الضفة الغربية ...مخزون ثوري لا ينضب ومسرح للفشل الاسرائيلي

مواجهات في الضفة الغربية
مواجهات في الضفة الغربية

"الضفة على فوهة بركان", هذه الجملة التي غالبا ما تتردد في وسائل الاعلام الإسرائيلية والتي تعكس مدى القلق من تنامي ظاهرة المقاومة والتحسب لاندلاع انتفاضة جديدة في مدن ومخيمات الضفة الغربية.

تشعر دولة الاحتلال , خاصة أجهزتها الامنية, بخطورة عالية بعدما نفذت العديد من العمليات الفدائية ضد المستوطنين والجنود, لدرجة ان بعض قادة الامن الاسرائيلي اصبحوا يتكلمون علانية عن توقع بانفجار الوضع الامني وازدياد عدد المنخرطين في صفوف المقاومة وخصوصا هؤلاء الذين لا ينتمون الى أي احزاب سياسية.

وواضح ان الجرائم اليومية التي ترتكب من قبل قوات الاحتلال في الضفة الغربية ضد المواطنين الفلسطينيين, خاصة استمرار عمليات القتل والاعتقال والمداهمات, وكذلك المسيرات الاستفزازية للمستوطنين في مدينة القدس والاقتحامات اليومية للمسجد الاقصى , هي التي تصب الزيت على النار وتشعل فتيل الثورة والمقاومة وتحرض الشباب الفلسطيني على القيام بعمليات فردية تخلق حالة من الهلع والارباك في صفوف الجيش والمستوطنين.

الخروج عن السيطرة

ولا يكاد يمر يوم دون ان تنفذ عملية فدائية ضد المحتلين, ويبيت الاسرائيليون كل ليلة تقريبا على أنباء عمليات إطلاق نار، وتستيقظ على نتائج اشتباكات مسلحة , او كمائن منصوبة على طريق الجيش والمستوطنين , أو عمليات طعن في عدد من مناطق الضفة، ولاسيما جنين ونابلس.

وتشير أرقام واحصاءات جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) الى تصاعد كبير في عدد الهجمات الفلسطينية على جنود الاحتلال والمستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، وذكرت هذه التقارير أنه ومنذ بداية العام 2022 وإلى آخر أغسطس تم تنفيذ 1526 هجوما ضد الجيش والمستوطنين, فيما شهد عام 2021 بأكمله، 91 عملية فقط، منها 16 عملية استهدفت مستوطنين، و75 استهدفت قوات الاحتلال.

اقرأ أيضاً: كتاب لـ"زوايا": القضية الفلسطينية بحاجة لمسار تحرري جديد والصراع الداخلي غيبها

هذا التمدد والتوسع في عمليات المقاومة دفع إسرائيل إلى ارسال 24 كتيبة من جنودها الى الضفة الغربية، وهو ما يعادل نصف الجيش الإسرائيلي. وعلى سبيل المثال, فان عمليات "تأمين اقتحام المستوطنين لقبر يوسف في نابلس كان يتم، في السابق، عبر إرسال كتيبتين، تُعَدّان كافيتين لتأمين الاقتحام, أما اليوم فقد أصبحت كل عملية اقتحام تحتاج إلى أربع كتائب للتأمين، وتُرافق ذلك عملياتُ إطلاق نار واشتباكات من مسافات قريبة.

وينقل الباحث في معهد دراسات الأمن القومي التابع للجامعة العبرية عوفر شيلح عن قيادات أمنية وعسكرية الأمن قولهم "إن الوضع في الضفة الغربية قد يتدهور في أي لحظة, وان لحظة الانفجار لم تعد بعيدة".

وأضاف شيلح "هذا الواقع هو بسبب حالة الاحباط التي تسود المجتمع الفلسطيني مما يدفعه الى امتلاك الاسلحة ، كما أنه يخضع لسلطة فلسطينية ضعيفة، لكن هذا مجرد جزء صغير من الصورة الكاملة، لأن خبراء الأمن لا يتابعون سوى الجانب العسكري للقضية أو بعبارة أخرى (العدو)".

أما الصحفي الاسرائيلي افي سخاروف فيؤكد أن الوضع بدأ يخرج عن السيطرة وأن أجهزة الامن لا تعرف من أين تأتيها الضربات , وقال "نحن أمام حالة جديدة لا تشبه الانتفاضتين السابقتين اللتين اندلعتا في عامي 1987 و2000 , مضيفا بان ما يجري ليس انتفاضة، لكن أمام حالة جديدة" , موضحا أن "ما نشهده الآن هو أمر جديد يتمثل في وجود جيوب لخلايا فلسطينية مسلحة تخطط للاشتباك كل ليلة تقريبا مع الجيش الإسرائيلي أو يطلقون النار على أهداف إسرائيلية".

بعض الاعلاميين الاسرائيليين نصح دولة الاحتلال أن تركز جهدها في محاربة المقاتلين الفلسطينيين بدلا من الجري وراء الاتفاق النووي الايراني !! وقال بعضهم ساخرا " يجب ان ننظر الى الخطر الذي يتمدد داخلنا ويزرع الخوف والرعب لدى الاطفال", وقال المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية رون بن يشاي إن "موضوعاً واحداً الآن يشغل الجيش الإسرائيلي، وجهاز الشاباك أكثر من الاتفاق النووي الإيراني، وحتى أكثر من تحذيرات أمين عام حزب الله اللبناني حسن نصر الله".

ولا يكاد يخلو مكان في الضفة الغربية من عمليات استهداف لقوات الاحتلال , حتى المناطق التي تعتبرها قوات الاحتلال "مناطق هادئة" , نظرا لبعدها وعدم استهدافها من قبل المسلحين, فقد عبرت عنها قناة (كان) الإسرائيلية، والتي أشارت إلى أن الاحتلال بات يتخوف من توسع العمليات إلى ما يوصَف بـ"مناطق الراحة"، مثل الأغوار، وهي مناطق نادرًا ما شهدت عمليات للمقاومة لطبيعتها الجغرافية.

جرأة غير مسبوقة

مما يصدم الاسرائيليين, خاصة الاجهزة الامنية والعسكرية, تلك الجرأة التي يتحلى بها الفلسطينيون في تنفيذ العمليات والهجوم المباشر على قوافل الجيش والمستوطنين, وكذلك محاولتهم المستميتة لخطف الجنود او اقتحام معسكرات الجيش, مع العلم أنهم قد يستشهدون او يصابون أو يعتقلون. هذه الجرأة دفعت عددا من ضباط الجيش للاعتراف لوسائل اعلام اسرائيلية بأن "هذه الظاهرة ليست جديدة ولكنها تزداد خطورة , وان اعجاب الفلسطينيين بالمنفذين يفتح الباب على مصراعيه لتشجيع عدد أكبر على الانخراط في عمليات المقاومة".

الفئات العمرية للمقاتلين والفدائيين لا تتجاوز منتصف العشرينات, كمان ان خلفياتهم المجتمعية جيدة ولا تنم عن أي حالة فقر , فضلا عن تفوق بعضهم في دراسته.

وذكر محلل الشؤون الفلسطينية في الصحيفة "آفي زخاروف"، أن جيش الاحتلال بدأ يصطدم بنوع آخر من المقاومين يمتازون بأنهم الأكثر جرأة، ويسعون للمواجهة ويرفضون الاستسلام".

وأوضح " أن المقاومين الجدد، الذين وصفهم بـ"الجيل الثالث"، "لا يهمهم انكشاف شخصياتهم على صفحات التواصل الاجتماعي؛ كالشهيد إبراهيم النابلسي، وهو ما يحولهم إلى نماذج يُحتذى بها في الشارع الفلسطيني.

وقال ان "كل فيديو يوثق عمليات إطلاق النار تجاه الجيش يرفع من أسهم المقاومين"، مشيرًا إلى أنهم "لا يحملون انتماءات حزبية واضحة؛ ففي الصباح قد يتصور أحدهم وعلى رأسه عصبة الجهاد الإسلامي وفي المساء مع شهداء الأقصى سواءً في نابلس أو جنين".

معهد الامن الاسرائيلي اشار في تقرير له إلى أن ثمن المقاومة بالنسبة للمقاومين ليس باهظًا، فالأبطال الفلسطينيون يولدون كل يوم والشعور بالقدرة والدافعية للنضال المسلح يستقر في الوعي الجمعي لجيل الشباب، وهذا بحد ذاته سببًا كافيًا لتوسع دائرة المواجهة في الضفة الغربية.

دوافع النهوض الثوري

ما يدفع الفلسطينيين الى مقاومة الاحتلال هو امر طبيعي, لكن تطرأ العديد من العوامل التي ترفع من وتيرة العمل المقاوم, والتي يقف على رأسها غياب أي أفق سياسي امام الفلسطينيين وانه لم تعد لديهم ثقة بما يسمى بالعملية السلمية او المفاوضات او المحاولات الخادعة التي تهدف الى فرض "سلام اقتصادي" متخم بالسم ومليء بالوعود الكاذبة. حتى أن ابناء حركة فتح الذين تبنوا نهج السلام والتفاوض باتوا يتمردون عليه بشكل واضح ويدعون الى مقاومة عسكرية ضد الاحتلال.

اقرأ أيضاً: "زوايا" ينفرد: إقامة منطقة صناعية "حرفية" جنوب قطاع غزة

اضافة الى ذلك, سلسلة الجرائم الاسرائيلية الخطيرة التي ترتكب بشكل يومي في الضفة الغربية والتي لا تكاد تتوقف وتطال كل مواطن في المدن والقرى والمخيمات وتتسبب في ضحايا وخسائر فادحة , وكذلك حالة التعالي الاسرائيلية التي تصر على النهج الاستعماري الصهيوني في بناء المستوطنات ومصادرة الاراضي وتخريب المزارع الفلسطيني وحرقها والسماح للمستوطنين بالعربدة والتعرض للفلسطينيين يوميا.

الضفة الغربية تعج بعوامل واسباب الثورة والمقاومة, وكل يوم تزداد هذه الاسباب وتتزاحم وتشكل دافعية قوية للفلسطينيين للانطلاق نحو مواجهة مفتوحة مع الاحتلال.

خيارات فاشلة

ان الخيارات التي تعاملت بها اسرائيل مع الضفة الغربية عموما باءت بالفشل ولم تنجح واحدة منها في ردع الفلسطينيين او مجرد تخويفهم او التأثير عليهم. فقد جربت إسرائيل كل انواع القهر والقوة العسكرية والقمع والاقتحامات والاعتقالات الواسعة وهدم منازل الفدائيين, لكهنا اكتشفت بعد ذلك ان ظاهرة المقاومة في ازدياد , وأن الذين استشهد ابناؤهم او هدمت بيوتهم يخرجون الى وسائل الاعلام بلغة قوية وصاخبة أن مستعدون لدفع ثمن أكبر.

في نفس الوقت جربت سياسية الترويض الاقتصادي والتسهيلات وفتح الباب امام الاف العمال للعمل داخل اسرائيل واظهار نفسها انها المخلص لمشاكل الشعب الفلسطيني الاقتصادية, وانها القادرة على اغراق الضفة الغربية بالترف الاقتصادي, لكن ذلك لم تُؤتِ أُكُله، وباتت صور الفشل تظهر في أكثر من بقعة وتحديداً في شمال الضفة".

وحاولت اسرائيل ان تتغنى بتوثيق العلاقة مع السلطة وانها تنسق معها لمواجهة (الارهاب) وانها تسعى الى تعزيز دور السلطة ومدها باسباب الحياة والقوة, لكن ذلك لم يجد نفعا ووجدت السلطة نفسها امام واقع لا تستطيع الدفاع عنه أمام المواطنين, ولا يمكن ان تبرر لنفسها منع المقاومين من مواجهة الاحتلال خاصة في ظل تعالي العجرفة الاسرائيلية ومحاولتها المستمرة في تقزيم دور السلطة ومحاصرتها وتقييد دورها السياسي.

 تعزيز دور السلطة لإجهاض المقاومة

في المقابل تسعى الجهات الامنية الاسرائيلية لتعزيز دور السلطة الفلسطينية لتكون في مواجهة الفصائل المسلحة خاصة حماس والجهاد الاسلامي , ويرى العديد من قادة الامن ان تعزيز دور السلطة مهم جدا في احتواء المد الثوري واجهاضه ومنع تمدده.

غير ان وضع السلطة بين المستويين السياسي والامني في اسرائيل, فالطرف الاول يسعى الى ان تكون السلطة بدون "مخالب" وانها يجب ان تظل رهينة للتوجهات الإسرائيلية. اما الطرف الثاني فيرى انه لا يمكن ضبط الوضع في الضفة ومنع انفجاره الا بتعزيز العلاقة مع السلطة وتقويتها لمواجهة الجهات المحرضة على المقاومة في الشارع الفلسطيني.

وقالت صحيفة "هآرتس" في مقال كتبه يونتان ليس: "إسرائيل تلاحظ في الأشهر الأخيرة تآكل مكانة السلطة، ويجري النظر في سلسلة وسائل تستهدف مساعدتها لتعزيز قوتها".

وذكر رئيس الأركان أفيف كوخافي أن "عدم سيطرة أجهزة السلطة الأمنية على مناطق معينة في الضفة الغربية يشكل أرضا خصبة لنمو "الإرهاب".

وتقاطعت أقوال كوخافي مع تصريحات ضابط رفيع في الجيش، ذكر فيها أن "أجهزة السلطة الفلسطينية لا تعمل بفاعلية في عدد من مدن الضفة، وهذا الأمر يجعل الجيش الإسرائيلي يقوم بالعمل في هذه المدن".

وتصر الجهات الامنية على ضرورة تعزيز "التنسيق الأمني" مع السلطة الفلسطينية كهدف استراتيجي في السيطرة على الضفة الغربية ومنع أي نشاطات معادية.

بالعموم , فان الضفة الغربية, ستظل تشكل مخزونا ثوريا لا ينضب, وساحة مفتوحة لاثبات ان الاحتلال لا يستطيع ان يفرض نفسه وأجندته على شعب يرفضه ويرفض وجوده, وأن اسرائيل مهما امتلكت من اسباب القوة والقمع فلن يكون بمقدورها ان توقف المد الثوري القادم.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo