حينما كانت عيون العالم تتبع كرة القدم في الملاعب القطرية، كانت عين إسرائيل تنظر الى مكان آخر خارج الملاعب، ترصد مدى الكراهية التي تكنها الشعوب العربية اتجاهها. الأمر حذا الصحافة بالإسرائيلية وبعد أيام على انطلاق مونديال 2022 ، بوسمه بـ "مونديال الكراهية" هذا العنوان الذي توسط غلاف عدد صحيفة يديعوت أحرنوت الصادر يوم الأحد 27 تشرين ثاني.
أشار المؤشر العربي 2019\2020، -وهو استطلاعٌ دوري يعده المركز العربي بالدول العربية التي يُتاح فيها تنفيذ الاستطلاع؛ بهدف الوقوف على اتجاهات الرأي العامّ العربي نحو مجموعةٍ من المواضيع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية- إلى مسألة رفض الاعتراف بإسرائيل من قبل الشعوب العربية المستطلعة في هذا المؤشر كان الأعلى في منطقة الخليج. ومن المهم الاشارة إلى أن قرابة 90 % من مستجيبي قطر والكويت يرفضون اعتراف بلدانهم بإسرائيل، كما أن 65 %من السعوديين عبروا عن رفضهم لذلك مقابل 6 %وافقوا على ذلك.
فيما تشير دراسة استقصائية أجراها معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط واستطلاعات أخرى أجريت في العامين الماضيين نوه إليها معهد ميتيفيم إلى تراجع الدعم للاتفاقات الإبراهيمية في الدول العربية؛ والسبب الرئيسي يعود في ذلك الى"عدم إحراز تقدم في حل القضية الفلسطينية. ويعلل ذلك؛ بربط الكثيرين في العالم العربي توقيع اتفاقيات إبراهيم والتطبيع مع حل النزاع في إسرائيل، حيث أنهم توصلوا إلى نتائج معاكسة.
مبعوثي الوكالة الإخبارية الإسرائيلية "واينت"، راز شيشنيك وعوز معلم، كانا قد اشتكيا من "تحرش" العرب عبر رفعهم للاعلام الفلسطيني حولهما في كل مكان يحاولان التقاط الصور فيه. وكان المبعوثان قد استعرضا انطباعمها عما جرى في الدوحة بقولهما: "بعد عشرة أيام في الدوحة، من المستحيل عدم إطلاعكم على ما نمر به هنا، نشعر بالكره، ويكتنفنا العداء، غير مرغوب بنا. كيف أخبرنا القطري الودود للوهلة الأولى عندما سأل من اين نحن وأجابنا بأننا من إسرائيل؟ أود أن أقول أهلًا وسهلًا بكم، لكنكم حقًا غير مرحب بكم. اخرجوا من هنا في أقرب وقت ممكن".
أما الصحفي "دور هوفمان" من القناة 11 الإسرائيلية فقال بأنه قد ركب سيارة اجرة، وعندما علم السائق أنه من إسرائيل انزله من السيارة وأعاد له المال، وقال له "لن اخذ المال ممن قتلوني اخواني"، ويضيف هوفمان انه توجه الى احد المطاعم في الدوحة، وعندما علم صاحب المطعم انه إسرائيلي استدعي له الحرس، واخرجه عنوة من المكان.
في حادثة أخرى لافتة للنظر، ادعى احد المراسلين الإسرائيليين انه من دولة الاكوادور، حينما سأله احد المشجعين من أين انت؛ تهربًا من هذا الموقف المحرج بالنسبة له. كما تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو آخر، يظهر فيه طاقم القناة 13 الإسرائيلية الموفد الى الدوحة، يلفه مجموعة من الشبان العرب الذي يحملون الاعلام الفلسطينية، ويهتفون " يلا ... يلا ... يلا ... إسرائيلي برا". فيما ظهر مراسل هيئة البث كان "موأف فادري" مصدومًا من ردة فعل احد مشجعي المنتخب السعودي الذي هتف "فلسطين حرة"، عند معرفته بان الصحفي اسرئيلي الجنسية.
كل ذلك دفع اسرئيل من خلال وفدها الدبلوماسي المقيم مؤقًتا في الدوحة - حيث تستعى الدول المضيفة من خلال دعوات استضافة للمستويات الرسمية للدول والحكومات تعزيز العلاقات الدبلوماسية فيما بينها على هامش فعاليات كأس العالم- الى ارسال رسالة شديدة اللهجة الى قطر والفيفا، ضد ما حدث لطواقم الصحافة والمشجعين الإسرائيليين من قبل مشجعي الفرق العربية، كما أوردت القناة 13 الإسرائيلية، بهدف ضمان حرية العمل الصحفي للطواقم الصحفية الإسرائيلية، والسماح للمشجعين الاسرائيليين التنقل بأمان.
من احتلال الأرض إلى احتلال العالم الافتراضي
على ما يبدو، بأن كل تلك الجهود التي بذلت على مدار اكثر من عقد على مواقع التواصل؛ بغية تطبيع إسرائيل " أي جعلها طبيعية" في ذهن المواطن العربي، واخفاء صبغتها كدولة استعمارية على جزء من أرض عربية وعلى انقاض شعب اصلاني، قد باءت بالفشل. يدل على ذلك الهتافات العفوية للشعب الفلسطيني وعدم التعاطي مع الصحفيين الإسرائيليين، مضافًا إلى ذلك التعليقات المناهضة لإسرائيل من قبل المتصفحين و المتابعين لهذه الصفحات على منصات التواصل الاجتماعي. من الجدير ذكره ان هذه المنصات تفتقر الى صفحات رسمية تابعة لحكومات الدول العربية تضاهي وتزاحم الصفحات الإسرائيلية في هذا الحيز، لكن تبقى الصفحات الشخصية من مختلف الأقطار العربية؛ لا سيما الفلسطينية منها، وحيدة على خط هذا النوع من المواجهة.
منذ توقيع اتفاقات إبراهام في ساحات البيت الأبيض في 15 سبتمبر 2020 بين الامارات وإسرائيل، شرعت الاخيرة بطرق أبواب العالم الافتراضي، مثل منصات التويتر، الفيسبوك، التيك توك، ووغييرها، بحسابات وصفحات ناطقة باللغة العربية؛ بهدف اختراق الرأي العام العربي، وخلق نوع من التقارب بينهما، وإيجاد علاقة جديدة غير العلاقة العدائية التي تولد في اعقاب احتلال فلسطين عام 1948.
من الادراك إسرائيلي بان مواقع التواصل الاجتماعي هي المتنفس الوحيد لهذه الشعوب. بات من الضروري في نظر إسرائيل اقتناص الفرصة لترسيخ موطئ قدم للغة حوار مشتركة منمقة بعيد كل البعد عن الآلة العسكرية، خاليةً من أي رواية أو سردية فلسطينية. بعدما فشلت على الأرض الواقع بذلك.
كان من ابرز تلك الصفحات هي صفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية"، تم تعريفها على انها صفحة دولة اسرئيل بالناطقة باللغة العربية، ما إن يقلبها المتصفح حتى يجد المنشورات المنوعة متناولة كآفة المناسبات الوطنية والدينية للدول العربية. بالتالي، أصبحت الفكرة التي تحتاج لعدة محاضرات لتقديمها أو تفنديها تختزل بمقطع فيديو واحد من بضع دقائق.
ليس ذلك فحسب، بل هنالك العديد من الصفحات للشخصيات رسمية واكاديمية اسرئيلية همها الشاغل مخاطبة الجمهور العربي أينما كان. بذات الأسلوب والنهج الذي تتبناه صفحة إسرائيل الناطقة بالعربية فصحفة الناطق باسم الجيش الاسرئيلي باللغة العربية "افخاي ادرعي"، صفحة الباحث في مركز بيغن – السادات للدراسات والأبحاث الاستراتيجية ايدي كوهين، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية مئير المصري على منصة توتير، كل هذه الصفحات على سبيل المثال لا الحصر.