تكريماً له بعد وفاته..ننشر مقالات الأستاذ عبد الله أبو شرخ التي خص بها زوايا...
يمكن القول أن اساليب الكفاح التي اتبعتها فصائل الثورة الفلسطينية قد اتجهت في معظمها إلى الكفاح المسلح الذي مورس في سبعينيات غزة وستينيات الأردن وسبعينات وثمانينات لبنان.
مع بداية اندلاع الانتفاضة الشعبية الأولى في الأراضي المحتلة، طرأ تحول على أساليب النضال، لكن فعاليات الانتفاضة لم تكن سلمية خالصة، فالحجارة والمولوتوف كانت وسائل لا تخلو من الخشونة والعنف، ثم أن الانتفاضة كتمرد شعبي عارم قد فقدت بريقها بعد توجهات الفصائل إلى تكوين مجموعات فدائية مسلحة !!
لكن الكفاح السلمي الكامل والخالص كان نادرا كأن يتمثل في اعتصام طلابي أو إضراب عن الطعام في حرم جامعة بيرزيت.
بشكل عام يمكن القول أن الكفاح الشعبي السلمي لم يظهر سوى مرات قليلة يمكن وصفها بالخجولة.
في الأغلب فإن لجوء شعب ما إلى أساليب الكفاح السلمي يكون عندما يكون ميزان القوة العسكرية مختلا بصورة كبيرة لصالح الاحتلال، وهو يحتاج إلى تغيير في عقيدة الكفاح العنيف والمسلح لصالح عقيدة الكفاح السلمي الذي لا يوقع ضررا مباشرا أو عسكريا بقوات الاحتلال بقدر ما يستغل الوسائل السلمية من مسيرات واعتصامات وإضرابات لتفجير زوبعات إعلامية تحتل نشرات الأخبار العالمية.
اقرأ أيضاً: باحث سياسي: المتغيرات الإقليمية دفعت حماس والجهاد لتغيير خطابهما تجاه المنظمة
هدف الكفاح السلمي إذن هو تجنيد وحشد المناصرين من أحرار العالم لصالح مقاومة الاحتلال، كأن يفرض الاتحاد الأوروبي مقاطعة اقتصادية لبضائع المستوطنات، وهو أمر لم يتحقق دون ممارسة نضال سياسي دؤوب لمنظمة التحرير والسفارات الفلسطينية حول العالم.
إن استخدام العنف المسلح يستدعي أيضا ردوداً عنيفة من جيش الاحتلال وترسانته الغاشمة حيث يفضل الاحتلال خوض معارك قصيرة وخاطفة يحسم بها أي صدام مسلح مع إيقاع أضرار بالغة في الأرواح والممتلكات للشعب تحت الاحتلال.
الهند بقيادة مهاتما غاندي وجنوب أفريقيا بقيادة نيلسون مانديلا وثورة الزنوج في أمريكا بقيادة مارتن لوثر كينج، وإلى حد ما ، إضرابات عمال مناجم الفحم في بريطانيا، كلها كانت أمثلة ناصعة على استثمار قوة الجماهير وإرادتها من أجل استنزاف قوة المحتل الغاشمة بطريقة تؤدي إلى تراكم وعي الشعوب الحرة مع سنوات النضال لكي تؤثر تلك الشعوب في برلمانتها وحكوماتها، علما بأن قرار الاتحاد الأوروبي بمقاطعة المستوطنات قد تم في التسعينات كأحد تداعيات الانتفاضة الشعبية الأولى. الآن تبلورت في أمريكا والغرب حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات ال BDS التي انضمت إليها مئات من اتحادات الطلاب ونقابات العمال التي تهدد شركات عالمية بمقاطعة منتوجاتها في حال وجود أي شبهة استثمار في المستوطنات.
إن النضال السلمي أكثر قبولا لدى شعوب العالم، علاوة على كونه أكثر جدوى وأعمق أثرا، فقد تحررت الهند من الاحتلال البريطاني من خلال المقاطعة المنظمة للبضائع البريطانية وتحررت جنوب أفريقيا من حكم استبدادي عنصري بفعل حملات المقاطعة العالمية، كما أن طوفان الجماهير السلمية قد حرر زنوج أمريكا وهدم الجدار الفاصل في برلين.
على المثقفين الفلسطينيين القيام بواجبهم في نشر الوعي حول عقيدة الكفاح السلمي وجدواها وأمثلتها العالمية التي شكلت خريطة طريق نحو تعرية الكيان الإسرائيلي العنصري وممارساته الهمجية والبربرية في القتل والقمع والتشريد ومصادرة الأراضي والحواجز العازلة حول المدن والقرى والمخيمات، ولنكن واثقين من النصر مهما طال الزمن.