دون حلول منصفة.. معامل بلوك بغزة عمرها 25 عاماً مهددة بالإغلاق!

مصانع البلوك بغزة
مصانع البلوك بغزة

"جبل الكاشف" الذي لطالما ارتبط ذِكرهُ بالقصف والتدمير والتجريف بفعل الحروب والاجتياحات الإسرائيلية على مدار السنوات الفائتة لقطاع غزة، يرتبط ذِكرهُ اليوم بقرار حكومي وحكم قضائي بإغلاق ونقل معامله القائمة على صناعة الطوب الإسمنتي أو يسمى "البلوك".

فالعاملون على هذا الجبل الواقع شرق بلدة جباليا شمال قطاع غزة، يشتكون من الإخطارات المتكررة التي تردهم من بلدية جباليا، لتنفيذ القرارات القاضية بإقفال وإزالة مصانعهم، التي يعملون بها منذ ما يزيد عن عشرين عاماً، ذلك لأن "عائلة واحدة" سكنت حديثاً متضررة من أعمالهم.

شكاوى وتظلمات

وفي التفاصيل التي يسردها أصحاب هذه المعامل الصناعية لـ"زوايا" فإن هناك سبعة معامل لصناعة البلوك، ويعمل بها 150عاملاً مهددون بالتسريح وفقدان مصدر رزقهم الوحيد، حيث يعيل هؤلاء نحو 300 فرداً لا يعملون في الوظائف الحكومية ولا يتلقون أي مساعدات.

أحد أصحاب مصانع البلوك الحاج جمعة شعبان تحدث لـ"زوايا" قائلا: "نحن أصحاب مصانع بلوك مقامة على مساحة 15 دونم على جبل الكاشف منذ نحو 25 سنة، وندفع رسوم تراخيص للبلدية، حيث قمنا بجلب شبكة الكهرباء وفتحنا الشوارع بقيمة 25 ألف دولار".

ويضيف "لدينا قرابة سبعة مصانع كلٌ منها يُشغِل نحو عشر عمال ويعيل كل عامل منهم أسرة مكونة من 5-10 أشخاص، ونحن نشتكي إلى الله أولاً ثم إلى المسؤولين من الظلم الواقع علينا"، ونفي في ذات الوقت "أن تكون المنطقة سكنية، حتى يشتكي علينا من يدعي بأن عملنا يزعجه، وإنما ذلك هو حسد معيشة فقط".

أما معين الدغل فقال بلهجة يملؤها المرار "أنا نفسي مش عارف إيش يلي بصير، طول عمرنا شغالين بنقيم وبنحط وبنصرف على أنفسنا، وعند ما بدنا نلقط نفسنا المقطوع، أرسلوا لنا إخطارات (..) أكثر من خمس مرات اجتاح الاحتلال منطقتنا وفي كل مرة نقوم بإعادة البناء وحتى اليوم لا نستطيع الوقوف على أرجلنا".

وأضاف "هاجرنا من اليهود وجايين تهجرونا من مكان رزقنا، أين نذهب في ظل عدم توفر العمل؟، عندنا بيوت مفتوحة وأنتم تريدون أن تموتونا من الجوع"، مردفاً "نناشد كل المسؤولين أن يعيدوا النظر وينزلوا بأنفسهم على موقع عملنا قبل أن يتخذوا القرارات، إحنا مظلومين وما حد برضى على الظلم".

WhatsApp Image 2022-09-05 at 10.57.11 AM (1).jpeg

أما العامل نضال عبد ربه فقال: "أنا وأشقائي الثلاثة نعمل في صناعة البلوك الذي هو مصدر رزقنا الوحيد، في رقبتنا عيال وأطفال من أين لنا أن نعمل بعبد زوال هذا العمل؟ (..) بنقول للبلدية والحكومة حلو عنا بدناش منكو حاجة، سيبونا نعيش.. حرام عليكو وحسبنا الله ونعم الوكيل".

في حين أن رمزي جميل الدغل صاحب شركة الاتحاد لصناعة البلوك ومواد البناء، أكد أنه وجميع أصحاب معامل البلوك على جبل الكاشف "لسنا معنيين بالتصادم مع أحد، لا مع البلدية ولا الحكومة ولا حتى الساكن الوحيد الذي يُصر على شكواه ضدنا، وذلك رغم أنه وبشهادة مسؤول في وزارة الحكم المحلي فنحن محافظون على البيئة من زراعة الأشجار ورش المياه يومياً".

وقال: "ما نرجوه من كل ذي شأن وقرار هو الإنصاف والعدالة، فليس من المعقول أن يتم الإضرار بمصالحنا وأعمالنا والحكم على أرزاق عوائلنا وأبنائنا بالموت(..)على سبيل المثال أنا وأشقائي خمسة نعيل أُسر مكونة من نحو 50 شخص".

وأضاف "نحن تبهدلنا وقصفت بيوتنا وتجرفت مصانعنا من الاحتلال، حيث أننا أكثر من عانى في الحروب والاجتياحات من عام 2000 حتى الآن (..) إحنا ناس مسالمين نناشد الجهتين في حكومة غزة وحكومة رام الله بإنصافنا".

وتابع " إذا لم يتم حل مشكلتنا فسوف نقوم نحن وعمالنا وعائلاتنا بتنظيم اعتصامات وحملات إعلامية للتعريف بمشكلتنا، حيث أننا جميعاً ليس لدينا موظفين، وعمالنا ليس لديهم أي مصدر رزق آخر ولا يتلقون مساعدات من أي جهات سواء حكومية أو غيرها"، حسب تعبيره.

WhatsApp Image 2022-09-05 at 10.57.09 AM (1).jpeg

 

 أحكام مُعلقة واعتراضات

وكانت منطقة جبل الكاشف مسرحاً للعمليات والقصف في الحروب والاجتياحات الإسرائيلية منذ العام 2000، حيث تعرضت أراضيها ومنشآتها الزراعية والصناعية للتجريف والتدمير لأكثر من مرة، وتكبد أصحابها خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.

كما عانى أصحاب مصانع البلوك من الحصار الإسرائيلي لسنوات، وتمثل ذلك في عدم توفر المواد الخام "الأسمنت" والذي كان يمنع الاحتلال إدخاله للقطاع لفترات طويلة عبر معبر كرم أبو سالم، حيث كبدهم ذلك خسائر فادحة، وأدى إلى توقف العشرات من هذه المصانع عن العمل.

وحول موقف بلدية جباليا والذي وصل "زوايا" بواسطة وزارة الحكم المحلي باعتبارها حاضنة البلديات بغزة، فقد أوضح خطاب شهاب المستشار القانوني لبلدية جباليا، أن عدد مصانع البلوك المقامة على جبل الكاشف هي (7) مصانع، في حين أن عدد المصانع الواقعة في نفوذ جباليا عددها (30) مصنعاً، علماً أن عدد مصانع البلوك في جميع محافظات القطاع تبلغ (500) مصنع بلوك، وفقاً لإفادة الاتحاد العام للمنشآت الصناعية.

وذكر شهاب مبررات الإخطارات الموجهة من بلدية جباليا لإخلاء أصحاب معامل البلوك على جبل الكاشف، حيث أرجعها بالأساس إلى شكوى (إحدى العائلات) القاطنة هناك بالانزعاج والتضرر من أصوات وغبار هذه المعامل.

وفي التفاصيل، أوضح خطاب أن هناك قراراً بالإغلاق صدر عن اللجنة المركزية للتنظيم والأبنية لمحافظات غزة بجلستها رقم 15/2021 بتاريخ 2/6/2021 والقرار الجديد رقم 14/2022 الصادر بتاريخ 14/7/2022 بالإغلاق، حيث تم إخطار أصحاب المعامل وإصدار قرار بإقفالها من البلدية على ضوء القرارات المذكورة.

وقال شهاب أن بلدية جباليا خاطبت وزارة الحكم المحلي من أجل إرجاء قرار الإغلاق لحين حل الاشكالية وورود تظلم واعتراض من أصحاب المعامل على قرار الإغلاق وذلك بتاريخ 15/3/2022، مؤكداً أنه تم رفض قرار البلدية من اللجنة المركزية بإرجاء قرار الإغلاق، وذلك بقرارها رقم 14/2022 المؤرخ في 14/7/2022 والتأكيد على قرار إغلاق مصانع البلوك.

ولفت شهاب إلى أن بلديته قامت بتوجيه كتاب آخر لوزارة الحكم المحلي من أجل نقل مصانع البلوك إلى منطقة صناعية بديلة، الأمر الذي لم يتحقق وبقي قرار إغلاق هذه المصانع قائماً والتأكيد على نقلها من موقعها الحالي في جبل الكاشف، مبيناً أن المنطقة الأخيرة معتمدة في المخطط الهيكلي لمدينة جباليا كمنطقة سكنية وبدأ العمران يتمدد فيها حديثاً.

ونوه إلى أن هذه المعامل للبلوك كانت قائمة على أرض فارغة في جبل الكاشف منذ سنوات وبعضها مقام منذ ما يزيد عن عشرون عاماً، مؤكداً أنها كانت مرخصة لدى البلدية في السابق، ولكن بسبب الشكاوى المقدمة ضد هذه المعامل فقد صدرت قرارات بإقفالها كونها تتسبب في إزعاج السكان المحيطين بها.

ويرى شهاب أنه لا يوجد حلول لدى بلدية جباليا بالخصوص سوى "أن يقوم أصحاب هذه المعامل بنقل مصانعهم من هذه المنطقة بعد إعطائهم مهلة، وذلك بنقلها إلى منطقة صناعية بديلة"، لافتاً أنه إلى حين إغلاقها مطلوب إلتزام أصحاب المعامل بالشروط الواردة في تقرير اللجنة المشكلة من البلدية وسلطة البيئة ووزارة الحكم المحلي من حيث "تسوير" هذه المصانع وتحديد ساعات العمل وشروط السلامة الأخرى مثل رش الماء.

ويؤكد شهاب أن بلدية جباليا قامت بعمل تقارير مخالفات ضد أصحاب المعامل وتقديم شكاوى بحقهم للنيابة ومحكمة البلدية، وإصدار قرارات تمهيدية، لإقفالها إلى حين الفصل في القضايا المرفوعة ضدهم من النيابة المنظورة في المحكمة.

وبالمقابل أشار شهاب إلى أن أصحاب المعامل ومن خلال محاميهم، تقدموا باعتراضات لوزارة الحكم المحلي والبلدية على قرار الإغلاق، حيث قاموا مؤخراً برفع استدعاء بواسطة محاميهم وذلك للمحكمة الادارية وتم إصدار قرار عاجل تمهيدي مؤقت بوقف إجراءات الإغلاق لهذه المصانع إلى حين البت والفصل في الاستدعاء المنظور في المحكمة.

جهود نقابية للإسناد

وبناءُ على طلب "زوايا" من الاتحاد العام لنقابات العمال في قطاع غزة، بإيضاح موقفه مما يجري بحق العمال في جبل الكاشف، فقد أرسل الاتحاد وفداً برئاسة مدير مكتبه في شمال القطاع جمال جراد، حيث استمع الوفد عن قرب إلى أصحاب المصانع والعمال هناك، وتأكدوا من توقف 50 عاملاً عن عملهم بسبب الأزمة الحالية والمتمثلة في إخطار هذه المصانع بالإغلاق.

WhatsApp Image 2022-09-05 at 10.57.09 AM.jpeg


ولاحقاً، ذكر سامي العمصي رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في القطاع لـ"زوايا"، أنه سيتم عقد لقاء مع رئيس بلدية جباليا لمناقشة أبعاد هذه القضية والبحث عن حلول خاصة بشأن عودة العمال إلى أماكن عملهم، مشدداً على اهتمام نقابته بالمتابعة الحثيثة لإنصاف هؤلاء العمال وعودتهم إلى أعمالهم.

ونوه العمصي إلى أبعاد المشكلة، والتي لها علاقة بشكوى إحدى العائلات الساكنة في محيط مصانع البلوك على جبل الكاشف، من تأذيها بسبب غبار هذه المعامل، مستهجناً مثل هذه الشكوى التي تؤدي إلى حرمان نحو 50 أسرة تضم عشرات الأفراد من أرزاقهم.

وأشار العمصي إلى أن نقابته سوف تتتابع أيضاً مع وزارة الحكم المحلي في محاولة لإحداث اختراق وإيجاد حلول مناسبة، مشدداً أن النقابة لن تدخر جهداً في خدمة العمال والوقوف بجانبهم في كل القضايا، وإيصال صوتهم للجهات المختصة بما يحفظ حقوقهم.

WhatsApp Image 2022-09-05 at 10.57.11 AM.jpeg

وبمراجعة الاتحاد العام للمنشآت الصناعية قي قطاع غزة، باعتباره الجهة الراعية لمصانع البلوك، فقد عبر مديرها التنفيذي فريد زقوت لـ"زوايا" عن أسفه لعدم ورود أي شكوى رسمية للاتحاد من قبل أصحاب هذه المعامل والمتظلمين من إغلاق وإخلاء منشآتهم الصناعية.

وقال: "لا يوجد لدينا أي تفاصيل واضحة ودقيقة أو حتى شكوى رسمية من أصحاب هذه المعامل، لكي نقوم بدراسة الملف وأبعاده والوجه القانوني والاقتصادي له"، داعياً أصحاب المصلحة التوجه للاتحاد من أجل دراسة هذا الأمر بكافة أبعاده وجوانبه وعرضه على مجلس الإدارة، لاتخاذ الإجراءات التي تتناسب مع الشكوى وإمكانية التواصل مع جهات الاختصاص.

ولفت زقوت إلى وجود 550 مصنع بلوك في محافظات غزة وتحتاج 1000 طن من الإسمنت أسبوعياً، وذلك حسب الإحصائيات الموجودة لدى الاتحاد، مؤكداً أن العشرات من هذه المصانع توقفت عن العمل تماماً بسبب الحصار الإسرائيلي، حيث تشكل هذه المنشآت داعماً رئيسياً للإنشاءات والعمارة في قطاع غزة ويجب حمايتها.

إحصاءات توثيقية

ويواجه اقتصاد قطاع غزة حالة انهيار، جراء تعرض آلاف المنشآت الاقتصادية والخدمية والإنتاجية للتعطل والتدمير والضرر خلال الهجمات الإسرائيلية وسنوات الحصار التي تزيد عن 15 عاماً، بحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (مقره جنيف).

وقال المرصد في يناير/كانون الثاني الماضي 2022، إن إجمالي الخسائر التي لحقت بالقطاع الاقتصادي، جراء تدمير المنشآت الصناعية في مناطق مختلفة بقطاع غزة، بلغ 400 مليون دولار.

كما تسبب تدمير المنشآت الصناعية، بحرمان مئات العمال الفلسطينيين من فرص العمل، في ظل ارتفاع نسبة البطالة والفقر بغزة.

وأظهرت أحدث بيانات صادرة عن البنك الدولي للعام 2021 بأن نسبة الفقر في قطاع غزة وصلت إلى 59%، أي أكثر من 1.2 مليون فلسطيني في قطاع غزة يعيشون تحت خط الفقر.

كما يعاني القطاع من نقص كبير في الوظائف وفرص العمل، حيث أظهرت نفس البيانات السابقة بأن معدل البطالة وصل إلى 45% بين أفراد القوى العاملة، وقد وصلت نسبة البطالة بين الشباب إلى 62%، وبين النساء 79%.

ووسط الأبعاد والحيثيات القانونية المذكورة في التقرير وغير المذكورة التي تحتاج إلى تبيان وتفاصيل أكثر، يبقى القرار الحكومي والقضائي قائماً بإغلاق ونقل معامل "البلوك" في جبل الكاشف، طالما لم تتوحد الجهود النقابية والشعبية للدفاع عن حق أصحاب هذه المصانع والعاملين فيها للبقاء على رأس عملهم والعيش بمصدر رزقهم الوحيد.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo