"وحدة الساحات".. تطلع فلسطيني وسط ضياع سياسي

اشتباكات الضفة الغربية
اشتباكات الضفة الغربية

تتواصلُ جرائمُ الاحتلالِ الإسرائيلي على نحوٍ متصاعدٍ ضد الشعب الفلسطيني في الجبهات الفلسطينيةِ سواءً كانت في القُدس وغزة والضفة والأراضي المحتلة عام 1948، في ظل حالةٍ سياسيةٍ فلسطينيةٍ معقدّةٍ يشوبُها الانقسام والتشرذمُ وهيمنة السلطة الفلسطينية على منظمةِ التحريرِ ومواصلتها التنسيق الأمني مع الاحتلالِ الإسرائيلي.

وفي الوقتِ الذي يخوضُ الفلسطينيون شعبًا ومقاومةً مواجهاتٍ واشتباكاتٍ عنيفةٍ بين الفينة والأخرى مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، عاد مصطلح "الساحات الموحدة" إلى الواجهةِ بقوةٍ، ولا سيما مع تهديد حركة الجهاد الإسلامي في غزة للاحتلال عقب اعتقاله أحد قيادتها "بسام السعدي" في جنين في الأول من أغسطس 2022، الأمر الذي أدى لمواجهةٍ عنيفةٍ بين الاحتلال والجهاد الإسلامي وفتح باب التساؤلات عن جدوى وواقع وإمكانية تطبيق المصطلحِ.

وفي هذا التقرير تستضيف "زوايا" عددًا من المختصين والمحللين السياسيين، للاطلاع على واقع "وحدة الساحات الفلسطينية"، والمعوقات التي تواجهه وسياسات الاحتلال الإسرائيلي تجاهه.

تطلعٌ وهدفٌ فلسطيني

من ناحيته، أكد المحلل السياسي عصمت منصور على أن "وحدة الساحات" هو تطلعٌ وهدفٌ فلسطيني، لخلقِ معادلةٍ يستطيع فيها الشعبُ الفلسطيني رفع كلفةِ الاحتلالِ وتحقيق نتائج وطنية على نحوٍ أسرع.

وحولَ الظهورِ الأول للمصطلح، أشار "منصور" خلال حديثــه لـ "زوايا"، بأن أكبر تعبيرٍ لهذا المفهوم قد طُبّق عمليًا على أرضِ الواقع كان خلال عملية "سيف القدس"، والتي اندلعت في مايو من العام 2021 بين المقاومة الفلسطينية بكافة أشكالها في القدس والضفة وغزة وأراضي الـ 48.

وانتفضت الساحاتُ الفلسطينية جميعُها عقب عمليات التهويد للأقصى واستهداف الشيخ جراح في مايو 2021، فقاومت غزة بصواريخها وانتفضت الضفة في المواجهاتِ وكذلك القدسِ كما اشتعلت أراضي الـ 48.

اقرأ أيضاً: الصحف العبرية: انتصارنا تكتيكي والقوة العسكرية لم تنجح في حل مشكلة غزة

وحول استمرارِ "وحدة الساحات" ما بعد مواجهات "سيف القدس"، أشار "منصور" بأنّ حالةً فلسطينية نادرة سجلت خلال هذه المواجهات، وأثارت تخوفا كبيرا لدى الاحتلال، إلا أن عدم وجود مظلة سياسية ومشروع موحدٍ أضعفَ تلك الحالةِ ومنع استمراريتها بالزخمِ ذاتِه.

وبيّن أن الاحتلالَ الإسرائيلي سعى من خلال مواجهة أغسطس 2022، إلى إلغاء مشروع وحدة الساحات، حيثُ استطاع عزل حركة حماس عن الخوض في المواجهة جنبًا إلى جنبٍ مع الجهادِ الإسلامي.

دفع الثمن

وتدفعُ كل من السّاحاتِ الفلسطينية ثمنًا باهظًا إزاء جرائم الاحتلال، إلا أنّ غزة تدفع الثمن الأكبر في كل عدوانٍ، وأرجع "منصور" ذلك إلى تركيبة كل منطقةٍ جغرافيةٍ ومعادلتها الخاصة بها في المقاومةِ، حيث استطاعت غزة أن توصل صواريخَها لكل المناطق المحتلة، الأمر الذي يقابله الاحتلال بقوة ردعٍ أكبر.

وحول ضعف حالة التضامن التي تعتري الضفة إزاء الحروبِ المدمرة على غزة، ولا سيما في آخر مواجهةٍ في أغسطس 2022، فعزا السبب إلى ضعف الفصائل الفلسطينية من جانبٍ، ومن جانب آخر إلى رهانات السلطة وتنسيقها الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي.

وأشار إلى وجود حالةٍ تضامنيةٍ واسعة عبر منصاتِ التواصل الاجتماعية على مستوى الضفة إزاء جرائم الاحتلال في غزة، إلا أنه أسِف لعدم تطبيق ذلك التضامن وترجمته إلى أشكال تضامنية مؤثرة وفاعلة وضاغطة على الاحتلال الإسرائيلي.

دور حماس والسلطة

وبيّن أن عدم انخراط حركة حماس وجناحها المسلح في الحرب ضد الاحتلال، خفّف من حدة التضامن وأضعف حالة المواجهة الجماعية والشاملة.

واستنكرَ دور السلطة الدبلوماسي وحملات الضغط تجاه جرائم الاحتلال الإسرائيلي، داعيًا إلى الضغط والتهديد بوقف التنسيق الأمني وتجميد العلاقة مع الاحتلالِ ردًا على الجرائم الإسرائيلية.

وحولَ محاولةِ الجهاد الإسلامي ربط الساحات والتهديد عقب اعتقال الاحتلال لأحد قيادتها بسام السعدي في جنين بشكل مهين، يرى منصور أن "الجهاد الإسلامي استشعرت أن اعتقال السعدي يستوجب الرد والتحرك وقد وُفقت في ذلك، إلا أنّها أخطأت حسابات القوة والرّد، وأن استعدادهم كان غير كافٍ لهذه المواجهةِ".

وحدةُ الساحاتِ.. لا ترقى لمستوى الأحداث

وفي السياق ذاته، قال أستاذ العلوم السياسية والمحلل السياسي ناجي شراب، بأن الوحدة بين غزة والضفة لا ترقى لمستوى الاعتداءات الإسرائيلية والحروب التي تشنها على قطاع غزة.

وبين خلال حديثه لـ "زوايا" أن الحرب الأخيرة على القطاع استهدفت حركة الجهاد فقط، وهذا الأمر يعودُ لعلاقة الحركة بإيران وتحللها من أي مشاركةٍ سياسيةٍ، وأن الاحتلال متخوف من تنامي قوتِها، إلا أنّ حماس لعبت دورَ الناظم والحاكم فأفسحت المجال لرد الجهاد الإسلامي كما هو مخطط له.

اقرأ أيضاً: بعد العدوان.. هذه مأساة انتظار إعمار البيوت المدمرة بغزة

ولفت إلى أن العُدوان الأخير كان مدروسا ومخططا له من الاحتلال، مشيرا إلى وجود علاقة بين العدوان والانتخابات الإسرائيلية المقبلة إذ يهدف من هم بدفة الحكم إلى الظهورِ بيمنيةٍ أكثر من بنيامين نتنياهو.

ويعتقد أن الاحتلال أدرك عدم رغبة حماس في الانخراط بمعركة ليست لها، منبهًا إلى أن حركة الجهادِ الإسلامي بالغت في التهديد، الأمر الذي أعطى المبرر والضوء الأخضر من أمريكا وأوروبا لشن حربٍ ضدها في غزة.

ولفت إلى أن الاحتلال أنهى الجولةَ بسرعةٍ، خوفًا من تدحرج الأمور وانخراط حماس في المعركة، معتقدًا أن حماس أرسلت رسائل عبر الأطراف أنها لا تستطيع الوقوف بدون رد بعد وقوع الضحايا في غزة، ما دفع إلى احتواءِ الأوضاعِ وإنهاء المعركة ومنع تماديها، لأن جميع الأطراف ليست لها مصلحة في معركةٍ مفتوحةٍ.

الساحات الموحدة

وقال المحلل والكاتب الفلسطيني مصطفى إبراهيم، إنّ مصطلح "الساحات الموحدة" برز بعد عملية "سيف القدس" و"هبة الكرامة" على إثر اقتحام قواتِ الاحتلال لمدينة القدس والشيخ جراح، والتي انتفض الفلسطينيون فيها على جميع الجبهات سواءً كان في الضفة أو في غزة أو الأراضي المحتلة عام 1948.

وأكد "إبراهيم" خلال حديثه لـ "زوايا" أن الاحتلالَ استاءَ من حالةِ المقاومة التي اندلعت إبان معركة "سيف القدس" فغزة خاضت مواجهةً عنيفةً مع الاحتلالِ في حينَ انتفضت اللد ورام الله وعكا وحيفا، حيث دارت مواجهاتٌ واشتباكات عنيفة مع قوات الاحتلالِ، الأمر الذي تلاه تصاعد عمليات إطلاق النار على الحواجز والنقاط العسكرية الإسرائيلية في الضفة، لا سيما في جنين ونابلس.

ويسعى الاحتلالُ الإسرائيلي منذ ذلك الوقتِ إلى تقسيم الفلسطينيين كلٌ في منطقته، وأن تنشغل الضفة بمشكلاتها وهمومها وكذلك غزة التي تعيش الحصار منذ سنواتٍ طويلةٍ، وأراضي الـ 48، وإخضاع كل جبهةٍ على حدا، بحسب "إبراهيم".

وأمّا بشأن القدسِ، فأوضح "إبراهيم" أن الاحتلالَ لا يعترفُ سوى بسيادته على مدينة القدسِ بأسرها، ويفرض إدراجها في أي مفاوضاتٍ، وهو السبب الذي دفع رئيس السلطة محمود عباس للتذرع بها لإلغاء الانتخابات الفلسطينية.

فصل الساحات.. هدفٌ إسرائيلي

ولفتَ "إبراهيم" بأن الاحتلال يحاولُ بكل قوةٍ فرض استراتيجية فصل الساحات الفلسطينية عن بعضها البعض، مبينًا أن وحدة الساحات لا تعني التدخل العسكري فقط، بل أيضًا حالة التضامن المُجتمعية بين الساحات، كما حدث في قضية "شيرين أبو عاقلة".

وتسعى المقاومةُ في غزّة للتأثير القوي على مقاومة الضفة، وهذا ما يزعجُ الاحتلال كثيرا، ما يجعل غزة تدفع الثمن الأكبر، حيث تخلف الحروب والمواجهات خسائر بشرية ومادية كبيرة. وفق حديث "إبراهيم".

الانقسام عائق أمام ساحاتٍ موحدةٍ

وما زالت معضلة الانقسامِ مستحكمة بالفلسطينيين وعدم مشاركة حركتي الجهاد الإسلامي وحماس في منظمة التحرير ما يؤثر على الحالة الوطنية بأسرها، حسب "إبراهيم" الذي طالب بإنهاء الانقسام ومشاركة الكل الفلسطيني في النظام السياسي، لضمان عدم استفراد الاحتلال بجبهةٍ دون الأخرى.

كما طالبَ بضرورة اتفاق الفصائل على برنامجٍ وطني من خلال الإطار الشرعي للفلسطينيين، وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية والمؤسسات التمثيلية للشعب الفلسطيني على أساس وحدودي واستراتيجية موحدة، وإلا سيبقى الوضع على ما هو عليه.

وبشأن الضفة، قال "إبراهيم" إن قواتِ الاحتلالِ منذ عملية السور الواقي 2002، تجتاحُ مدن الضفة ولا تعترف بسيادة السلطة فيها، وتسيطر أمنيًا على مدن الضفة كاملةً، كما تسعى لالتهام الضفة بالاستيطان وضم الأغوار.

تطبيق نسبي

من جانبه قال عضو التجمع الوطني الديمقراطي الفلسطيني والمحلل السياسي عمر عساف، أن مصطلح "وحدة الساحات" شهد تطبيقا نسبيا على أرضِ الواقعِ، مطالبًا المقاومة على جميع الجبهاتِ بتنظيم صفوفها في هذا الإطار على نحوٍ أفضل.

وعزا خلال حديثه لـ "زوايا" عدم الوصول لذروة "الساحات الموحدة" إلى عدم وجود إطار تنظيمي موحد للمقاومة الفلسطينية يجعل التنسيقِ يحدث على مستوى عالٍ.

وتشكل جبهة غزة رأس حرب المقاومة الفلسطينية، إلا أنّ الضفة متمثلة في جنين ونابلس وغيرها تقدّم أيضًا التضحياتِ على نحوٍ أقل من غزة التي تشكل القاعدة والتنظيم الأساسي للمقاومةِ.

الضفة ومرحلة ما بعد "عباس"

وعن المعيقاتِ في الضفةِ أمام تنامي المقاومةِ واندماجها على شكل وحدوي مع غزة، قال عساف: "الوضع في الضفة أكثر تعقيدًا لا يدرك تفاصيله إلا المواطن الفلسطيني الذي يعيش في الضفةِ"، منددًا بدور السلطة السلبي في سياستها ومضيها بالتنسيق الأمني وملاحقة المقاومين وإحباط عمليات المقاومة ومواجهتها.

ويرى أن حالة الاحتقان في الشارع الفلسطيني قد وصلت لذروتها، وأن الفلسطينيين مهيؤون لمرحلة ما بعد رئيس السلطة "محمود عباس"، وقد تشتعلُ جبهة الضفةِ بين عشيةِ وضحاها.

ويبقى مصطلح "الساحات الموحدة" حاضرا بشكل نسبي عقب عملية "سيف القدس"، رغم ما يعتريه من معيقات عديدة، أبرزها الانقسام الفلسطيني، وعدم وجود إطار جامعٍ للفلسطينيين يتخذ برنامجًا سياسيًا موحدًا يهدفُ إلى حماية الشعب الفلسطيني، واتخاذ منهجا موحدا تجاه الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo