طلبة الثانوية العامة بفلسطين.. سوق عمل مثخن يُعقّد اختيار التخصص

نتائج الثانوية العامة
نتائج الثانوية العامة

تحدياتٌ كبيرةٌ تقف أمام طلبة الثانوية العامة في فلسطينِ عقب اجتيازهم هذه المرحلة المهمة من حياتهم، وتوجههم لاختيار التخصص الجامعي الذي يؤهلهم لوظيفةٍ أو عملٍ حُرٍ، ويمكنّهم من العيشِ بحياةٍ كريمةٍ، في ظل أوضاع اقتصادية صعبةٍ تشهدها الأراضي الفلسطينيةِ.

من ناحيته، قال طالبُ الثانويةِ العامة "أحمد شامية" من مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، والحاصل على معدلٍ 91.1%، إنه يتجه لدراسة التصميم في إحدى جامعاتِ قطاع غزة، لأنّها هوايته منذ فترةٍ، وإنه يسعى في حال فشله بالحصولِ على وظيفةٍ حكوميةٍ أو مؤسساتيةٍ للالتحاق بسوق العمل الحر عن طريقِ الانترنت.

ويرى "شامية" في حديثه لـ "زوايا" أن أعداد الخريجين باتت بعشراتِ الآلاف في قطاع غزة والضفة دون عملٍ، وأنهم أرهقوا من طوابير الانتظار في الوظائف الحكومية.

فيما قالَ أنيس محمد ياسين وهو من بلدة "عصيرة الشمالية" شمال نابلس، والحاصل على المركز الأول بمعدل 99.6%، أنه بناءً على قدراته وإمكانياته وشغفه فإنه متوجه لدراسة الطب، الأمر الذي سيمكنه من الإبداع في دراسته، وتحقيق طموحه في العمل.

وبلغ أعداد العاطلين عن العمل في الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة في الربع الأول من العام الجاري 378 ألفًا، منهم 244 في غزة، و134 ألفًا في الضفةِ.

التحدي الأكبر.. التخصص الجامعي

وباركَ دكتور التنمية البشرية محمد بشارات للطلبة الناجحين في الثانوية العامة في الأراضي الفلسطينية في الضفة وغزة، والبالغ عددهم بحسب وزارة التربية والتعليم 58107 طالبًا وطالبةً، بنسبةِ نجاحٍ بلغت 68.12%.

اقرأ أيضا: الإعلام الفلسطيني تجاه الجريمة.. قصور واضح ومعالجة غائبة

وعن التحدّياتِ التي تواجه طلبة الثانوية العامة، أكد "بشارات" خلال حديثـه لـ "زوايا" أن التحدي الأكبر لطلبة الثانوية العامة هو اختيار التخصص الجامعي، مبينًا أن هناك فجوةً كبيرةً بين وزارة التربية والتعليم الفلسطينية والجامعاتِ الفلسطينيةِ حول خطة اختيارِ التخصصات المطلوبة لسوق العمل، وما يحتاجُه من بناء قدراتِ الطلبة وتنمية مهاراتِهم.

بطالةٌ حقيقية

وأكد أن هناك بطالة حقيقية تضرب سوق العمل الفلسطيني، داعيًا وزارة التربية والتعليم والجامعات الفلسطينية إلى التنسيقِ لإغلاق بعض التخصصات التي تزيدُ أعدادَ الخريجين الفلسطينيين وتبدّدُ السنواتٍ الجامعية دون فائدة ودن الالتحاقِ بوظيفة.

ويقول بشارات: "لا يُعقل أن يلتحق 45 ألف خريجٍ في اختبارات الوظيفية العمومية من أجل 1000 وظيفة".

ودعا الجامعات الفلسطينية إلى تعزيز التخصصات الواعدة والمهنية، والتي من خلالها يستطيع الطالب الفلسطيني بناءَ مشروعه الخاص بنفسه، بدلًا من تعليقِ الشهادات الجامعية على جُدران المنزل بلا فائدة، على حد تعبيره.

وحولَ التخصصات الواعدة، قال إن العالم متجه للذكاء الصناعي والهندسة الحاسوبية والمشاريع الخاصة مثل الترجمة إضافة إلى العلاج الفيزيائي وغيرها، وبعض التخصصات الطبية التي من شأنها أن تقلل من حجم التحويلات الطبية من الأراضي الفلسطيني إلى الاحتلال الإسرائيلي، لكنّه في الوقت ذاته حذر من الالتحاقِ بطب الأسنان، والتي أعلنت نقابة أطباء الأسنان عن اكتفاء السوق لسنواتٍ عديدة في هذا المجال.

كما دعا "بشارات" إلى ضرورة وعي الطلبة الفلسطينيين باختيار التخصص الجامعي، كي لا ينضموا إلى طوابير البطالة الطويلة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية.

إغلاق التخصصات الراكدة

وبشأن دور الجامعاتِ في اختيار التخصص الجامعي، يرى "بشارات" أنه "بعض الجامعات لا تزال تضع رأسها في الرمال، وترفض إغلاق بعض التخصصات، ما سيؤجج المعضلة ويزيد من أعداد البطالة"، مطالبًا بوقف هذا الهدر والاستنزاف لسنواتٍ طويلةٍ يقضيها الطالب الجامعي دون فائدةٍ.

وطالبَ بخطة إنقاذ وطني تفاديًا لزيادةِ أعداد الخريجين العاطلين عن العمل، وخلق تخصصاتٍ جديدةٍ يستطيع سوق العمل الحالي والمستقبلي استيعابها، وتعزيز التخصصات المهنية وتغيير الصورة النمطية حول ازدراء هذه التخصصات، مؤكدًا أن بعض التخصصات المهنية تحصيلها المالي أكثر من طبيبٍ على سبيل المثال.

وعن الدور الحكومي، شدّد على ضرورة أن ينظر المسؤولون بواقعية ومصداقية وشفافية أكثر بعيدًا عن "بيع الكلام".

وأكد على ضرورة بناء الطلبة في صناعةِ المشاريع الخاصة، وأن يصحبوا أكثر قدرةً على التفاعل والإنتاج، لافتًا إلى أن الفلسطينيين قادرون على بناء اقتصادٍ قوي حال وجود خطةٍ ممنهجةٍ لاختيار التخصصات بما يتطلبه سوق العمل الفلسطيني والخارج.

تخصصكُ.. شغفك وطموحُك

من جانبه، قال المختص التربوي مخلص سمارة أن على طلبة الثانوية العامة اختيار التخصص الجامعي حسب شغفهم وطموحِهم، لكي يبدعَوا خلال دراستهم الجامعية وينافسوا بقوةٍ على الوظائفِ، حتى وإن كان سوق العمل مثخن بهذا المجالِ.

ونصحَ الطلبةَ بضرورة المواءمة بين القدراتِ الشخصيةِ والتخصص الجامعي، وأن يختار الطالب تخصصه بناءً على قدراته وليس بناءً على معدله في الثانوية العامةِ، مبينًا أن كثيرًا من الطلبة المتفوقين التحقوا بتخصصاتٍ تحتاجُ معدلًا أقل بكثيرٍ مما حصلوه ونجحوا وارتقوا في مجالهم.

اقرأ أيضا: بعد الخيبة من بايدن..هل من مسار فلسطيني جديد؟

وبشأن عائلات الطلبة، ناشد "سمارة" بضرورة عدم الضغط على أبنائهم من أجل إجبارهم على الالتحاقِ بتخصص ما، والبعد عن المقارنات بين أبنائهم وآخرين، واحترام قدرات وشغف أبنائهم تجاه تخصصاتهم.

الكل مسؤول عن المعضلة

وحمل سمارة مسؤولية عجز سوق العمل عن استيعاب الخريجين الجدد لجميع الجهات المعنية، من حكومات وطلبة وعائلاتهم، مطالبًا باستراتيجيةٍ تقنن التخصصات الراكدة وتعزز التخصصات الفاعلة والرائدة في سوقِ العملِ.

ودعا إلى ضرورة تشجيع التعليم المهني والصناعي وفتح تخصصات أمام مجالاتِ عمل جديدةٍ في ظل التطور التكنولوجي الهائل والذي يتطلبُ تخصصاتٍ معينةً، إضافة إلى ضرورة فتح مجالاتٍ في أعمال الصناعة والتجارة وتشجيع الطلبة على الالتحاقِ بهذه التخصصات.

ويرى أن التخصصات مثل هندسة الحاسوب والتصميم والترجمة من التخصصات التي لا يمكن لأحد أن يقف في طريقِها نحو الإبداع والعمل في ظل التطور التكنولوجي الكبير الذي يشهده العالم، وأن مجالات العمل مفتوحة على مصراعيها حتى وإن كانت عن طريقِ "العمل عن بعد".

وأسِف لعدم وجود خطة استراتيجية للحكومات والمؤسسات تتعامل مع أزمة الخريجين واختيار التخصصات الفاعلة التي من شأنها أن تقلل نسبة البطالة التي تضرب الأراضي الفلسطينية بقوة.

العمل الحرُ

وفي السياقِ ذاته اتفق الدكتور محمود برغوت أستاذ العلوم والتكنولوجيا بالكلية الجامعية للعلوم والتكنولوجيا بخانيونس مع ما ذهب إليه سمارة بأن الطالب يجب أن يختار التخصص بناءً على ميوله وقدراته، مبينًا أن طلبة الثانوية العامة قطعوا شوطًا كبيرًا في مرحلةِ التعليم، لكن المرحلة الأهم هو اختيار التخصص الجامعي، والذي يؤهلهم لوظيفةٍ في المستقبلِ.

ودعا في حديثـه مع "زوايا" إلى ضرورةِ عقد ورشات عمل تجمع الجامعات الفلسطينية ومشغلي المشاريع، لاختيار التخصصات التي يحتاجُها سوق العمل.

وحول النظر إلى سوق العملِ، دعا "برغوث" الطلبة بضرورة العمل على تنمية مهاراتهم وقدراتهم لتناسب سوقَ العمل ليس المحلي فحسب بل العالمي عن طريق "العمل عن بعد" و"العمل الحر" دون قيودٍ مكانية أو جغرافيةٍ.

واتفق مع ما ذهب إليه "سمارة" و"بشارات" بأن التخصصات المهنية وبالتحديد الحاسوب وجميع مجالاته هي تخصصات مطلوبة على شكل متصاعدٍ في ظل التطور التكنولوجي في العالمِ، إضافة إلى الهواتف والذكاء الصناعي والروبوت، مشيرًا إلى أنها تخصصات رائجة مطلوبة من سوق العمل.

وحول نظرته لآلية اختيار الطلبة لتخصصهم الجامعي، نوّه "برغوث" إلى أن الطالب الفلسطيني أصبح أكثر وعيًا في ظل تصاعد البطالة، حيث بات يتعرف أكثر على التخصصات المطلوبة والجديدة في الجامعات الفلسطينية، وهو ما لمسه من خلال اطلاعه وعمله في كلية العلوم التطبيقية بغزة.

وفي ظل التحديات الكبيرة التي تواجه طلبة الثانوية العامة لاختيار تخصصٍ يؤهلهم لفرصةٍ في سوقِ العمل، ووجود أعداد كبيرة من خريجي الجامعات الذين فشلوا في الحصول على وظيفة، تبقى مشكلة البطالة شائكةً في الأراضي الفلسطينيةِ مع غيابِ استراتيجيةٍ حكومية ومؤسساتية ممنهجةٍ للخروج من هذه الأزمةِ، رغم الحديث المتكرر عنها منذ سنواتٍ طويلةٍ، في الوقتِ الذي يدعو فيه المختصون لضرورة الالتحاق بالتعليم المهني وتعزيز فرص العمل عن بعد في ظل تواصل الأزمة.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo