ورقة بحثية: إسرائيل ضاعفت عدد العمال الفلسطينيين تمهيدًا لضم الضفة

عمال ينتظرون عبر معبر إيرز
عمال ينتظرون عبر معبر إيرز

شهد العقد الماضي ارتفاعاً مضطرداً في عدد العمال الفلسطينيين في إسرائيل ونسبتهم من إجمالي العاملين، ووفقا لإحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وصل عدد العمال في إسرائيل إلى 173,400 في الربع الأول من 2022، بالإضافة إلى 31,000 يعملون في المستوطنات الإسرائيلية.

كما شهدت السنوات الخمس الأخيرة الارتفاع الأكبر والأسرع في هذه الأعداد، وهو ارتفاع لم يشهده الاقتصاد الفلسطيني منذ عقدين.

وخلال لقاء طاولة مستديرة عقدها معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) بعنوان "مستقبل العمالة الفلسطينية في سوق العمل الإسرائيلي في ضوء الحقائق الاقتصادية والسياسية"، استعرض الباحثان "وليد حباس" من مركز مدار للدراسات الإسرائيلية، و"عصمت قزمار" من معهد "ماس"" الأرقام الصادمة حول ارتفاع عدد العمال الفلسطينيين في سوق العمل الإسرائيلية ومساهمتهم المتزايدة في توليد الدخل القومي، بموازاة تعاظم دور الإدارات الاحتلالية في التحكم بالقوة العاملة الفلسطينية، وتداعيات ذلك على مسار التنمية الفلسطينية وجهود بناء اقتصاد وطني منفك عن التبعية الاستعمارية".

اقرأ أيضاً: أزمة مالية تلوح بالأفق بغزة.. مفتعلةٌ أم حقيقية؟

وتساءل الباحثان عما إذا كانت إسرائيل تمهد الطريق لإعادة العمل بسوق العمل الموحدة من خلال آليات مختلفة، أكثر صرامة وضبطا وتطورا؟، وقالا:" إن هذا التوجه يظهر على أرض الواقع، كجزء من العملية الزاحفة الأكبر والهادفة لضم الضفة الغربية، حيث أن التطورات في محور العمل ليست منعزلة عن سياق أوسع من الإجراءات الإسرائيلية السياسية والعملية التي تهدف إلى تعميق وإدامة حالة التبعية الاقتصادية الفلسطينية، سواء من خلال علاقات التعاقد من الباطن، أو التبادل السلعي.

وقال الباحثان عبر الورقة المقدمة لمعهد "ماس" إن التوجه الفلسطيني العام هو قبول هذا التوجه الإسرائيلي لاستيعاب مئات الألاف من العمال الفلسطينيين، ما يقتضي إعادة التفكير بكافة السياسات الخاصة بالانفكاك أو حتى مفهوم الاقتصاد الوطني المستقل".

وأشارا إلى أنه رغم الطلب المتزايد داخل إسرائيل للأيدي العاملة الإنشائية والخدماتية الأرخص، فإن الأمر يأتي في سياق المساعي العلنية لفرض أطروحات السلام الاقتصادي، وهو ما يمثل أصلا أحد الثوابت الأساسية في السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين تحت الاحتلال.

وبين الباحثان أن العامل الأساسي والحاسم في تحديد حجم العمالة في إسرائيل هو سياسات السيطرة والاستغلال الاستعمارية الإسرائيلية، وليس قوى السوق الحرة، وهو

ما يبدو جليا عند المقارنة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، فمعدلات البطالة في قطاع غزة أعلى بكثير من الضفة الغربية، ولكن إسرائيل لا تسمح سوى لعدد محدود من عمال غزة من دخول إسرائيل.

وكشف الباحثان أن القرارات الإسرائيلية خلال السنوات الأخيرة لم تقتصر على زيادة حصص تصاريح العمل الممنوحة للفلسطينيين، بل شملت استحداث حصص في قطاعات لم تحظ في السابق بحصص، مثل قطاع الهاي-تك، وموظفي القطاع الصحي، والفنادق والمطاعم، كما شملت ابتداء من 2021 السماح لعمال غزة بالدخول الى إسرائيل للعمل وفق حصة أولية وصلت الى حوالي 20,000 عامل موزعة على قطاعات البناء، والزراعة والخدمات، وأخيرا شملت هذه القرارات تغييرات في نظام إصدار التصاريح، وآليات الدفع للعمال.

وتطرق الباحثان إلى القرار الحكومي الذي أصدرته حكومة "نتنياهو" في 18 كانون أول 2016، لزيادة حجم توظيف العمال الفلسطينيين في إسرائيل، وتحسين طريقة إصدار تصاريح العمل وضمان ظروف عمل عادلة للعمال الفلسطينيين"، وهو ما اعتبر تأسيسًا لسياسة جديدة فيما يخص العمال الفلسطينيين.

وفي ظل المعطيات التي أوردتها ورقة "ماس" يتبين أن نوايا إسرائيل تتضح في توسيع دائرة استغلالها للقوى العاملة الفلسطينية، وتحسين، ورفع كفاءة الإطارة التنظيمي لعملية السيطرة والاستغلال الاستعمارية.

من جانب آخر، ترافقت الزيادة المضطردة في أعداد العاملين في إسرائيل، مع ما يمكن القول إنه ظاهرة منحرفة في سوق العمل الفلسطيني، حيث يعاني الأخير من معدلات بطالة عالية، وفي نفس الوقت يدور الحديث عن شح في العمالة.

اقرأ أيضاً: هل يشهد اقتصاد غزة انتعاشاً بزيادة العمال لدى الاحتلال؟

أما بالنسبة للعمالة غير المهرة، فإن انتقال جزء كبير منها للعمل في إسرائيل بدافع الفرق في الأجور، أدى إلى نقصها في السوق المحلي، وإلى ارتفاع الأجور في قطاعات معينة، وهو ما أكدته نتائج مجموعة من المقابلات والمجموعات البؤرية التي نفذها ماس خلال العامين الماضيين، وضمت أرباب عمل، وممثلين عن القطاع الخاص، ووزارة العمل الفلسطينية، ونقابات العمال.

وخلصت الورقة إلى أن خطورة هو التوجه الإسرائيلي الجديد تكمن في فرض حقائق اقتصادية على الأرض تعزز من الحقائق الأمنية والسياسية الاستعمارية التي لا تضع في الأفق سوى المزيد من الاستيطان والتحكم بموارد الشعب الفلسطيني كافة، في ضم اقتصادي ربما يسبق الضم القانوني والسياسي.

كما أكدت الورقة أن الوضع القائم للعمالة الفلسطينية هو نتاج جمود الوضع السياسي والاقتصادي في فلسطين على مدى سنوات ما بعد اتفاقيات أوسلو، حيث أن الاقتصاد الفلسطيني وخلال تلك الفترة لم ينم بوتيرة تسمح بتوفير الفرص للقاعدة العمالية الفلسطينية لا كماً لأعداد عمال متزايدة ولا نوعا من حيث مردود دخل يضمن الانفكاك الحقيقي عن سوق العمل الإسرائيلية.

هذا ويمكن تفسير إقبال العمال المتزايد على السوق الإسرائيلية في الأعوام القليلة الماضية كنتاج للأزمة الاقتصادية بالإضافة إلى أنها تعتبر مرغوبة بسبب فرق الأجور الكبير، وأيضا النمو الذي لا زال يشهده الاقتصاد الإسرائيلي بدوره وفي قطاعات ذات إنتاجية عالية.

المصدر : متابعة-زوايا
atyaf logo