موعد مثول الرئيس عباس أمام شرطة برلين!

عباس في برلين
عباس في برلين

هذا بالضبط ما كان ينقص البيان الألماني بفتح تحقيق شرطي جنائي بحق الرئيس محمود عباس حول تصريحه خلال زيارته إلى ألمانيا وقوله بأن "إسرائيل" قد ارتكبت "خمسين محرقة" ضد الفلسطينيين.

تنكرت ألمانيا وما زالت للحق الفلسطيني في قيام دولته المستقلة، وهي إلى الآن لا تعترف بالأراضي الفلسطينية كدولة ذات سيادة، وتصنف الفلسطيني اللاجئ لديها بأنه عديم الجنسية ويعاني صعوبات كثيرة جدًا في حصوله على الحقوق التي يتمتع فيها أصحاب باقي الجنسيات الأخرى، وهذا موقف كرره المستشار الألماني (أولاف شولتس) في المؤتمر الصحفي ذاته، بقوله أن ألمانيا لا تعترف بسيادة فلسطين كدولة.

رغم ذلك وبعد التوضيح الصدار من قبل الرئيس محمود عباس بشأن تصريحاته المتعلقة بارتكاب "إسرائيل" الجرائم المتعددة والمستمرة بحق الشعب الفلسطيني في إطار سؤال من قبل أحد الصحافيين الذي يطلب فيه من الرئيس إدانة عملية ميونيخ الذي قُتل فيها أحد عشر رياضيًا إسرائيليًا وخمس فدائيين فلسطينيين عام 1972 والذين قتلوا برصاص قوات الأمن الألمانية حسب عدة تقارير وقتها، بعد نشرها للقناصة في محيط مطار (فورستنفيلدبروك) الذي نُقل إليه المحتجزين في إطار عملية نقلهم إلى مطار القاهرة ضمن المفاوضات التي عقدت وقتها، إلا أن السلطات الألمانية والسلطات الإسرائيلية قد اتفقتا على إرسال "إسرائيل" مسئول كبير لإعداد كمين لإطلاق سراح الرهائن حتى لو أدى ذلك إلى مقتلهم كما صرحت بذلك (جولدا مائير) رئيسة الوزراء الإسرائيلية آن ذاك في تصريحها أمام الكنيست.

اقرأ أيضاً: هذه تداعيات فتح الاحتلال العمل لنساء غزة

كان جواب الرئيس عباس على السؤال المستفز جوابًا حكيمًا في مكانه وزمانه الصحيحين، إذ سَمح له بتذكير العالم بصمته وتخاذله ومشاركته في المعاناة الواقعة على الشعب الفلسطيني جراء استمرار الاحتلال لفلسطين، وقال أن الاحتلال ارتكب بحق الشعب الفلسطيني: "خمسين مجزرة، خمسين هولوكوست" وهنا كانت المفارقة الكبيرة التي ثار لها الألمان والإسرائيليين، حيث نعت الرئيس جرائم الاحتلال بالهولوكوست وهكي كلمة يونانية ((Holocaust تعني الحرق، ولو استخدم الرئيس لفظ "المحرقة" على الجرائم الاسرائيلية لما كانت كل ردة الفعل هذه، لأن الإسرائيليين لا يرون أي مجزرة أنها ترتقي إلى ما حصل معهم على يد النازي، ولا يجوز مقارنة أي حدث بالهولوكوست لأن في ذلك تقليل وربما مساوة في الجرم الذي تعرضوا له، وهذا يزعجهم لأنهم بحاجة إلى البقاء على أعلى سلم الضحايا، رغم تحولهم إلى جلادين ومجرمين بحق الشعب الفلسطيني، واللبناني والمصري أيضًا، لكن ألمانيا لا زالت تشعر بعقدة الذنب تلك، وتريد أن تكفر عنها بطريقة سادية تعمل على ارتكاب جرائم أخرى بحق شعب أخر تحت الاحتلال مستسلمين للابتزاز الإسرائيلي.

لقد بالغت ألمانيا في ردة الفعل، وتغاضت تمامًا عن توضيح الرئيس الذي لم يأتِ على إنكار الهولوكوست من الأصل، بل أعاد التأكيد على أن الهولوكوست أبشع الجرائم التي حدثت في تاريخ البشرية الحديث، رغم ذلك تم استدعاء رئيس البعثة الدبلوماسية الفلسطينية في برلين للاحتجاج على تصريحات الرئيس، وتم فتح تحقيق أولى في التصريحات من قبل الشرطة الألمانية، ومطالبات من المعرضة بطرد الرئيس عباس من ألمانيا، ولم يبقَ إلا أن يتم تحديد موعد لمثول الرئيس للتحقيق أمام الشرطة الألمانية.

إن هذه الوقاحة الألمانية غير المعهودة في العرف الدبلوماسي بأن تفتح شرطتها تحقيقًا مع رئيس دولة، تتطلب من الرئيس عباس والسلطة الفلسطينية ردًا غير مسبوق وعدم الاكتفاء بالتصريحات الإعلامية، بل يجب عليها أن تطرد ممثل ألمانيا لديها، وتسحب ممثلها من برلين، وأن تُقاطع ألمانيا بشكلٍ واضح وجلي، وهي تستطيع فعل ذلك، وفعلته مع إدارة الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) بكل قوة وصمود تعجب منها الجميع وانتصرت في النهاية، وعلى صعيد آخر يجب على السلطة الفلسطينية أن تأخذ منحى جديد في التعامل مع الآخر المتعمد إهانة الشعب الفلسطيني بالتقليل من وقع الجرائم المرتكبة بحقه من قبل دولة الاحتلال، فهي سلطة قادرة – إن أرادت – في تغيير الكثير من الأساليب التي تتبعها الكثير من الدول في التعامل المهين مع القضية الفلسطينية، وإن مناسبة افتتاح الدورة العادية الـ77 للجمعية العامة 13 سبتمبر 2022 فرصة جوهرية متاحة أمام الرئيس عباس لإعادة إنتاج الخطاب الفلسطيني المبني على الحق الأصيل في طرح نفسه وقضيته بما يراه مناسبًا لشعبه نسترد فيه صورة الرئيس ياسر عرفات في خطابه الشهير الذي رفع فيه غصن الزيتون بيد وبندقية الثائر باليد الأخرى، وإلا علينا انتظار الإهانة القادمة!

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo