"لا لأسرلة التعليم".. المقدسيون يدافعون عن عقول أبنائهم

طلاب القدس في المدارس
طلاب القدس في المدارس

بالرغم من إعلان قسم المعارف في بلدية الاحتلال بالقدس المحتلة يوم 18 أيلول الجاري، عن انتظام الدوام المدرسي في اليوم التالي كالمعتاد، إلا أن أهالي الطلبة المقدسيين وجهوا رسالة من العيار الثقيل لسلطات الاحتلال بالتزامهم التام بدعوة القوى الوطنية والإسلامية ومجالس اتحاد أمور الطلبة، بالإضراب الشامل، رفضاً لمحاولة الاحتلال فرض منهاج فلسطيني محرف على عدد من مدارس القدس، الأمر الذي اعتبره المقدسيون "شطبا للهوية الوطنية الفلسطينية".

وجاء الإضراب الشامل في مدارس القدس يوم الاثنين 19 أيلول، عقب سلسلة من الوقفات الاحتجاجية، التي نظمها أهالي الطلبة منذ بداية الفصل الدراسي الحالي، رفضاً لما اعتبروه "أسرلة التعليم".

مدير مكتب وكالة الأنباء الرسمية في القدس، بلال غيث كسواني، قال لموقع "زوايا"، إن الاحتلال يحاول منذ 23 عاماً السيطرة على المؤسسات التعليمية في القدس، أي منذ فصلها عن الضفة مطلع الانتفاضة الثانية بجدار الفصل العنصري، حيث أغلق بداية 40 مؤسسة ثقافية وتعليمية في القدس، ويواصل تمديد إغلاقها سنوياً بقرارات عسكرية، ثم انتقل لافتتاح مدارس تابعة لبلدية الاحتلال بالقدس بأعداد كبيرة، وقام بدعم مدارس أخرى تعمل لصالحه ووفق رؤيته.

وأضاف الكسواني، أن استهداف المناهج الفلسطينية بدأ في العام 2018، عندما فرض الاحتلال منهاجا محرفا لقرابة 50% من المدارس في القدس تتبع لبلدية الاحتلال ووزارة المعارف الإسرائيلية، فيما تركت المدارس الخاصة والحكومية الفلسطينية والأوقاف تسير وفق المنهاج الفلسطيني.

وما جرى بداية الفصل الدراسي الجاري، وفق الكسواني، هو "فرض المنهاج المحرف، الذي يروجه الاحتلال على جميع المدارس بغض النظر عن مرجعياتها، تحت تهديد سحب التراخيص والاستهداف في حال عدم الالتزام بالتعليمات الاحتلالية".

وفي شهر تموز الماضي، لجأت سلطات الاحتلال الإسرائيلية إلى خطوة جديدة، تتمثل في ترهيب المدارس، إذ أصدرت وزارة التعليم الإسرائيلية بيانا، أعلنت من خلاله أنها أوعزت بسحب التراخيص القائمة من الكلية الإبراهيمية ومدارس الإيمان، ومنحهم ترخيصا مؤقتا لسنة تدريسية واحدة من أجل التعامل مع الكتب التدريسية.

ويوجد في القدس عدة أنواع من المدارس وهي: الخاصة، والتابعة لدائرة الأوقاف الإسلامية، والتابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، والمدارس التابعة لبلدية الاحتلال في القدس، والمدارس التابعة للسلطة الفلسطينية، ويصل عددها مجتمعة نحو 280 مدرسة.

وفي هذا السياق، أوضح زياد الشمالي، رئيس اتحاد مجالس أولياء أمور طلبة القدس، إن المدارس التابعة لبلدية الاحتلال تشكل ما يقارب 48% من عدد المدارس الموجودة في مدينة القدس، وهذه المدارس تدرس منهاجا فلسطينيا محرفا، وجزء منها يدرس منهاجا إسرائيليا.

وأضاف، أن المدارس الأهلية والخاصة نسبتها 38%، وكانت تدرس المنهاج الفلسطيني، إلا أن الحملة عليها اليوم، كي تدرس المنهاج الفلسطيني المحرف، وفي حال تم هذا الشيء وفرضه من الجانب الإسرائيلي سوف تكون حوالي 90% من مدارس القدس تدرس المنهاج الفلسطيني المحرف أو المنهاج الإسرائيلي.

اقرأ أيضاً: مؤرخ فلسطيني: خطابات الرئيس "عباس" أسيرةً لاتفاق "أوسلو" ومكررة

أما المدارس المتبقية وهي مدارس تابعة لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية ومدارس الوكالة ومدارس الأوقاف، فهي لا تشكل سوى حوالي 10% من مدارس القدس، وهي تدرس المنهاج الفلسطيني السليم، بحسب الشمالي.

وحول الإضراب، أفاد الشمالي في حوار مع "زوايا" أن التزام الأهالي به كان حديديا، وهو يدل على استيائهم من قرار إدخال الكتب المحرفة للمنهاج الفلسطيني في مدارس القدس، لذا عبروا عن رأيهم بصورة واضحة برفض هذا السلوك.

وتابع الشمالي أن هذا هو الإضراب الأول، وفي حال لم يتم الاستجابة لمطالبهم سوف تكون الخيارات مفتوحة أمامهم من تنظيم وقفات احتجاجية، وفتح قنوات التواصل والنقاش مع الجانب الإسرائيلي في هذا الموضوع، وربما سيكون هناك عودة للإضراب بشكل تصعيدي.

وحول خطورة تدريس المنهاج الفلسطيني المحرف، يرى الشمالي أن لذلك تبعات خطيرة، لذلك هم أوصلوا رسالة إلى الجانب الإسرائيلي عبر الإضراب، أنه ليس من حقه أن يقوم بحذف مواد من الكتاب الفلسطيني ومن ثم وضع مواد غريبة عنه.

من جانبه، قال رئيس لجنة مناهضة تهويد القدس ناصر الهدمي لموقع "زوايا"، إن موضوع التعليم هو موضوع مركزي بالنسبة لهم كأهل القدس، لأنه يبني الهوية والمستقبل ويحافظ على العادات والتقاليد والقيم والثوابت والمستقبل.

وتابع الهدمي، يوجد في مدينة القدس صراع واضح على الهوية، وهناك استهداف واضح من قبل سلطات الاحتلال لهذه الهوية الفلسطينية، وقامت دولة الاحتلال على نكران الهوية الفلسطينية، وأن الشعب الفلسطيني الذي يعيش على أرض فلسطين هو أقلية ويمكن أن يعيش تحت علم دولة الاحتلال، وهذا مرفوض وهذا هو الخطر الذي يواجهه الشعب الفلسطيني، في أن يتم ترسيخ فكرة أن هذه الأرض بلا شعب، وأن هذا الشعب لا يستحق أن يقرر مصيره وأن يتخلص من الاحتلال.

لذا يشدد الهدمي على أن "ليس من حق الاحتلال أن يتدخل في منهاج التعليم الفلسطيني، وما يروج به الاحتلال بأن في هذا المنهاج تحريض عليه، نحن شعب تحت الاحتلال ونريد أن نتخلص من الاحتلال، ولا نريد أن نتعايش معه، ولا يحق للاحتلال أن يهدم بيوتنا، وأن يصادر ممتلكاتنا، وأن يتدخل في تعليمنا، وأن يأتي بشعب آخر يعيش معنا".

وأضاف الهدمي: "الإضراب كان فيه رسالة واضحة وإجماع من أهالي أبناء القدس، ورفض شديد من الأهالي تجاه تدخلات سلطات الاحتلال، ودعم لإدارات المدارس في أن تقف موقفا واضحا في رفض تدخل سلطات الاحتلال في المنهاج الفلسطيني".

وعند سؤاله حول إلى أين يمكن أن تتطور الأمور؟، رد الهدمي قائلا "أنا ولي أمر لطلاب في مدارس مهددة بالإغلاق، ونحن معنيون بالذهاب حتى النهاية من أجل الحفاظ على حقنا الطبيعي في تعليم أبنائنا كما نريد".

وحول هل الاحتلال سيتراجع عن هذه الخطوة؟ يرد الهدمي بأنه لا يعتقد ذلك، والاحتلال سوف يستمر ويمارس أساليب ضغط وإرهاب وتهديد وإغلاق مدارس، ولكن الحكم في الموضوع كما أثبت دائما هو وحدة الشارع المقدسي في مواجهة سياسة الاحتلال العنصرية ورفضه لهذا التدخل، وإذا استطاع المقدسيون أن يبقوا متحدين في كل المدارس حتى في المدارس التابعة للبلدية، وأن يكون موقف هذه المدارس مساند، حتى تتحقق مطالبهم.

اقرأ أيضاً: العقاب البدني في المدراس الفلسطينية.. جدل الرفض والتأييد

بدوره، يرى فخري أبو ذياب وهو خبير في قضايا القدس، إن خطورة المنهاج الإسرائيلي أو المنهاج الفلسطيني المحرف، أن الاحتلال يريد تسميم عقول الطلبة الفلسطينيين في القدس، ويريد تحويل الطلبة عن ثوابتهم وعقيدتهم، ولذلك يريد تسميم هذه العقول عبر أسرلة المناهج.

وتابع أبو ذياب في تعقيب لـ"زوايا"، أن المفاهيم الوطنية والدينية والرموز التي تحارب وجود الاحتلال، هي ما يسعى الاحتلال إلى تحريفها وطمسها في الكتب المدرسية، ويريد تمييع الثقافة بحيث يقبل الطلبة أن يبقى هذا الاحتلال على أرض الواقع، وإعادة صياغة التاريخ من جديد.

تعمل سلطات الاحتلال في القدس على التمييز بين المدارس، فالمدارس التي تقبل بالمنهاج الإسرائيلي أو المنهاج الفلسطيني المحرف تنال الدعم من كل ما هب ودب، أما المدارس المتمسكة بالمنهاج الفلسطيني تحرم حتى من أبسط الميزانيات.

وتقول الصحفية المقدسية هنادي القواسمي: "في مدارس بلدية الاحتلال بالقدس، يُعلّم المنهاج الفلسطيني المحرّف في بعضها، وفي البعض الآخر المنهاج الإسرائيلي".

وأضافت "اسألوا أي معلم، أو طالب عن الفرق بين البنية التحتية، ساعات التدريس، نوعية الفعاليات اللامنهجية، طبيعة "الامتيازات"، بين تلك المدارس التي تُعلم منهاجا محرفا، وتلك التي تعلم منهاجا إسرائيليا".

وتابعت "الطلاب الذين يتعلمون منهاجا إسرائيليا، يوجد لديهم نوعية فعاليات لامنهجية لا تخطر على بال أحد، مثلاً يوجد برنامج يأخذهم خصيصاً إلى البحر لتعليمهم على رياضة ركوب الأمواج. ترى الواحد منهم بكون يا دوب ناجح في صفه، بس لا البلدية بدها تقول لأهله شكراً فبتوديه يتعلم ركوب أمواج".

أما مدارس البلدية التي تعلم منهاجا فلسطينيا محرفا، أو منهاجا فلسطينيا سليما (وهي قليلة)، تقول القواسمي: "يحمدوا ربهم إذا سمحولهم يرمموا صف أو يجددوا كراسي"، وتذكر مثالا على ذلك أنه "في عام 2018، وزارة شؤون القدس الإسرائيلية ربطت صرف ميزانيات لترميم بنى المدارس التحتية بكونها تعلم في صف من صفوفها منهاجا إسرائيليا، على الأقل صف، أو أن يكون عندهم ساعات استشارة اجتماعية كثيرة مثلاً".

لذا تلخص القواسمي القصة بالقول "قبول المدارس الخاصة اليوم بالمنهاج الفلسطيني المحرّف ليس نهاية الطريق. الحرب ستستمر، ولن يوقفوها إلا عندما تتبنى هذه المدارس المنهاج الإسرائيليّ كاملاً، واللي بطاطي راسه، بحلوش عنه، بطلبوا منه يطاطي أكثر".

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo