هذه تداعيات فتح الاحتلال العمل لنساء غزة

سيدة تعمل في مهنة الخياطة بغزة
سيدة تعمل في مهنة الخياطة بغزة

ليس ضرباً من الخيال ولا بالشيء الجديد، عمل النساء من قطاع غزة في الداخل الفلسطيني المحتل، فقد مارست النساء هذا العمل لسنوات طويلة قبل اندلاع الانتفاضة الثانية وإغلاق الاحتلال للمعابر في وجه العمال الفلسطينيين في العام 2000.

ولكن ومع إعلان الاحتلال السماح للنساء الغزاويات بالعمل في الداخل المحتل، فقد انقسم أهالي القطاع ما بين مؤيد ومعارض لذلك، حيث ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات على القضية، التي كانت محل تندر من البعض، فيما تعامل البعض الآخر معها بجدية، وتركزت الآراء المتخوفة على "المحاذير الأمنية".

001.jpeg

 

002.jpeg

 

003.jpeg

 

004.jpeg

 

005.jpeg

 

006.jpeg

 

إقبال.. بدون تسجيل!

ولم تُصدر وزارة العمل في حكومة غزة، التي تقودها حركة حماس، عبر موقعها الرسمي -كما هو معتاد- أي إعلان يتعلق بالتسجيل لاستصدار تصاريح خاصة بالنساء للعمل في الداخل المحتل، وهو ما يفسر عدم توفر إحصاءات لعدد الراغبات الالتحاق بهذا السوق من العمل، فضلاً عن رفض العاملين بالوزارة استقبال أي طلبات للنساء لعدم تلقيهم أي تعليمات بالخصوص.

ونقلت وسائل إعلام محلية عن مدير عام خدمات التشغيل بالوزارة محمد طبيل أن "الأخبار المتداولة بشأن السماح للنساء بالعمل في الداخل المحتل تهدف إلى إثارة الرأي العام، وخلق أجواء من البلبلة وعدم الاستقرار".

وقال طبيل، خلال ورشة عمل نظمها الاتحاد العام لنقابات العمال في غزة، إنه: "لا يوجد أي إجراء رسمي في ملف عمل النساء بالداخل المحتل".

اقرأ أيضاً: حرب غزّة 2022.. رسائل ساخنة متبادلة بين إسرائيل وإيران

وعلى ما يبدو أن حكومة غزة لم تحدد موقفها بعد، حول السماح للنساء بالعمل في الداخل المحتل، حيث لم يُصرح أياً من مسؤوليها في الحكومة أو الحركة بشأنه سواء بالموافقة أو الرفض، وذلك حتى تاريخه.

من جانبها، توجهت المواطنة نسمة فارس، في الثلاثينات من العمر، إلى مقر وزارة العمل في محافظة حان يونس جنوب قطاع غزة، وذلك للسؤال حول إصدار تصريح للالتحاق بالعمل في الداخل المحتل، إلا أن ردهم عليها جاء في أنهم لم يتلقوا تعليمات أو أي إشارة من الوزارة المركزية بغزة بالخصوص.

وتشير فارس إلى أن دافعها للعمل، نابع من كون زوجها مريض ويعاني من إعاقة دائمة، حيث لا يتوفر له عمل يتناسب مع وضعه الصحي رغم سعيه الحثيث لذلك، منوهة إلى أنها هي الأخرى تجاهد بالعمل داخل القطاع في تخصصها الإعلامي، ولكن دخلها الشهري لا يتعدى المائة دولار.

المواطنة فارس المعيلة الوحيدة لأسرتها المكونة من تسعة أفراد أغلبهم إناث تقول "تعبت من مسايرة الحياة الصعبة التي أعيشها، وأطمح في زيادة الدخل، للعيش بحياة كريمة وحتى أستطيع تأمين مصاريف التعليم لبناتي، حيث تخرجت أكبرهن من الثانوية هذا العام".

وتضيف فارس أنها "تعرف نساء مثيلات لها، لا يختلفن كثيراً عن حالها ووضعها المعيشي، ويرغبن بالعمل في الداخل، منهن سيدات معيلات لأسرهن ومطلقات ونازحات من الخارج ولا يوجد لهن أقارب أو معيل في غزة، وكذلك زوجات لرجال فقراء يطمحن في مساعدتهم، ومنهن أيضاً سيدات من حملة الشهادات العليا ولم يحصلن على وظيفة أو أي فرصة عمل".

وبسؤال المواطنة (ن. س) البالغة 42 عاماً عما يكتنفها من دوافع ومحاذير في حال أتيحت لها فرصة عمل في الداخل المحتل، فردت بعفوية "أنا أرجل مني ما في بهيك مواقف (..) أنا بنت رجال عشت مرارة الاحتلال في غزة من صغري"، مضيفة "إحنا ناس شقيانة طول عمرها، بنحفر في الصخر حتى نعيش ونربي أولادنا".

في حين أن الستيني (سمير. د) لم يتردد أمام رغبة أرملة ابنه، البالغة 36 عاماً وتعيل خمسة أيتام، بالسماح لها في العمل في الداخل المحتل، مشيراً إلى أنها عازمة على التسجيل للعمل هي وشقيقتها وابنة عمها في أقرب فرصة تسنح لهم.

غير أن (سهام. ف) عبرت عن رفضها لمجرد التفكير في العمل هناك، رغم صعوبة الوضع المعيشي الذي تحياه هي وزوجها المعيل الوحيد لها ولثمانية من الأبناء، مشيرة إلى أنه بالكاد يستطيع أن يوفر من قوت يومهم، ومع ذلك لم يسمح لي بالمطلق بالتقدم لأي وظيفة أو عمل، علماً أنها حاصلة على بكالوريوس تعليم أساسي منذ 17 عاماً، وفق ما ذكرت.

أما المواطنة أم خالد (50 عاماً) فقد روت مشاهد رأتها أثناء مرافقتها لابنتها المريضة بالسرطان في رحلة علاجها من وقت لآخر في مشافي الضفة الغربية، قائلة "هناك من النساء المرافقات لمرضاهن، حين كانت تطول فترة العلاج يضطررن للتوجه للعمل في الداخل المحتل لتوفير مصاريف الإقامة وبعض تكاليف العلاج التي لا تتضمنها التحويلة المجانية لوزارة الصحة، ومنهن من كانت تدخر أو تُحول بعضاً من أجرها إلى أسرتها في غزة".

وذكر (علي. ص) من دير البلح وسط القطاع، قصة صيدلي يقطن بالقرب منه، موضحا أنه أغلق صيدليته منذ أشهر وتوجه للعمل في الداخل المحتل، وقبل فترة بسيطة لحقته زوجته للعمل هناك، مشيراً إلى أن نتيجة عملهما ظهرت ثماره في وقت محدود، حيث شيدا طابقين إضافيين إلى منزلهما.

تأييد نسوي بقوانين

وفي غمرة التأييد والمعارضة لعمل النساء في الداخل المحتل، ترى هبة الدنف، المنسقة القانونية في جمعية عايشة لحماية المرأة، أنه "قرار يجب عدم تجميله، فهو ليس منة من الاحتلال بتوفير فرص عمل للنساء في غزة، بل هو إلزامي عليه بتوفير فرص عمل وعيش كريم لكل سكان القطاع، الذين تسبب في تردي أوضاعهم المعيشية والاقتصادية، نتيجة للحصار الجائر الذي يفرضه عليهم منذ ما يزيد عن 16 عاماً".

وعبرت الدنف في حديثها لـ"زوايا" عن تأييدها لعمل النساء من غزة في الداخل المحتل، ولكنها أشارت إلى أن هذا القرار الإسرائيلي "يجب أن يُدرس من ناحية قانونية، فمن حق الجميع المساواة في الحصو على فرصة عمل بغض النظر عن الجنس، وذلك وفقاً للمادة السابعة في القانون الفلسطيني عام 2000".

وأوضحت الدنف أن القرار الإسرائيلي يجب أن يُناقش وفق الاحتياج، وهذا الاحتياج مرتبط بتحليل سوق العمل الفلسطيني، خصوصاً فيما يتعلق بقضية بالتمكين الاقتصادي للمرأة، منبهة إلى أن هناك بطالة عالية تزيد عن 40% في صفوف النساء الفلسطينيات، مقابل وجود نسبة ضئيلة من النساء العاملات في سوق العمل الفلسطيني، لا سيما في القطاع الخاص.

وذكرت أن المؤشرات تؤكد انخفاض نسب حصول النساء على فرص عمل، ففي العام 2018 كانت النسبة 21% واليوم 16% فقط، مشددة على أنه من المهم قراءة هذه المتغيرات التي لها علاقة بالاحتلال، الذي تسبب في تدمير 90% من المشاريع الاقتصادية الصغيرة، التي أنشأتها النساء الفلسطينيات في قطاع غزة.

ونوهت إلى أن الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، تسبب في انعدام فرص تشغيل جديدة، إضافة إلى ما خلفه الاحتلال في عدوانه المتكرر على القطاع وتدمير قطاعات اقتصادية حيوية كالقطاع الزراعي والقطاع التجاري، مشددة على أن كل هذه العوامل سالفة الذكر من المهم جداً أن تُقرأ في حيثيات القرار الإسرائيلي بالسماح للنساء في العمل بالداخل، وذلك لأخذها في عين الاعتبار من أجل مراعاتها توفير فرص عمل للنساء متساوية وعادلة.

ونبهت الدنف، إلى أن القرار الإسرائيلي فيه شئ من المبالغة، خصوصاً حول عدد ما سمح به الاحتلال من فرص عمل للنساء، والذي لا يتعدى الـ 500 تصريح من أصل 15 ألف من إجمالي التصاريح الفلسطينية الممنوحة لعمال غزة، معتبرة أن هذا العدد ضئيل جداً، ولا يكفي لسد الحد الأدنى من الاحتياجات الاقتصادية، للتحفيف من وطأة الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تعاني منها النساء في القطاع.

وقالت الدنف "من المهم وطنياً أن نعتبر قرار الاحتلال السماح للعمال ومنهم النساء بالعمل في الداخل المحتل، لن يأتي بحلول سحرية للأوضاع الاقتصادية، التي يعاني منها الفلسطينيون في قطاع غزة"، داعية إلى أن تعزيز الخطاب الإعلامي محلياً ودولياً في هذا الاتجاه، لأن الاحتلال ملزم بتحسين الظروف المعيشية لسكان القطاع.

وحول ما إذا كان سماح الاحتلال بعمل النساء في الداخل يمكن أن يزاحم الرجال في فرص عملهم؟، فقد اعتبرت الدنف أن هذه الفرضية فيها شيء من المغالاة، وقالت: "بتتبع الأرقام الاقتصادية حول وجود النساء والرجال في سوق العمل يتضح أن أعلى المعدلات من نصيب للرجال"، منوهة إلى أن كافة التقارير والمؤشرات تتحدث عن الانكشاف الاقتصادي وترديه سيؤثر على النساء بشكل أساسي وهن أكثر شريحة متضررة، حسب تعبيرها.

محاذير أمنية واقتصادية

وحول الموقف النقابي، فقد كان رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال في قطاع غزة، سامي العمصي، قد عبر بأن قضية إصدار تصاريح لنساء من قطاع غزة للعمل في الداخل المحتل تحيطها "محاذير أمنية"، مشيراً إلى أن الجهات الحكومية والأمنية هي المخولة بحسم هذا الأمر.

وأضاف العمصي "القانون هو الحكم في هذه المسألة، وقانون العمل أعطى النساء الحق في العمل سواء في قطاع غزة أو الداخل المحتل أو خارج الوطن"، مستدركاً "لكن الأمر يعود لتقدير الجهات الأمنية، وإذا قدرت أن الأمر يضر قطاع غزة ضمن المحاذير الأمنية فهي الجهات المخولة باتخاذ القرار المناسب".

أما الخبير في الشأن الاقتصادي ماهر الطباع، فقد أبدى معارضته المطلقة لحصول النساء من قطاع غزة على تصاريح عمل في الداخل المحتل، معتبراً أن الأولوية يجب أن تكون للرجال، وذلك بسبب أن معدلات البطالة في صفوفهم تزيد عن 250 ألفا، بما نسبته 50% عاطل عن العمل في قطاع غزة.

اقرأ أيضاً: دراسة عبرية: معدل السعادة لدى عمال غزة في إسرائيل أعلى منه في الإمارات

ويرى الطباع في حديثه لـ"زوايا" أنه لا يمكن طرح فكرة عمل النساء في ظل البطالة المتفشية في صفوف الرجال، لافتاً إلى أنه على فرض أن كل الذكور في القطاع يعملون فحينها يمكن التفكير في تشغيل النساء الراغبات بالعمل في بعض الأعمال التي تناسبهن فقط.

وقال: "من وجهة نظري الاقتصادية يجب ألا تطرح فكرة حصول النساء على تصاريح للعمل في إسرائيل، في ظل النسب المذكورة سالفاً للعاطلين عن العمل والخريجين وتدني الأجور في القطاع".

وأضاف الطباع: "يجب إعطاء الأولوية للرجال والشباب الذين عندهم مسؤوليات (...) ليس من المنطق أن نترك الرجال يجلسون في الشوارع ونبحث عن اصدار تصاريح للنساء"، على حد تعبيره.

 إحصاءات.. انعكاس لحالة اليأس

من ناحيته، يرى الباحث الاقتصادي محمد نصار، أن تسابق عشرات آلاف العاطلين عن العمل في قطاع غزة، ودخول النساء على خط للحصول على تصريح عمل في دولة الاحتلال، "يعكس حالة اليأس والإحباط التي أصابت معظم المواطنين في قطاع غزة نتيجة محدودية فرص العمل، وانخفاض الأجور في حال توفرت فرص العمل".

وأشار نصار إلى أن هناك مجموعة من العوامل تسببت في الوصول لهذه النقطة، والتي أعادت قضيتنا إلى ما كانت عليه قبل الانتفاضة الأولى في العام 1987م، وهذا الأمر يعني القبول الفعلي بشرعية دولة الاحتلال، وترسيخ التبعة الاقتصادية له.

وأوضح أن أول هذه العوامل الحصار المستمر على قطاع غزة من 2006م، ثانيها فشل الفصائل الفلسطينية منذ 16 عام في إنهاء الانقسام، وإعادة الوحدة للشعب الفلسطيني، وثالثها صعوبة السفر ومخاطر الهجرة، ورابعها التبعية الاقتصادية لدولة الاحتلال وعدم السيطرة على المنافذ البرية والبحرية، وآخرها اعتماد الاقتصاد الفلسطيني على المساعدات الخارجية، وتعطيل الاحتلال لأي تنمية حقيقية في قطاع غزة.

وركز نصار على سرد البيانات والإحصاءات، حيث تفيد بيانات البنك الدولي أن نسبة الفقر في قطاع غزة وصلت إلى حوالي 63%. ووفق بيانات مسح الحالة الاجتماعية والاقتصادية والأمن الغذائي الذي أُجريَ خلال العام 2018 يعاني حوالي 68% من السكان من انعدام الأمن الغذائي بشكل حاد أو متوسط، كما ورد في تقرير لمنظمة التجارة والتنمية في الأمم المتحدة (أونكتاد) صدر في شهر أكتوبر 2020م أن 80% من سكان قطاع يعتمدون على المساعدات الدولية دائمة التقلب.

وأشار إلى أن بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني للربع الثاني من العام 2022م، تشير إلى أن معدل البطالة بين المشاركين في قوى العمل (15 سنة فأكثر) بلغ حوالي 24%، حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل حوالي 357 ألف عاطل عن العمل، بواقع 223 ألف شخص في قطاع غزة وحوالي 134 ألف شخص في الضفة الغربية، وما يزال هناك تفاوت كبير بين معدل البطالة في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث بلغ المعدل 44% في قطاع غزة، مقارنة بـ14% في الضفة الغربية.

ولفت إلى أن نفس البيانات السابقة، أظهرت بأن عدد العمال الفلسطينيين في دولة الاحتلال بلغ حوالي 182 ألف عامل، حيث تفيد ورقة سياساتية صادرة عن شبكة السياسات الفلسطينية بأن العمال الفلسطينيين في دولة الاحتلال يساهمون في تحريك عجلة الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية بنحو 3.25 مليارات دولار أميركي سنوياً، وبمتوسط 271 مليون دولار أميركي شهرياً، وبمعدل 71 دولاراً أميركياً للعامل في اليوم الواحد.

وأوضح نصار أنه في المقابل، يبلغ الحد الأدنى للأجور في الضفة الغربية حوالي 400 دولار أمريكي شهرياً، في حين بلغ الحد الأدنى للأجور في غزة نحو 206 دولارات أمريكية، لافتاً إلى أن ذلك يعني أن متوسط الأجر اليومي للعامل الفلسطيني في دولة الاحتلال يساوي أكثر من ضعف متوسط الأجر اليومي للعامل الفلسطيني في القطاعين العام والخاص في الضفة، وأكثر من أربعة أضعاف متوسط الأجر اليومي للعامل الفلسطيني في القطاعين العام والخاص في غزة.

وقال نصار: "الأرقام السابقة كانت كافية لدفع عشرات الآلاف من العمال إلى التسابق للحصول على فرصة من الـ20 ألف فرصة عمل، التي تم الإعلان عنها خلال الأشهر الماضية، والتي جاءت ضمن التسهيلات الاقتصادية في أعقاب العدوان الإسرائيلي على القطاع خلال مايو 2021، حيث يربط الاحتلال بين استمرار التهدئة والهدوء والمضي قدماً في هذه التسهيلات ضمن ما يعرف بالسلام الاقتصادي".

وأضاف نصار: "خلاصة القول أن المواطنين في غزة يريدون العيش بكرامة في ظل فشل المساعدات الدولية المتقلبة، والتسهيلات المحدودة التي تمنحها دولة الاحتلال لإنعاش اقتصاد قطاع غزة شبه المنهار"، حسب تعبيره.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo