حَل التنظيمات داخل السجون، فماذا عن خارجها؟!

الأسري في سجون الاحتلال
الأسري في سجون الاحتلال

شكلت الحركة الأسيرة الفلسطينية داخل السجون الإسرائيلية زخمًا كبيرًا في إبقاء الصراع مفتوحًا مع الاحتلال بوصفه جريمة مستمرة بحق الشعب الفلسطيني، ومع زيادة عدد الأسرى في السجون من مختلف الأحزاب والتيارات الفلسطينية النشطة على ساحة الفعل على الأرض، ذهبت تلك التنظيمات إلى تشكيل هيئات خاصة لها داخل السجون تُعتبر امتداد للتنظيم الخارجي، حيث كُلفت هذه التشكيلات بمهمات التأمين والتثقيف وإدارة الشأن الخاص للأسرى داخل المعتقلات، وقد اعتمدت تلك الهيئات إلى برنامج ولوائح داخلية تحكم سلوك الأسرى المنتمين إليها، مما سهل عملية التحاور مع إدارة السجون حول مطالب الأسرى من خلال فرز ممثلين عن كل حركة وحزب داخل المعتقل تتحدث باسمهم وتضمن امتثالهم لما يتوصلون إليه.

هذه الهيئات التي بدأت في التشكل في سبعينيات القرن الماضي سهلت على المعتقلين تسيير حياتهم اليومية، وكفلت لهم استمرار بعض التسهيلات المتعلقة بالحياة اليومية للأسير، قبل نشوء تلك الهيئات كان على إدارة السجون الإسرائيلية التعامل مع كل أسير على حدى، مما كان يسبب لهم الإرهاق والكثير من الفوضى التي بدورها كانت تنعكس على الأسرى بشكل انتقامي.

اقرأ أيضاً: كاتب فلسطيني: حماس تتقدم خطوات ملفتة نحو محور الاعتدال

مع استقرار حالة تلك الهيئات والتحاق الكثير من الأسرى بها، تمكنت تلك الهيئات من خوض العديد من الاضرابات الجماعية عن الطعام، وخلق حالة من عدم الاستقرار في السجون الإسرائيلية بهدف تحقيق مطالب الأسرى بتسهيل الحياة اليومية عليهم، سواء بزيادة ساعات التريض، أو مشاهدة التلفاز، أو الزيارات العائلية وغيرها من الأمور التي تستجد داخل السجون.

إرهاصات حل التنظيم

بعد عملية هروب الأسرى الستة من سجن "جلبوع" في السادس من سبتمبر 2021 والتي شكلت ضربة قوية لنظرية الأمن الإسرائيلية، قررت إدارة السجون فرض الكثير من العقوبات على الأسرى، مما زاد عليهم المعاناة والضغط نتيجة العربدة الإسرائيلية وسياسة الانتقام من النجاح الفلسطيني بتصدير نموذج حي على الإرادة الحرة، فكان القرار بكسر تلك الإرادة ومنع تصدير صورة النموذج الفلسطيني المنتصر، وبعد مرور ما يقارب العام على عملية الهروب، قرر الأسرى البدء في استعادة زمام المبادرة بالإعلان عن أولى خطوات التصعيد بإعلان يوم الأحد 28/8/2022 بحل التنظيمات داخل السجون، وصولًا إلى الإعلان عن الأضراب العام عن الطعام بعدد 1000 أسير في بداية سبتمبر كخطوة أولى يتبعها زيادة في عدد الأسرى الملتحقين بالإضراب عن الطعام.

حل التنظيمات داخل السجون!

إن هذه التنظيمات كما أسلفنا وفرت على السجان الإسرائيلي الكثير من الأعباء اليومية التي من المفترض أن يقوم بها في إطار تسيير الحياة اليومية، من نظام العد اليومي للأسرى وصولًا إلى توصيل الطعام ومتابعة حالة الأسرى الصحية، والنظافة اليومية للسجن، وهذا كله كانت التنظيمات تساعد في ترتيباته بحيث كل تنظيم يعمل على مساحة وأفراد معينين مما يوفر العبء عن السجان في المقابل فإنه يوفر عدة مطالب للأسرى، وفي ظل الحل الفعلي لتلك التنظيمات من قبل إدارتها الداخلية فإننا أمام تحدي حقيقي سوف يواجه الأسرى من جهة، وإدارة السجون الإسرائيلية من جهة أخرى، إذ صار لزامًا عليها متابعة شؤون الأسرى كل على حدا، سواء في أخذ العدد اليومي لثلاث مرات لكل أسير وتوصيل الطعام والنظافة، والتعامل مع كل مشكلة تحدث مع أي أسير بشكل شخصي بعيدًا عن تنظيمه، إذ فيما سبق كانت تتواصل إدارة السجون مع ممثل التنظيم ويتم حل الإشكال، أما الآن فعلى إدارة السجون أن تتعامل مع ما يقارب من 4550 أسير بشكل فردي ومجرد من أي تبيعات تنظيمية.

حل التنظيمات خارج السجون!

لطالما أبدعت الحركة الأسيرة في خلق أدوات النضال من العدم، وها هي تعطينا درسًا حقيقيًا في تفعيل أدوات جديدة تشكل ضاغطًا حقيقيًا على الاحتلال، فماذا لو تم حل التنظيمات الفلسطينية خارج تلك السجون؟!

في ظل انغلاق الأفق أمام السياسي والفصائلي الفلسطيني، وتحكم الاحتلال بالكتلة البشرية عن طريق تحكمه بالتنظيمات المسيطرة على الأرض وتمارس دور السلطة، والتي بدروها تشكل ضابطًا لحركة النضال الفلسطيني ضد الاحتلال بما يخدم رؤيتها وتوجهها، وهو ما تجيره إسرائيل لخدمة أمنها وبقاء الوضع في إطار المتحكم به ولا يخرج عن السيطرة التي تهدد أمنه بشكل يومي وفوضوي، مقابل توفير بعض التسهيلات المعيشية للأفراد.

اقرأ أيضاً: ما حقيقة توتر العلاقات المصرية الإسرائيلية؟

هذا "الحل" فيه الحل لفكفكة حالة الجمود واليأس التي تكبل الإرادة الشبابية الفلسطينية التي تم تحييدها من خلال تصدر الفصائل للفعل الكفاحي وتحويله من فعل شعبي إلى فعل تشكيلات مسلحة تشبه الجيوش، والتي بدروها تخضع لحسابات الربح والخسارة ولا تعتمد سياسة ديمومة الفعل الشعبي المقاوم بعد تحولها إلى ما يشبه سلطة الحكم الذاتي.

إن حل التنظيمات خارج السجون، بمعني التوقف عن أداء الدور الخدماتي نيابة عن الاحتلال، والمكلف به بناء على جميع القوانين الدولية، وإعادة القضية الفلسطينية إلى صورتها الأولى التي تتلخص في شعب مُحتل يقاوم محتليه بأدوات النضال الشعبية والاشتباك اليومي هي الطريق الأقصر لتحقيق الحرية، لأن الاحتلال بإمكانه أن يحارب كل سنة بضعة أيام، لكنه أبدًا لا يستطيع مجابهة كل فرد من أفراد الشعب قرر أن يشكل بمفرده تنظيمه الشخصي، وأن يحتفظ لنفسه بقراره المستقل.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo