقلة؟ وإن كانت قوى المعارضة المسلحة وغير المسلحة بما تملكه من إمكانيات ومصادر دعم وتمويل وشبكة تحالفات عربية وإقليمية لم تستطع إنجاز وتحقيق أكثر مما حققه الرئيس أبو مازن فلماذا لوم الأخير وتوجيه شتى الاتهامات ضده؟

ليس هذا دفاعاً عن أبو مازن أو عن واقع السلطة وواقع الطبقة السياسية التي يجب العمل على تغييرها جذريا، بل لعقلنة أية ممارسة لحق النقد حتى يكون موضوعياً وعقلانيا وتجنباً لمحاولة توظيف العدو الانتقادات غير العقلانية وغير الوطنية للرئيس لإقحام الحالة الفلسطينية في فوضى لن يستفيد منها إلا الأعداء، وقد رأينا ما آل إليه حال معارضي الرئيس من رافعي شعار المقاومة، وما آل إليه حال قطاع غزة تحت حكمهم وما آل اليه حال عدد من الدول العربية التي اجتاحتها فوضى ما يسمى الربيع العربي.

وأخيرا، نكرر ما سبق وأن طالبنا به أكثر من مرة وهو أيضا مطب غالبية الشعب الفلسطيني، نتمنى على الرئيس أبو مازن الدعوة العاجلة لإجراء انتخابات عامة: المجلس الوطني، انتخابات تشريعية، انتخابات رئاسية، انتخابات محلية، وخصوصا أن عودة نتنياهو واليمين المتطرف واحتمال عودة ترامب في أمريكا وتوغل إسرائيل في العالم العربي بالتطبيع الرسمي والعلاقات غير المعلنة وبعضها أكثر خطورة من التطبيع الرسمي، كل ذلك لم يترك أية فرصة لتسوية سياسية عادلة كما كان يراهن الرئيس، ونتمنى أن يضع الرئيس ثقته في الشعب ويترك له حرية اختيار من يحكمه، وعلى الشعب أن يختار ويتحمل مسؤولية اختياره ولا نعتقد أن شعبنا أقل تحضرا ووعيا من شعوب افريقية خاضت التجربة الديمقراطية- ولا نريد عمل مقارنة مع إسرائيل- كما لا نعتقد أن من ينتخبهم الشعب سيكونون أكثر سوءا من الطبقة السياسية الحالية، وشعبنا أصبح واعيا وأخذ دروسا وعبرا مما جرى في انتخابات يناير 2006 

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo