طائر الفينيق وراية الدم !!

طائر الفينيق
طائر الفينيق

هل يوجد فلسطيني واحد من داخل الأقاليم الثلاثة، الضفة، غزة، 48 - أو في الشتات - يعترف بكامل قواه العقلية أن سهل بيسان ومرج بن عامر أراض يهودية، وأن حيفا ويافا وعكا مدن إسرائيلية ؟؟!

تقول الأسطورة الكنعانية أن طائر الفينيق يعيش 543 عاما في ختامها يحترق مخلفا كومة من الرماد ثم تنبعث في الجو روائح عطرية ويخرج من الرماد فينيق جديد !!

عندما حدثت النكبة في 1948 لم يقاتل الشعب الفلسطيني، لأنه انتظر مناصرة ودعم الدول العربية التي كانت لا تزال تحت السيطرة الاستعمارية البريطانية والفرنسية. لكن في الخمسينات لمع نجم اليسار الاشتراكي، ومع الإنذار السوفييتي لدول العدوان الثلاثي، فرنسا وبريطانيا ودولة الاحتلال الإسرائيلي، خرجت جماهير قطاع غزة لتهتف ( إنذارك يا بولغانين خلا كل الغرب يلين / إنذارك يا شيبيلوف موت الغرب من الخوف )، ثم تحولت غزة إلى منطقة يسارية، لكنها لم تكن يسارية عقائدية تدرس فائض القيمة لدى كارل ماركس وقوانين الديالكتيك، بل يسارية سياسية بعاطفة جياشة تفيض حبا وغراما، ليس للسوفييت وأفكارهم، بل للقوة العسكرية الجبارة التي مكنتهم من إذلال القوى الاستعمارية التي تتقاسم ثروات الكوكب وتستعبد شعوبه.

شغف الفلسطينيين في الخمسينات بالقوة السوفيتية جعل من اليسار القوة الجماهيرية الأعظم، فطالما أن التحالف مع السوفييت سيؤدي إلى امتلاك الفلسطينيين للسلاح لتحرير فلسطين من الاحتلال الاستيطاني، فلا بأس إذن بيسار فلسطيني لا يرى غضاضة في احتشام المرأة، طالما أن الفدائيين سيمتلكون رشاشات الكلاشنيكوف !

لكن فترة الخمسينات اليسارية وسيرة تشي جيفارا لم تؤدي إلى تحرير فلسطين. تلا ذلك تطورات زحف القوميين إلى مراكز السلطة، وفي الستينات ظهرت حركة فتح والجبهة الشعبية اللتان تنافستا في ممارسة العمل الفدائي، فخطفوا الطائرات واحتلوا الفنادق واحتجزوا الرهائن وخاضوا المعارك، ومن الأردن قطعوا النهر ليلا للوصول إلى المستوطنات وفي لبنان امتلكوا أسلحة أكثر تطورا مثل B7 وأكثر تدميرا وفتكا مثل راجمات الكاتيوشا، وبذلك انتقلت راية الدم الفينيقية من اليسار في الخمسينات إلى القوميين في الستينات، حيث أصبحت منظمة التحرير تسيطر على الشارع الفلسطيني بما فيه من نقابات عمالية ومهنية وأطر طلابية وأندية شبابية ولجان المرأة والعمل الصحي، هذا واستمرت فصائل منظمة التحرير في ممارسة العمل الفدائي المسلح لغاية المواجهة الشاملة في لبنان 1982 !!!

اقرأ أيضاً: "مجلس المستوطنات" يحلم بالعودة لـ"غوش قطيف" ومليون مستوطن في الضفة

لكن بيروت لم تكن الخيمة الأخيرة كما قرر الشاعر محمود درويش، بل قام الفينيق من الرماد مجددا في الانتفاضة الشعبية الكبرى عام 1987 .. أثناءها سقط الاتحاد السوفييتي وتم ضرب العراق وبالضغط السياسي والمالي والأمني على منظمة التحرير، واغتيال قادة المنظمة وتحت الضغط العربي، وقعت المنظمة اتفاقات أوسلو وبذلك انتهت حقبة من الكفاح الطويل، فكانت استراحة محارب عاد لحرب الشوارع في الانتفاضة الثانية !

قلنا أن طائر الفينيق يولد من جديد من أحشاء الرماد، وطالما سقطت راية الدم من الوطنيين والقوميين، فلا بأس أن نجرب الإسلاميين الذين طرحوا شعارات الجهاد ومواصلة الكفاح.

الشعب الفلسطيني ذكي جدا، لكنه عنيد وشرس، حيث لا يجد صعوبة تذكر في نقل الراية، من تظاهرات اليساريين في الخمسينات، إلى بنادق القوميين والوطنيين في الستينات والسبعينات والثمانينات، إلى الإسلاميين في التسعينات وعصر العولمة !!!

شعب الفينيق لا يحترم حديث المثقفين إلا إذا كان معجونا بالشهادة على طريقة غسان كنفاني وناجي العلي وماجد أبو شرار، ولا يحترم أصحاب الياقات وربطات العنق الغربية، لذا، لا غرابة أن يحمل راية الفينيق في 2021 قائد لا يرتدي ربطة العنق، فيفرض منع التجوال على تل أبيب ويغلق مطارات الدولة، ويبتكر صواريخ طويلة المدى ويصنع الطائرات المسيرة، وكل ذلك في حصار مشدد تفرضه الدولة الصهيونية برا وبحرا وجوا .. تتغير الوان الراية من الأحمر إلى الأصفر إلى الأخضر، ليبقى طبق السلطة الغزاوية بالفلفل الحارق حاضرا في موائد الخمسينات والسبعينات والألفية الثالثة.. تلكم هي أسطورة الفينيق الذي يولد من بين الرماد، عملاقا، محاربا، باعثا أجمل الروائح في عالم يشهد ميلاد فينيق جديد، يحلق في عنان السماء ويكتب فوق الشمس قصائد عشق سرمدية للتين والزيتون وجدائل طفلة تغني أمس على التيك توك ثم تنقلب لتسجل بنفس الجوال ركام برج الشروق وتغرد على هاشتاغات الحرية لفلسطين ليصبح الهاشتاغ الأول في شبكة الأنترنت ومواقع التواصل !!

على الهامش: ياسر عرفات وجورج حبش وأبو جهاد وأبو إياد والشقاقي والسنوار لم يرتدوا ربطات العنق !

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo