المرأة غير ملزمة.. صراع الوهم

6umd3gja copy.webp
6umd3gja copy.webp

في بُعد سيكولوجي ديني ظهر مصطلح (المرأة غير ملزمة بالرضاعة) على لسان إحدى السيدات الحقوقيات في مصر، وهو بالمناسبة رأي فقهي قديم يتم استحضاره من باب المناكفة التي تحصل كل فترة بين النساء والرجال، لكنه هذه المرة تحوّل إلى ما يشبه النكتة، مما فتح الباب على مصراعيه أمام النساء والرجال على السواء للتندر من هذا القول الذي يحمل في ظاهره روح الخطأ وفي باطنه رجاء يبحث عن الطمأنينة والسكينة والبيت الآمن، فالمرأة هواها وحبها وحياتها أن يلقم طفلها ثديها لترضعه من حليبها، وهي التي أعطته من دمها وعظامها لتسعة أشهر فهل ستبخل عليه بسبيل الحياة والقوة؟!

لا تعُد المرأة بعد الحمل والولادة كما كانت في السابق من فرط ما أخذ الجنين من صحتها ورونقها ووقتها، وهي بكل ذلك لا تشعر إلا بالسعادة والرضى وطفلها يكبر أمام ناظريها، وتنتظر مقابل هذا التقدير والاهتمام والأمان، وإن لقيت ما سبق أجزلت العطاء دون سؤال أو حساب، فهي الأصل وسبب الوجود على هذه الأرض، ولكن النفس ملزمة بالأنس والتراضي والمودة.

إن كانت غير ملزمة بالرضاعة فلماذا تتزوج من الأصل؟ ولماذا يُدر الله الحليب في صدر المرأة بعد الولادة وليس قبلها؟!

للزواج أسباب شخصية لكل فرد بالطبع، والحمل والولادة هي إحدى نتائج الزواج، فإن كان ولا بد فليكن شرطًا مسبقًا أو اتفاقًا على عدم الانجاب، أو الالتزام بإحضار مرضعة إن صار وحصل ما يكسر الاتفاق. القارئ للسطرين السابقين -أيًا كان جنسه- سوف يشمئز من الفكرة بحد ذاتها، وهي فكرة تدعو لذلك، إذًن نحن أماما فلسفة جديدة قديمة تخرج لنا كل فترة على شكل تصريحات هدفها إلهاء الرجال والنساء عن المشكلة الأساسية التي تواجه المجموع وليس جنس معين.

اقرأ أيضاً: كتاب لـ"زوايا": القضية الفلسطينية بحاجة لمسار تحرري جديد والصراع الداخلي غيبها

لطالما كانت المرأة عبر التاريخ الطرف الأضعف في حلقة السيطرة الذكورية، بل إنها لم تكن حلقة من الأصل بل جزء من أملاك الرجل الذي يستطيع التصرف فيها كيفما يشاء، إلى أن جاءت الثورات التي نتجت عن حروب الرجال، حتى وصل الإنسان المتمدن إلى قرارات وقوانين تعي المرأة بعض التحسينات على حياتها وذلك من باب مصلحة الرجال طبقًا للحداثة التي حصلت والتي بدروها تتطلب الحضور النسائي فيها لتكتمل الصورة.

تلك عصور وانتهت، ومن أجل المحافظة على ما عليه المرأة الآن واستزادته يجب عليها وعلى الرجل معًا أن ينتبها إلى ميدان المنافسة الحقيقي، وأن يعيا أن السلطة الحاكمة تصنع هذا الصراع الذي ورثته عن سلسلة متصلة من أنظمة الحكم من أجل إبقاء الحالة الشعبية في طور البناء والهدام الذاتي من خلال تخليق أدوات صراع وأفكار هي بالأساس غير حقيقية بل تم تغذيتها من أنظمة وقوانين وأفهام دينية عملت على خلق فريقين يتقاذفا الاتهامات، ومن أجل استمرار ذلك الصراع بُنيت المؤسسات وسنة القوانين وعقدت المؤتمرات بهدف تطوير أداوت الصراع بين المرأة والرجل، الصراع الذي هو في الأساس ناتج عن رعاية السلطة له وزرعته في عقول الشعب عبر أدوات السيطرة عبر النظام التعليمي، والنظام الأسري والنظام الإعلامي المتحكم به بالدرجة الأولى، والذي بدا أنه ليس بحاجة إلى من يتحكم به بعدما تم برمجته على هذه العقيدة منذ مئات السنين.

الحقيقة هنا أن لا صراع بين المرأة والرجل، بل الصراع الحقيقي يجب أن يكون بين المواطن (الذكر والأنثى) وبين السلطة والنظام الحاكم، هذا هو الصراع الحقوقي الأساسي الذي تتهرب منه الأنظمة الحاكمة، وتخلق له بدائل من أجل ألا يتحد المواطن (الذكر والأنثى) في سعيه من أجل بناء نظام حكم عام يتعامل مع المواطنين سواء بسواء دون النظر إلى الجنس، ومتى توصل الجنسين إلى فكرة المواطنة، سيحتكم الجميع وقتها إلى القانون الحقيقي الذي لا يتعامل مع الأفراد إلا بكونهم مواطنين متشابهين في الحقوق والواجبات.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo