العقاب البدني في المدراس الفلسطينية.. جدل الرفض والتأييد

طلاب المدارس في غزة
طلاب المدارس في غزة

أثارت حادثة إقدام مدرس فلسطيني، على ضرب أحد طلابه ضرباً مبرحاً في إحدى مدارس الضفة الغربية، ضجة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، مما دفع وزارة التربية والتعليم هناك لإصدار قرار بإيقاف المعلم عن العمل وتشكيل لجنة تحقيق بالخصوص.

وتبع ذلك، أن أصدرت وزارة التربية والتعليم في قطاع غزة، تصريحاً يؤكد على قرارها منع العقاب البدني في داخل المدارس منعاً باتاً ، منوهة أنها تتخذ إجراءات تجاه ذلك، وأن هناك عددا من الوسائل التربوية البديلة عن العنف.

ووفق الإجراءات المعمول بها في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، فإنه يمنع على المعلم استخدام الضرب كوسيلة لعقاب الطلاب، حيث يعاقب المعلمين بهذه الحالة بالإيقاف عن العمل، والتحويل للتحقيق، واتخاذ بعض الإجراءات التأديبية.

سوابق في الضفة وغزة

وهذه ليست المرة الأولى التي تثير قضية ضرب المعلمين لطلابهم في المناطق الفلسطينية ضجة واسعة، حيث سُجل في الضفة الغربية وقطاع غزة أكثر من حادثة عنف تجاه الطلاب من قِبل المعلمين على مدار السنوات الماضية.

وفي التفاصيل، فقد تداولت وسائل إعلام فلسطينية ونشطاء على مواقع التواصل، مقطع فيديو يظهر المعلم وهو يعتدي بالضرب المبرح على أحد طلابه باستخدام عصا، في إحدى مدارس مديرية بيرزيت وسط الضفة الغربية.

وبحسب الفيديو، الذي صوره أحد زملاء الطالب في الفصل الدراسي، فإن المعلم أقدم على ضرب الطالب على مناطق مختلفة في أنحاء جسده وبشكل عشوائي، بما يخالف القوانين المعمول بها في المدارس الفلسطينية.

WhatsApp Image 2022-09-26 at 11.38.20 AM.jpeg

 

WhatsApp Image 2022-09-26 at 11.38.21 AM.jpeg

 

WhatsApp Image 2022-09-26 at 11.38.23 AM (1).jpeg

ورغم الغضب والرفض للعقاب البدني والرأي السائد بعدم جدواه، فإن هناك من يرى أن الإعلان عن قرار التعليم منع العقاب المدني في المدارس سواء من الضفة أو غزة ، يأتي كرد فعل وليس معمولاً به فعلياً في المدارس، لأنه لا يمكن ضبط الطلاب بدون عقاب بدني.

WhatsApp Image 2022-09-26 at 11.38.23 AM.jpeg

 

WhatsApp Image 2022-09-26 at 11.38.24 AM (1).jpeg

كما يرى هؤلاء-المؤيدون للضرب- أن هناك إهانة وعنف يتعرض له المدرسون من الطلبة، دون قرارات أو تدخلات لحماية وضمان حقوق المعلمين.

فهذا "ر. ش" مدير إحدى مدارس الغوث، قد ساقه القدر لأن يصعد منبر مسجد في مدينة خان يونس ليُلقي خطبة الجمعة بديلاً عن الخطيب الذي تأخر الموعد، حيث وجد هذا المدير نفسه أمام الحديث عن واقع عمله وتصرفات الطلبة في المدارس وعن معاملتهم الفجة مع مدرسيهم.

اقرأ أيضاً: ترجمة خاصة الجيش الإسرائيلي نصب في الخليل نظاما لقمع المتظاهرين الفلسطينيين يتم التحكم فيه عن بعد

فقال "أنه بدلاً من أن يعمل مديراً يتابع من يرأسهم، بات يعمل مختاراً لحل مشكلات الطلبة سواء مع معلميهم أو فيما بينهم"، لافتاً إلى أنه عادةً ما يأتي اللوم على المدرس ويتم تجاهل شغب وتطاول الكثير من الطلاب وذويهم على المدرسين لفظياً وبديناً سواء داخل المدرسة أو خارجها.

وأرجع المدير المذكور، ذلك لانعدام التربية والأخلاق الناتجة عن عدم متابعة الأهل لأبنائهم في البيوت من جانب، ومن جانب آخر في ظل غياب عقوبة الضرب في المدارس، الأمر الذي جرأهم أكثر على مدرسيهم، بحسب رأيه.

WhatsApp Image 2022-09-26 at 11.38.22 AM.jpeg

 

WhatsApp Image 2022-09-26 at 11.38.25 AM.jpeg

 إجراءات ضبطية ومتابعات

وحول قرار التربية والتعليم في غزة، بمنع العقاب البدني في داخل المدارس وإجراءات بالخصوص، فقد أوضح د. خالد فضة، مدير عام الإرشاد بوزارة التربية والتعليم بغزة، أنه ليس لدى وزارته أي قرار جديد بمنع العقاب البدني في المدارس، مشيرا إلى وجود قرار قديم معمول به بالأساس في أروقة وزارة التربية والتعليم، ويقضي بمنع العقاب البدني في المدارس منذ فترة طويلة.

وقال فضة: "ليس مسموحاً بالمطلق أن يقوم المعلم بمعاقبة الطالب بدنياً أو لفظياً ولا حتى عقاباً نفسياً"، حيث أن من أسس التربية التي تعتمدها وزارته والمدارس التربوية الحديثة "أن التعنيف بصفة عامة ممنوع أن يُمارس على الطالب بأي شكل من الأشكال".

ولم ينفِ فضة في حديثه لـ"زوايا" وجود حالات من العقاب البدني في المدارس خارج إطار القانون، ولكنه اعتبر ممارسة ذلك في "بعض" المدارس لا يعني أنه مسموح به، مؤكداً أن وزارته تقوم بالمتابعة والمراجعة والمحاسبة لأي تجاوزات بالخصوص.

وأشار إلى أن هناك توجيه واضح وصريح للمدراء والمعلمين بعدم حمل "العصا" بالمطلق داخل الفصل أو المدرسة، مشدداً على مبدأ أن القانون المعتمد في الوزارة هو عدم ممارسة أي نوع أو شكل من أساليب العقاب البدني أو اللفظي أو النفسي مع الطلاب في المدارس.

وأكد أنه لدى وزارته تعاونا مع المؤسسات الدولية العاملة في القطاع، في تدريب المدراء والمعلمين على بدائل العقاب البدني وعلى الانضباط الإيجابي، مبيناً أن هذا يندرج في إطار تدريب المعلم على كيفية التعامل مع الطالب وإدارة الفصل الإدارة التربوية الصحيحة.

ونوه إلى أن مسألة ضرب الطالب المشاغب داخل الفصل تنعكس عليه بردة فعل تتمثل في عدم التراجع، وأن يكون أكثر عنفاً وعدوانية، فضلاً عن أن باقي الطلاب الملتزمين يتأثرون نفسياً ويتولد لديهم الخوف والكراهية من المدرس والمدرسة.

واعتبر فضة أن الهدف من قيامهم بالإجراءات المذكورة سالفاً، هو التوعية وزيادة كفاءة المعلم داخل الفصل، وأن يمتنع عن استخدام أسلوب العقاب البدني، وفي الوقت نفسه القيام بإجراءات داخل المدرسة تتخذها إدارة الأخيرة مع المخالفين.

وحول متابعتهم الوزارية لمدارس الأونروا والمدارس الخاصة بهذا الإطار، فقد أوضح أن مدارس الأونروا لديها سياسة خاصة بها ومن صميم اهتماماتها التشديد على تجنب استعمال وسائل العقاب البدني واللفظي والنفسي مع الطلاب في مدارسها.

أما فيما يخص المدارس الخاصة، ذكر فضة أنهم يقومون بالتعميم على المدارس الخاصة بمنع العقاب، لافتاً أنه من البديهي أن لا تُقدم هذه المدارس على هذا النوع من العقاب، لأنها تتلقى أجراً من ذوي الطلاب الميسورة أحوالهم المادية مقابل الاهتمام بأبنائهم.

ووفقاً لإحصاءات لجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فقد بلغ عدد الطلبة في المدارس للعام الدراسي 2020/2021 في فلسطين 1,338,353 طالباً وطالبة (منهم 665,294 ذكرا و673,059 أنثى)، بواقع 746,869 طالباً وطالبة في الضفة الغربية (منهم367,717 ذكرا و379,152 أنثى) و591,484 طالباً وطالبة في قطاع غزة (منهم 297,577 ذكرا و293,907 اناث).

وتطرق فضة للحديث حول ما أسماه "سياسة الانضباط والحد من العنف"، مشيراً إلى أن هذه السياسة قديمة جداً وتعمل بها الوزارة ويتم تحديثها سنوياً، حيث أن آخر تحديث لهذه السياسة كان مع بداية العام الدراسي الحالي، ويجري الآن طباعتها لتوزع على المدارس.

وتتضمن هذه السياسة –حسب فضة- المخالفات والتدخل التربوي اللازم للمعالجة، حيث جرى تقسيم هذه المخالفات لأربع مستويات متدرجة وفق درجة صعوبتهاـ لافتاً إلى أن أي إجراء يتم منعه في المدارس يتم وضع بديل له، ويتم تدريب المدراء والمعلمين عليه.

البرامج والبدائل التربوية

ومن الناحية التخصصية حول العقاب البدني في المدارس، فتقول د. تغريد عبد الهادي رئيس قسم مؤسسات التربية الخاصة بجامعة الأقصى "إنها مع العقاب البدني ولكن في صورته الصحيحة الموجهة تربوياً ونفسياً، بحيث يتم إدارة العقاب البدني بشكل صحيح وهادف لصالح الطالب، فالضرب وارد في السنة كأحد وسائل الضبط والتهذيب".

وترى عبد الهادي في حديثها لـ"زوايا" أن بدائل العقاب البدني لا تبتعد عنه كثيراً، فهي تكون في شكل حرمان الطالب من بعض المعطيات المحببة لديه أو المهينة له أمام أقرانه، معتبرة أن "الأثر النفسي لهذا العقاب البديل أكبر من العقاب البدني"، حيث ضربت -عبد الهادي- مثالاً لذلك بأن يُحرم الطالب من الأنشطة اللاصفية أو من اكتساب بعض المهارات العملية.

وكمن سبقها، أشارت عبد الهادي إلى أنه يمكن تشجيع المعلمين على استخدام أساليب واستراتيجيات الانضباط الإيجابية في إدارة الفصول، من خلال التدريب وتقديم الدعم والموارد الكافية والضوابط المقبولة التي يمكن تقبلها والعمل بها، لأن المعلم في النهاية رسالته تربية ثم تعليم.

في المقابل، يتم رصد تعرض بعض المدرسين إلى إهانة وتعنيف من الطلبة وذويهم، وهنا يثار سؤال حول القرارات أو التدخلات اللازمة لحماية وضمان حقوق وهيبة المعلمين؟.

وفي إطار إجابتها على السؤال آنف الذكر، ذكرت "عبد الهادي" أن هناك قانون الانضباط المدرسي والمعمول به في مدارس التعليم العام، والذي ينص على كافة الأحكام الصادرة بحق الطالب والمعلم بخصوص أي عنف يصدر من أحد الطرفين، منوهة إلى أنه قد يصل أحد تلك الأحكام إلى الطرد والفصل من المدرسة لمدة فصل دراسي أو أكثر.

وأكدت أنه بالإضافة لذلك يجب أن تقوم وزارة التربية والتعليم ومن خلال مؤسساتها التعليمية والتشبيك مع المؤسسات الأهلية المجتمعية منها والقانونية بحيث تنشر ثقافة الوعي بدور المعلم كمربي وليس كمعلم فقط.

وشددت على أنه يجب توفير إطار تشريعي وسياسي ضامن لحقوق المعلم بالحصول على كافة حقوقه، وبالتالي نخفف الضغط النفسي والاجتماعي والمادي الواقع على كاهل المعلم، والذي يتسبب أحيانا بزيادة التعنيف من خلال إسقاط ذلك على الطلاب.

وحول ما إذا كان هناك برامج محددة لمعالجة ظاهرة الضرب في المدارس والاستعاضة عنها بوسائل أخرى؟ فقد أوضحت عبد الهادي أن من أهم وسائل معالجة ظاهرة العنف في المدارس تحليل تلك الظاهرة إلى مسبباتها ومكوناتها.

وأكدت عبد الهادي على ضرورة البدء في معالجة تلك الأسباب حسب كل مجتمع وكل مدرسة وما لها من خصوصية، مشيرة إلى الاهتمام بالتوجيه المدرسي وتفعيل دور الاخصائي النفسي، والذي يستطيع فعلياً من خلال عمله ومهنته التي تصب في الارشاد والتوجيه في تناول مشكلات الطلاب والحد منها.

اقرأ أيضاً: "الاستيطان الرعوي".. حدود "إسرائيل" الجديدة ترسمها مواشي المستوطنين

وأضافت: "كما يجب تفعيل مجالس أولياء الأمور، والتي من خلالها نستطيع إرساء قواعد أساسية تشاركية بين المدرسة والبيوت في تربية الطلاب وتهذيبهم دون تعنيف، فضلاً عن تفعيل دليل الانضباط المدرسي والعمل به فعليا، لضمان جودة العقاب المدرسي".

ووفقاً للمختصة عبد الهادي، يمكن ضبط العنف ومنع الضرب وتوجيهه من خلال الدعوة إلى اتباع نهج متكامل يضم الطلاب والعاملين في المدارس وأولياء الأمور وأطياف المجتمع المحلي، لإيجاد السبل الكفيلة بمنع الضرب أو توجيهه.

وأوضحت أنه يمكن ابتكار أساليب وتقنيات بناءة تحد من العنف عموماً، بحيث تتماشى مع سياسة الانضباط المدرسي كتفعيل الأنشطة الصفية والرحلات والحوارات والنقاشات المفتوحة مع الطلاب، فضلاً عن تشجيع ثقافة الاعتذار بين طرفي العملية التعليمية، وكذلك إنشاء نوادي طلابية.

وفي ختام حديثها، ذكرت عبد الهادي أنه يجب أن يتفهم المعلم خصائص المراحل التعليمية للطلبة، والتي ترافقها خصائص نفسية وبيولوجية تكوينية تتميز بالميل لعدم الانضباط ولفت الأنظار وإثبات الوجود، وخاصة في مراحل التعليم الأساسية العليا والثانوي، ويجب على المعلم الانتباه في سلوكه وتعاملاته مع الطلبة وضبط أعصابه والاستعاضة عنها بوسائل أخرى لحل المشكلات.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo