بقايا حطام أم نقطة ضوء!

نقطة ضوء
نقطة ضوء

تكريماً له بعد وفاته..ننشر مقالات الأستاذ عبد الله أبو شرخ التي خص بها زوايا...

راكضاً لاهثاً أمضيت عمري حائرا بين عروبتي وإسلامي لعلي أعثر على لغز التقدم العباسي .. فاغرا فمي أمام ما حققه الغرب من معجزات علمية وعملية خارقة في الفلك والطب وعلم النفس وعلم الاجتماع والفيزياء والكيمياء والتكنلوجيا ..

صحيح أن الحضارة العربية الإسلامية ابتكرت علم الجبر ونظرية الأعداد وأصول الكيمياء والقانون في الطب .. لكنها كانت طفرة المعتزلة وأمجاد الفلسفة الإغريقية وعلوم اليونان .. لماذا طفرة ؟؟؟

بكل بساطة لأن جميع العلوم قد تطورت وتقدمت بصورة مذهلة في عصر المأمون العباسي، وهو عصر التراجم من حضارة الإغريق وفارس والهند والرومان .. ثم بقدوم المتوكل تم افتتاح ديوان الزندقة وتم تكفير جميع المبدعين وإحراق مؤلفاتهم.

لقد تفاعل المبدعون في العصر العباسي الأول مع منتجات الحضارات العريقة، فأتى تفاعل الخوارزمي في كتاب ( الجبر والمقابلة ) الذي أسس علما مذهلا ما زال يحتفظ باسمه العربي ( الجبر / algebra ) في جميع جامعات العالم المتقدم .. أما العلامة ابن سينا فقد تفاعل بكتاب ( القانون في الطب ) والذي ظل مرجعا أساسيا لعلم الطبابة في أوروبا طيلة مائتي عام !!!

نعم بكل تأكيد كان عصر المعتزلة يمثل طفرة عقلية منقطعة الصلة بكل ما سبقها وكل ما تلاها من موروث ثقافي واجتماعي بائس، ما زال يتغنى بالكلام والشعر وفن الخطابة وبديع الألفاظ، مع كساح علمي وشلل عقلي مخيف أمام منتجات التحضر الغربي بدءا باختراع السيارات ومحركات الديزل، مرورا باختراع الطائرات والغواصات وليس انتهاء بالكمبيوتر والهبوط على القمر وفك الشيفرة الجينية وجراحة الليزر !!!

اقرأ أيضاً: العقاب البدني في المدراس الفلسطينية.. جدل الرفض والتأييد

بعد اغتيال المأمون العباسي بالسم، انتصر الجهل على العقل وذهبت مخطوطات ابن الهيثم في البصريات ومقدمة ابن خلدون في علم الاجتماع ومؤلفات الخوارزمي والبيروني وابن حيان في الفلك والكيمياء ومؤلف ابن قرة في نظرية الأعداد، فريسة للمستشرقين الغربيين الذين قطعوا ألاف الأميال وتحملوا شظف العيش من أجل نهب تلك المخطوطات بعدما تخلى عنها الغزالي وابن تيمية وابن حنبل وابن القيم فما أورثونا إلا التقهقر واغتيال العقل وهزيمة حضارية منكرة بين الأمم !!!

أما الانحطاط الفكري والعقم الثقافي الحالي فله سببان رئيسيان ..

الأول: هو القطيعة المشبوهة مع فكر المعتزلة وأسرار التقدم العلمي الباهر في العصر العباسي الأول، فالعرب حتى الآن محرومون من الاطلاع على فلسفة ابن سينا وفقه أبو بكر الرازي !!

أما السبب الثاني: للانحطاط الفكري والثقافي العربي فهو القطيعة الثانية مع تاريخ تطور الفكر العلماني في عصر النهضة الأوروبي، فنحن حتى اليوم نعتقد بأن الشمس تشرق وتغرب وليس أن الأرض تدور، ومن دورانها ينشأ الليل والنهار .. وهذه واحدة من أهم ثورات علم الفلك أمام التصورات القديمة .. الخرافية والساذجة !!

لقد غابت الثورة العلمية في عصر النهضة الأوروبية عن العقل العربي المضلل واللاهث بين حطام الخرافة وجدران الوهم، فكانت النتيجة أن الإمام أحمد في اليمن وبعد أن حصل من الإنجليز على طائرة هليكوبتر نجح في أن يسوق للرعاع والعامة أنه - أي الأمام أحمد - مدعوم بقوة إلهية تجعله قادرا على إيقاف الطائرة في الجو، على اعتبار أن قانون نيوتن الثالث من الفيزياء، والفيزياء كما نعلم من العلوم الشيطانية الخبيثة والتي يفضل أن يتجنب المسلم دراستها وفهمها !

لقد ظلت كروية الأرض مثار جدل وسؤال بين علم كوبرنيكوس والتصورات القديمة الساذجة لينتصر العلم على الخرافة في الغرب إلى أن نجح كولومبوس في اكتشاف العالم الجديد .. ثم اخترع الأنجليز طائرة هليكوبتر بقوانين الفيزياء ( الوضعية ) فيما ضلل الإمام أحمد المسلمين بقدراته (الخرافية الخارقة)، والنتيجة أيها الوجع الذي لا ينتهي ؟؟! النتيجة هي ازدهار العقل البشري في الغرب، وانحطاطه في الشرق !

النتيجة هي الهبوط على القمر غربا بدلا من عبادته شرقا، وقس على ذلك من فهم الليل والنهار ومركزية الشمس وتفسير ظاهرتي البرق والرعد بعد اكتشاف الكهرباء !!

أما آخر الكلام فهو رسالة إلى القبائل في بلاد العرب التي افترستها مخالب التخلف ونهشتها أنياب الفقر وضللتها كتب الأطفال من أجل تربية أصولية محافظة .. محافظة على ماذا عفوا ؟؟! محافظة طبعا على غرام عنترة بعبلة .. محافظة على سيرة الزير سالم .. على أقوال مملة مكررة نرددها في الصباح والمساء، محافظة على السحر والشعوذة والطلاسم والتنجيم .. محافظة على الجهل والفقر وإنجاب المشردين والجوعى.

اقرأ أيضاً: "الاستيطان الرعوي".. حدود "إسرائيل" الجديدة ترسمها مواشي المستوطنين

فيما الأخرون يخترعون لنا ريبوتات لإجراء الجراحة وكاميرات النانو لتصوير سرطانات المعدة والأمعاء والقولون ويرسلون مركباتهم الفضائية لاستكشاف الكواكب ويبتكرون مواقع التواصل فيسبوك وتويتر وانستغرام كما يطورون تطبيقات الاتصال مثل الواتس آب وماسنجر وإيمو وفايبر ..

ونهاية الكلام أننا كعرب خارج التاريخ منذ إحراق مؤلفات ابن رشد في قرطبة، وفيما الأخرون يستعدون للسفر بين الكواكب ننشغل نحن بتحريم الموسيقى وهل نبول واقفين أم قاعدين !!!

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo