في الذكرى 52 للخلود ما زال هنا عبد الناصر

جمال عبد الناصر
جمال عبد الناصر

في تسكع الليل العليل في شوارع رام الله لمحت عيني دُكان صغير بدا كأنه غريب على الأبهة التي تحيط بميدان المنارة وسط المدينة، يجلس في الدكان رجل في عقده الخمسين أمام طاولة مستطيلة عليها القليل من البضاعة التي تلزم لعابري الطريق.

أحببتُ عتمة المكان وسط النور المنتشر من حوله، تقدمت خطوات قليلة ناحيته فلمعت أمامي صورة لجمال عبد الناصر ملصقة على زجاج المحل الخارجي، كانت أول مرة أشاهد فيها صورة لجمال عبد الناصر في رام الله، أكملت خطواتي إلى المحل وسألت الرجل عن الحال والأحوال، وعبد الناصر المصلوب على الجدران الزجاجي وطلبت أن أقوم بتصويرها فقام الرجل عن الكرسي مرحبًا ومهللًا: صورها عمي صورها وانشرها كمان.

WhatsApp Image 2022-09-28 at 11.44.01 AM.jpeg
 

يبدو أنني الوحيد الذي طلبت مثل ذلك الطلب، هذا ما قرأته على وجه الرجل وهو يفسح لي المكان رغم عدم وجود شيء يعيق حركتي، إلا أن الحب سيطر على المكان كله.

تمر اليوم الذكرى 52 لوفاة الرئيس جمال عبد الناصر، الرجل الذي لم يحظى أي من الرؤساء بما حضي به من حب وما مُني به من خسارات، الرجل الذي نعاه وبكى عليه من سجنهم نظامه وعذبهم.

اقرأ أيضاً: ترجمة خاصة الجيش الإسرائيلي نصب في الخليل نظاما لقمع المتظاهرين الفلسطينيين يتم التحكم فيه عن بعد

في نهار يوم 28/9/1970 بعد انتهاء القمة العربية التي أراد فيها الرئيس جمال عبد الناصر رأب الصدع بين الرئيس ياسر عرفات والملك حسين عقب اندلاع الاقتتال الذي عُرف بأيلول الأسود بين قوات منظمة التحرير والجيش الأردني وأثناء الوداع في المطار شعر ناصر بنوبة قلبية فغادر إلى البيت وفي حدود الساعة السادسة من مساء ذلك اليوم أُعلن عن خبر وفاته، كانت وفاة غير متوقعة أبدًا، وغير مرغوبة من الجماهير لذلك هناك من رفضها وانتحر، ومن رفضها وشارك في الجنازة تكذيبًا لمبدأ وفاة فكرة الوحدة العربية الناشئة، كل هذا الرفض ترجمه الشاعر نزار قباني في قصيدته الهرم الرابع التي قال في مطلعها:

السيدُ نامْ ..

السيدُ نامْ ..

السيدُ نام كنوم السيف العائد من إحدى الغزواتْ

السيدُ يرقد مثل الطفل الغافي في حضن الغاباتْ

السيدُ نام .

وكيف أصدق الهرم الرابع ماتْ ؟

يومها خرجت الناس من كل الشوارع والأزقة والبيوت، من المحيط إلى الخليج رافضة النعي، مذهولة من الخبر، وتهتف بصوت عالٍ "يا جمال يا حبيب الملايين" كان رفضها لموت عبد الناصر يعبر عن الخوف من الضياع، الناس كانت تعرف أنه مهزوم ولكنها كانت منتصرة به، كانت تعرف أنه يملك كل المال والسلطة، لكنه لم يكن سارقًا والأهم أنه لم يكن يكذب عليهم، صَدَقَهم فصدَّقُوه.

في كل مدينة عربية هناك مسجد وشارع باسم جمال عبد الناصر، خلده الناس في ذاكرتهم وفي ذاكرة أبنائهم فبعد 52عامًا ما زال هنا عبد الناصر، وما زلنا نعاني هزيمته عام 1967، وما زلنا نطمح أن يولد ناصر من جديد، ليس ناصر الشخص بقدر ما هو ناصر الفكرة الوحدوية التي تطمح إليها كل الجماهير، سيعيش عبد الناصر أضعاف عمره، لأن الناس عاشت زمنه وزمن غيره وعقدت المقارنة، ولا زالت الكفة ترجح ناحية عبد الناصر الذي قال لا ومات عليها، والمجد كله لمن قال لا رافضًا أن يتحول عرق العمال إلى نبيذ في أيدي الأغنياء.

الشاعر السوري محمد الماغوط في رثاء جمال عبد الناصر

أيتها الأغصان الباردة كأطراف الموتى

أيتها المواهب الذابلة في ربيعها الأول

أيتها السجون المزدحمة بالأحرار

أيتها القطارات الغاصة بالمهاجرين

أيتها الخطب المرتجلة من الشرفات

أيتها المسيرات المعطلة في كل مكان

أيها المتثائبون والمتثائبات:

في المطابخ في المقاهي

في الحقول في المدارس

في المعابد في الفنادق

في المسابح في المباغي

في المعسكرات...

أما من عبد الناصر جديد ولو برتبة عريف؟

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo