تشهد المدن الفلسطينية في مناطق الضفة الغربية منذ بداية العام الجاري، عمليات إسرائيلية عسكرية واقتحامات باتت شبه يومية، وخاصة في مدينتي جنين ونابلس، أسفرت عن استشهاد عشرات الفلسطينيين، واعتقال المئات.
وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد أطلق في شهر مارس/آذار الماضي هذه العملية العسكرية بالضفة الغربية وأسماها "كاسر الأمواج".
حصر المواجهة في الضفة
يقول الخبير في الشأن الإسرائيلي، عصمت منصور، في حوار خاص مع موقع "زوايا" إن هذه الاقتحامات للمدن الفلسطينية تكثفت وتحولت إلى هذا المستوى من العدوانية والعنف بعد سلسلة العمليات الفدائية التي وقعت منذ بداية العام في داخل الخط الأخضر، وأطلق جيش الاحتلال على هذه العملية اسم "كاسر الأمواج".
وهذه العمليات، وفق منصور، تهدف إلى القيام بعمل استباقي لمنع وقوع عمليات في الداخل، وملاحقة المطلوبين والمسلحين والمقاومين المفترضين إلى داخل بيوتهم ومخيامتهم ومدنهم قبل الانطلاق بعمليات إلى داخل الخط الأخضر.
وبالتالي هدفها حصر المواجهة في الضفة وعدم انزلاقها إلى المدن الإسرائيلية، بحسب ما ذكر منصور، وهذا ما عبر عنه على حد قوله وزير جيش الاحتلال بني جانتس في إحدى المرات عندما قال إنه يفضل المواجهة بين جندي من وحدة مختارة وبين مقاتل في مخيم أو قرية، بدل أن تكون بين فلسطيني حضر لإطلاق النار أو تفجير نفسه في إسرائيلي يجلس على المقهى.
وتابع منصور، الفكرة من هذه الاقتحامات بأن تنحسر المواجهة في الضفة، بالإضافة إلى بقاء المسلحين في حال انشغال دائم للدفاع عن أنفسهم، وإضعافهم، وتوجيه ضربات لهم، وهي تستند بالأساس على معلومات وعمليات خاطفة عبر مستعربين ووحدات خاصة بشكل سريع ومكثف في المدن الفلسطينية.
اقرأ أيضاً: بروفيسور إسرائيلي يشكك في اتفاقات التطبيع: "لا تثقوا في الدول العربية"
وعند سؤال منصور عن رأيه هل حققت العملية أهدافها بعد مضي خمسة شهور عليها؟ يجيب بأنها حققت الهدف الرئيسي منها بمنع العمليات في الداخل حتى الآن، وذلك بسبب ما نشر من كميات كبيرة من الجنود على الحدود وبسبب هذه الاقتحامات اليومية، ولكن عملية فدائية واحدة تقع في الداخل كفيلة بأن تكشف عورة هذه الاقتحامات وبأنها لم تشكل حلاً جذرياً.
زيادة الاحتقان وإضعاف السلطة
ولكن منصور نوه إلى أنه في مقابل هذا الانجاز "الإسرائيلي" فقد زادت حالة الاحتقان والغضب ووسعت قاعدة المؤيدين لهذه العمليات والمشاركين في عمليات إطلاق النار، ولم تقضي على حالة المقاومة الفردية والجماعية.
وحول تأثيرها على السلطة الفلسطينية، فيرى أن العملية أضعفت السلطة بشكل كبير في المناطق التي تشهد هذه الاقتحامات، ولم يعد هناك وجود للسلطة في جنين ونابلس خلالها.
وكانت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية نشرت مقالًا، الثلاثاء، جاء فيه أنّ "إسرائيل" قد تعمد إلى تقليل مداهماتها في الضفة الغربية، لمنع السلطة الفلسطينية من الانهيار.
وهو ما عبر عنه الخميس الماضي، أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ عندما صرح في مقابلة مع موقع "واللا" العبري، أن إسرائيل قامت بـ"إضعاف السلطة الفلسطينية".
وقال الشيخ، إن "العمليات التي ينفذها الجيش الإسرائيلي بالضفة الغربية منذ أكثر من عام أدت إلى إضعاف السلطة وخنقها اقتصاديا، وبأن السلطة سبق وأن حذرت من أن العمليات التي ينفذها الجيش الإسرائيلي ستفضي إلى التصعيد".
لكن رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشاباك"، رونين بار رد على "الشيخ"، الأحد، في تصريح نقلته قناة (كان) الرسمية قائلاً "منذ مطلع العام الجاري تم إحباط أكثر من 130 عملية إطلاق نار على خلفية قومية (نفذها فلسطينيون)، مقارنة مع 98 عملية في الفترة ذاتها من العام المنصرم (2021)، و19 فقط في الأشهر الثمانية الأولى من عام (2020)".
وأضاف بار: "الارتفاع المستمر في محاولات المنظمات الفلسطينية تنفيذ عمليات إطلاق نار يعود إلى عدم تمكن السلطة الفلسطينية وأجهزة الأمن التابعة لها من فرض النظام بشكل كامل على المناطق الخاضعة لسيطرتها".
وتابع: "هذا الأمر يلزم قوات الجيش وأفراد الأذرع الأمنية الأخرى بالدخول بشكل يومي إلى قرى وبلدات فلسطينية بهدف اعتقال مطلوبين، حيث تم منذ بداية العام اعتقال أكثر من ألفين فلسطيني".
ورداً على اتهامات رئيس الشاباك للسلطة الفلسطينية، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واصل أبو يوسف في تصريح مقتضب لموقع "زوايا" إن "السلطة الفلسطينية لا يمكن أن تكون درعا واقيا لهذا الاحتلال المجرم، وهو الذي يرتكب كل هذه الجرائم، أما السلطة الفلسطينية فهي مسؤولة عن شعبها الفلسطيني".
وتابع أبو يوسف: "منظمة التحرير الفلسطينية تسعى من أجل تجريم الاحتلال على هذه الجرائم، سواء فيما يتعلق بتوفير الحماية الدولية للفلسطينيين، أو على صعيد المحكمة الجنائية الدولية"، مضيفا أن "منظمة التحرير وكل المؤسسات الفلسطينية مع المقاومة الشعبية المستمرة ضد الاحتلال في سبيل إنهائه".
وحول اتخاذ السلطة الفلسطينية لأي خطوات عملية من أجل وقف الاقتحامات الإسرائيلية للمدن الفلسطينية، رد أبو يوسف أن "هناك اتصالات تجري مع كل الأطراف الدولية لإنهاء كل ما له علاقة بهذا التعصيد، ولتوفير الحماية الدولية للفلسطينيين، وتجريم الاحتلال، وفرض المقاطعة عليه، ومحاكمته أمام الجنائية الدولية".
إلى أين تتجه الأمور؟
وفي محاولة الإجابة على سؤال إلى أين تتجه هذه العملية؟، يرى عصمت منصور بأنه لن يكون هناك عملية واسعة في الضفة الغربية لجيش الاحتلال، وهذه العملية الواسعة من الممكن أن تحصل لو وقعت عمليات ضخمة وأوقعت عددا كبيرا من القتلى الإسرائيليين، ولكن هذا الاحتمال غير وارد ومستبعد، لأنه لا يوجد أي هدف في الضفة لا يستطيع الجيش الوصول إليه، والآن دخلت الطائرات المسيرة على الخط، وهي أداة جديدة للمواجهة عن البعد.
اقرأ أيضاً: ترجمة خاصة إنه لغز لا يريد أحد اكتشافه: كم عدد العرب بالفعل بين الأردن والبحر؟
ووفق تصور منصور، سوف تبقى الاقتحامات بهذه الوتيرة حتى إجراء الانتخابات الإسرائيلية (مطلع نوفمبر 2022)، كي لا تحدث أي عملية، وبعدها إذا نجح غانتس في تشكيل حكومة فهو يحمل برنامج لتقليص الصراع، وسوف يفسح المجال للسلطة بأن تأخذ صلاحيات في مناطق أوسع.
أما القيادي في حركة فتح وعضو المجلس الثوري جمال حويل من مخيم جنين، وهو يراقب هذه الاقتحامات عن كثب، أفاد في حوار خاص مع موقع "زوايا"، أن عملية "كاسر الأمواج" لم تنجح، ولو نجحت لما زاد الاحتلال من اعتداءاته على الشعب الفلسطيني، منوها إلى أن الإعلان الإسرائيلي عن البدء باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ من الجو، أو إحضار آليات ثقيلة وتمركزها عند حاجز دوتان العسكري قرب جنين، وزيادة القوات ونوعيتها خلال الاقتحامات الإسرائيلية، فهو دليل على أنهم فشلوا فشلا ذريع، وفي كل مرة يقومون بعملية ضد أحد المقاومين يزداد عدد المقاومين.
ويُحمّل حويل الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية عن الأحداث الجارية، قائلاً "ما زال الاحتلال موجود، الشيء الطبيعي لكل إنسان شريف وحر يريد الكرامة والعزة أن يعمل لأجل إزالة هذا الاحتلال، والاحتلال استخدم القوة على مدار سنوات طويلة جداً مع الشعب الفلسطيني ولم ينتج عنها أي شيء، لأنهم لا يريدون إعطاء الشعب الفلسطيني شيئا بل ولا يعترفون بوجوده".
وعن رأيه حول مآلات هذه العملية، يرد القيادي في حركة فتح: "طالما مظاهر الاحتلال ما زالت موجودة من استيطان واقتحامات للمسجد الأقصى وتهويد القدس ووجود الأسرى في السجون وحصار غزة، الشيء الطبيعي أن تستمر المقاومة للدفاع عن شعبنا".
وتابع حويل "إسرائيل بإجراءتها الإرهابية المستمرة ضد شعبنا تقود الأمور إلى التعقيد أكثر، لأن الإرهاب الإسرائيلي لن يكون مقابله إلا مقاومة لهذا الإرهاب، والأمن الإسرائيلي المنشود لن يكون إلا إذا نال الشعب الفلسطيني حقه المنشود بدولة فلسطينية حرة وعاصمتها القدس، وغير ذلك سوف تنجر الضفة الغربية وغزة والمنطقة بأكملها إلى مواجهة كبيرة جداً".
واستبعد حويل ارتباط عملية "كاسر الأمواج" بالانتخابات الإسرائيلية إلا بشيء محدود، لأن "إسرائيل لديها مؤسسات أمنية وجيش وشاباك يضعون خططا لمواجهة الشعب الفلسطيني، ووتيرة العمل العسكري ضد الشعب الفلسطيني واحدة منذ بداية الاحتلال وحتى الآن، حيث مارست إسرائيل نفس الممارسات الإرهابية بغض النظر عن الحزب الحاكم عندها".