نقابة أطباء فلسطينية.. السلطة إذ تطوع العمل النقابي

من اعتصامات نقابة الأطباء
من اعتصامات نقابة الأطباء

ظل الرئيس محمود عباس يستغل غياب وحل المجلس التشريعي في إصدار التشريعات لدرجة الإسراف، حتى تجاوزت تلك التشريعات 300 قرار بقانون، خلافاً لما نصت عليه المادة (43) من القانون الأساسي، بأن "لرئيس السلطة الوطنية في حالات الضرورة التي لا تحتمل التأخير في غير أدوار انعقاد المجلس التشريعي، إصدار قرارات لها قوة القانون".

آخر تلك القرارات بقانون، قرار الرئيس يوم 23 أكتوبر 2022، بإنشاء نقابة أطباء فلسطينية "تتولى حصراً تنظيم مهنة الطب في الأراضي الفلسطينية"، لكنها جوبهت بموجة احتجاج واسعة قادتها مؤسسات المجتمع المدني، والنقابات المهنية، والمؤسسات الحقوقية، ونقابة الأطباء الأردنية، وسخط من فرعها نقابة الأطباء- مركز القدس، التي أعلنت عن قرار تاريخي بـ "العصيان الطبي الشامل"، الأمر الذي أدى لإسقاط القرار بقانون، وتعديله خلال أيام فقط.

وتم التوصل لاتفاق يقضي بإصدار الرئيس قرار بقانون جديد معدل لنص القرار بقانون محل الخلاف، ينص على إنشاء نقابة أطباء فلسطينية دون تحديد موعد ولا جسم معين، وأن تكون النقابة الحالية هي المجلس التأسيسي، والمخولة بصياغة قانون النقابة الفلسطينية، وأن يكون مقرها في القدس، والحفاظ على مستحقات الأطباء السابق، وهو ما اعتبرته النقابة بـ"الانتصار"، سيما وأنها تحمل مطلبا تاريخيا بإنشاء نقابة أطباء فلسطينية عند توفر الظروف الملائمة.

اقرأ أيضاً: سياسات طرفي الانقسام تجاه غزة شرّعت الفساد السياسي وخدمت المتنفعين

ومحاولة السلطة الخلاص من مجلس نقابة الأطباء، لم يكن إلا للقضاء على مجلس فاعل غير منضوي تحت جناحها، ومصدر إزعاج متكرر لها بمطالبه، ويأتي ذلك في سياق عام تنتهجه السلطة لإجهاض كل الأصوات الحراكية والنقابية التي تغرد خارج سربها عبر عدة طرق.

من بين هذه الطرق التي انتهجتها السلطة لقمع الحراكات النقابية هذا العام، هو تعيين مجلس جديد يحل محل المجلس المنتخب لنقابة الأطباء مؤخراً، واللجوء للقضاء لإصدار قرار بوقف إضراب نقابة المهندسين، وتحشيد الرأي العام ضد إضراب حراك المعلمين الموحد، ومحاولة إحداث شرخ بداخل جسم مجلس نقابة المحامين في صراعهم النقابي الأخير مع مجلس القضاء، وانحياز وزارة العمل لإدارة جامعة بيرزيت في صراعها مع نقابة العاملين في الجامعة، وهذه النقابات والحراكات مجتمعة لطالما خرجت بتصريحات ومواقف منددة بسلوك السلطة القمعي.

وبالعودة للحديث عن أزمة نقابة الأطباء، فإن تأسيس نقابة الأطباء- مركز القدس يعود إلى العام 1954، عندما تأسست نقابة الأطباء الأردنيين بفرعين في القدس وعمان، حينها كانت تتبع الضفة الغربية لحكم الأردن، وتسري على النقابة القانون الأردني، أما قطاع غزة كان يتبع إداريا لمصر، وينظم عمل الأطباء هناك جمعية مهنية أخرى خاصة بهم.

والصراع بين نقابة الأطباء- مركز القدس، والسلطة الفلسطينية ليس وليد إصدار الرئيس القرار بقانون الأخير، الذي مثل انقلاباً على مجلس النقابة الحالي المنتخب، بل يمتد إلى سنوات عديدة، كانت تخوض خلالها النقابة نزاعا متجددا مع الحكومة، حول جملة من المطالب أهمها زيادة علاوة طبيعة العمل لأطباء تخصص الطب العام من 150% لتصير 200% أسوة ببقية الأطباء العاملين في وزارة الصحة.

ويقول نقيب الأطباء شوقي صبحة لـ "زوايا" إن النقابة اتفقت مع الحكومة عام 2013 على رفع علاوة طبيعة العمل للأطباء لتصبح بنسبة 100%، وفي عام 2015، صدر قرار عن وزير الصحة برفع علاوة طبيعة العمل لكل موظفي وزارة الصحة بنسبة 100%.

وبناء على اتفاق عام 2013 وقرار الوزير عام 2015، يجب أن تصبح علاوة طبيعة العمل لكافة فئات الأطباء 200%، وهو ما طبق فعلاً للأطباء المتخصصين (جراحة، باطني، قلب، كلى، عيون..)، واستثني منه فئة تخصص الطب العام، التي ارتفعت علاوتهم إلى 150% بدلاً من 200%.

ومنذ عام 2015 وحتى اليوم، تطالب نقابة الأطباء بزيادة 50% على علاوة طبيعة العمل لرواتب الطب العام، وخاضت صراعا طويلا ينتهي في كل مرة باتفاق مع الحكومة على رفع العلاوة، دون تطبيق.

وتلعب الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان دوماً دور الوساطة بين الحكومة ونقابة الأطباء، ويقول مديرها عمار الدويك إن آخر اتفاق تم التوصل إليه كان بتاريخ 1 أيار 2021، ومن المفترض أن يبدأ تطبيقه في 1 كانون الثاني 2022.

ويشمل آخر اتفاق تنفيذ عدة مطالب، أفاد دويك، أن الحكومة التزمت ببعضها، مثل صرف مكافأة للأطباء عن الجهد المبذول خلال فترة جائحة "كورونا"، ولكن البند الأهم المتعلق بعلاوة طبيعة العمل للأطباء العموميين لم يطبق.

وحول أسباب عدم تطبيق هذا البند، أوضح دويك في حوار خاص مع موقع "زوايا" أن وضع السلطة المالي صعب، ولا تدفع رواتب كاملة، لكن نقيب الأطباء صبحة يرد بأن هذه الزيادة لا تتجاوز كلفتها المالية على الحكومة 2.5 مليون دولار سنوياً، وهو ما يعدل كلفة حوالة علاج واحدة خارج مستشفيات الحكومة.

وأضاف دويك "نحن كجهة وسيطة رتبنا عدة لقاءات بين الحكومة والنقابة، وبناء على هذه اللقاءات تم الاتفاق على أن الحكومة ملتزمة بصرف العلاوة اعتبارا من بداية العام وبأثر رجعي في حال توفر الموارد المالية، ويتم تحديد توفر الموارد المالية في حال انتظام صرف الرواتب 100% لمدة شهرين متتاليين".

وبين دويك أنهم طلبوا من الحكومة ضمانات على ذلك، وبالفعل تلقى رسالة من وزير المالية شكري بشارة، يؤكد فيها أن الصرف سيكون كاملاً وبأثر رجعي حال توفر السيولة المالية.

لذا بحسب دويك، الاتفاقية مع الحكومة ما زالت قائمة، والحكومة أكدت التزامها الكامل بها عدة مرات، ومع ذلك فإن المشكلة المتعلقة بصرف علاوة 200% لأطباء الطب العام ما زالت عالقة، حيث تتذرع السلطة بالوضع المالي، والنقابة بدورها قدمت اقتراحا باعتماد العلاوة على قسيمة الراتب وصرفها عند توفر الأموال، لكن وزارة المالية رفضت ذلك بشكل مطلق.

ويعلق نقيب الأطباء على رفض وزارة المالية، في أن النقابة تنازلت عن كل السنوات الماضية، وتطالب بتنفيذ العلاوة إدارياً على قسيمة الراتب دون صرفها.

تعتبر نقابة الأطباء من بين النقابات القليلة التي تنظم انتخابات ديمقراطية بشكل دوري، ويوم 4 حزيران الماضي، أفرزت نتائج انتخابات فروع النقابة في محافظات الضفة، فوز القوائم المحسوبة على المعارضة الفلسطينية في 7 محافظات، مقابل فوز قائمة محسوبة على حركة فتح بفرع واحد.

وأدى الصراع الطويل بين نقابة الأطباء والحكومة وما يرافقه من إضرابات، وخسارة القائمة المحسوبة على "فتح" للانتخابات، بالنظام السياسي للبحث عن سبيل للخلاص من نقابة الأطباء بمجلسها الحالي، فجاء الحل السحري بإنشاء نقابة أطباء فلسطينية.

ويتفق عمار دويك مع ذلك في أن التوتر بين النقابة والحكومة دفعها للعمل على إصدار القرار بقانون الأخير، في محاولة للهروب من الاستحقاقات المترتبة، والانزعاج من استمرار النقابة بالإضرابات.

وشدد دويك على رفض الهيئة المستقلة للقرار بقانون، وطالبت بسحبه بسبب أنه ينص على تعيين جسم تأسيسي محل جسم منتخب.

كما أن مدير الهيئة الأهلية لإستقلال القضاء وسيادة القانون ماجد العاروري يرى أن القرار الأخير لم يوجد لتطوير عمل النقابة وخلق نقابة فلسطينية تضم كل الأطباء الفلسطينيين، بقدر ما استخدم بغرض السيطرة عليها بعد الانتخابات وفوز الكتل المستقلة على حساب الكتل المحسوبة على النظام، وخوض المجلس الحالي لصراع على حقوقه وتنصل وزارة المالية من الاتفاقيات.

وأضاف العاروري أن هذا الأمر جعلهم يشعروا بنوع من القلق تجاه النقابة، ووجدوا أن الطريقة التي يمكن من خلالها السيطرة عليها هو من خلال التخلص من المجلس المنتخب وتعيين مجلس جديد باسم نقابة أطباء فلسطينية.

اقرأ أيضاً: صحف عبرية: انتخابات الكنيست غيرت وجه إسرائيل وأنهت اليسار والوسط

يعود طرح تأسيس نقابة أطباء فلسطينية إلى العام 1996، عندما طالبت نقابة الأطباء بإنشاء نقابة فلسطينية، ولكن تقرر حينها أن يبقى الموضوع حتى الحل النهائي للقضية الفلسطينية، ويتم مواصلة العمل في المؤسسات التي أنشئت قبل عام 1967 على ما هي عليه.

نائب رئيس المجلس التشريعي السابق حسن خريشة كان من بين النواب الذين عاصروا تلك الفترة، وأوضح أنه "في بداية المجلس التشريعي طرح مشروع قانون لإنشاء نقابة أطباء فلسطينية، ورفضنا ذلك وأهم سبب للرفض أن مقر النقابة الحالية في القدس ونحن نريد تعزيز الوجود العربي في القدس".

يعبر النقيب صبحة عن استغرابه من لجوء الرئيس عباس لقرار بقانون بشأن إنشاء نقابة فلسطينية، وهو نفسه في 15 كانون الثاني 2020 قدم للرئيس مسودة لنقابة فلسطينية، ووضع على صدره وسام لهذه النقابة وأعطى له كتاب أنه رئيس فخري وأول من يسجل في هذه النقابة.

وبالتالي يؤكد صبحة أن النقابة- مركز القدس أو من طالبت بإنشاء نقابة فلسطينية، ولكن ما جرى مؤخراً مختلف كلياً، فالنقابة تريد نقابة للكل الفلسطيني، تشمل الضفة والقدس والقطاع والداخل والشتات.

وتابع أن ما عمل هو انقلاب على النقابة الحالية، لأن تأسيس النقابة يتم من الهيئة العامة، أما ما جرى فهو التأسيس من فوق دون علم النقابة الحالية، وبمجلس معين من أناس ليسوا نقابيين، وليسوا مسجلين في النقابة، وجزء منهم سقط في الانتخابات الأخيرة.

يبرر صبحة سبب رفضهم للنقابة الحالية أيضاً بأن الظروف لا تسمح، حيث نص مرسوم تأسيسها أن يكون مقر النقابة في القدس، وتجري انتخابات لها في القدس، في الوقت الذي لا تستطيع السلطة إدارة مؤسسات في القدس ولا إجراء انتخابات في القدس، بدليل تأجيل انتخابات التشريعي والرئاسة.

لنقابة الأطباء مركز القدس مقر مسجل باسم نقابة الأطباء الأردنية في بلدة بيت حنينا في القدس المحتلة، والحفاظ على هذا المقر هو أحد أهم الأسباب التي دفعت لرفض جهات عدة مرسوم تأسيس النقابة الجديدة.

يقول النقيب صبحة، إن المقر محمي، وإذا رفع الستار عنه سوف يصادر إسرائيلياً، كما جرى في الكثير من المؤسسات الفلسطينية في القدس.

ولخص صبحة القول "لا يريدون المجلس الموجود وعلى رأسهم أنا، وليس الهدف إنشاء نقابة فلسطينية".

كذلك يقول حسن خريشة خلال حديثة لـ"زوايا"، وهو طبيب منتسب للنقابة الحالية، إن مرسوم تأسيس النقابة الجديدة "شكل من أشكال المناكفات الشخصية وهذا ليس وقته، والرئيس لديه بعض مستشاري السوء ويحاولون إسقاط رغباتهم الشخصية وخلافتهم مع النقيب الحالي".

ويبرر خريشة سبب رفضه للقرار بقانون، أولاً بأن القانون الفلسطيني أعطى للرئيس الحق في إصدار قوانين بمراسيم رئاسية، واشترط في ذلك الضرورة والطارئ التي لا تحتمل التأجيل، وهذا القانون ينقصه ذلك.

ثانياً لأن مقر النقابة الحالية في القدس، ونحن نسعى لتعزيز الوجود العربي والفلسطيني في القدس، وعندما تنشأ نقابة فلسطينية سوف يكون نظرياً مقرها في القدس، ولكن لن يسمح الاحتلال لها بالعمل في القدس، على اعتبار أنها مؤسسة فلسطينية والإسرائيليين يحاولوا إلغاء كل ما هو فلسطيني في القدس.

ثالثاً، لدينا نقابة جسمها منتخب من قبل الهيئة العامة في الضفة الغربية، وتعيين جسم اخر هو تجاوز على إرادة الهيئة العامة التي انتخبت مجلس النقابة.

رابعاً، هناك استحقاقات لأطباء قدامى أعضاء في الهيئة العامة للنقابة الحالية، لديهم صندوق تقاعد، وصندوق تكافل اجتماعي، فهل السلطة على استعداد للتكفل بذلك في حال حل النقابة الحالية.

بعد أيام من لجوء الأطباء للعصيان الطبي، رفضاً للطريقة التي جاء بها تأسيس نقابة أطباء فلسطينية، أعلنت النقابة يوم 30 أكتوبر إيقاف إجراءاتها الاحتجاجيّة، والعودة للدوام بشكل طبيعيّ، بعد موافقة الرئاسة، على التعديلات التي طلبتها النقابة على القرار بقانون.

ويؤكد صبحة "لم يبق من المرسوم، إلا إنشاء نقابة فلسطينية عندما تتوفر الظروف، وأعيز بذلك إلى النقابة الحالية، بدون وجود للمجلس التأسيسي، ولا وقت محدد، ولا أي شروط".

وتعليقاً على سيل القرارات بقانون التي يصدرها الرئيس، قال ماجد العاروري إننا انتقلنا من حالة الفوضى التي كانت تسود الفترة الأخيرة، فيما يتعلق بإصدار القرارات بقانون إلى مرحلة العبثية القانونية، من خلال إقرار تشريعات من شأنها أن تخلق عبثاً في المؤسسات والأجسام التي تأتي لتنظيمها، لأنها لم تأت لخدمة الصالح العام، بقدر ما جاءت تخدم مصالح أفراد لهم مصالح شخصية من إقرار مثل هذه التشريعات، وهذا أقرب ما يكون إلى حالة العبث القانوني.

ويرى العاروري أن السلطة فقدت قدرتها على استغلال المادة (43) من القانون الأساسي، وبالتالي هناك ضرورة مرة أخرى للعودة إلى تفعيل المجلس التشريعي الفلسطيني.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo