"الطنطورة".. وثائقي إسرائيلي يعرض شهادات مروعة لذبح الفلسطينيين خلال النكبة

تهجير الفلسطينيين
تهجير الفلسطينيين

أعاد الفيلم الوثائقي الذي أنتجه "ألون شوارتز" نبش مذبحة "الطنطورة" جنوب مدينة حيفا التي نفذتها ضد فلسطينيين، استشهدوا إبّان حرب 1948 على شاطئ مدينة قيسارية الشهير، شمال فلسطين المحتلة.

وجاءت مذبحة "الطنطورة" التي بلغ عدد سكانها عام 1945 (1490) نسمة بعد أكثر من شهر على مذبحة دير ياسين وبعد أسبوع على إعلان ما سمي بـ"الاستقلال". 

وأشار مخرج الفيلم لصحيفة "هآرتس" العبرية إلى حدوث عمليات "قتل جماعي للعرب حدث بعد استسلام قرية الطنطورة"، عام 1948، وأن فيلمه سيُعرض الأسبوع القادم عبر الإنترنت، ويتضمن شهادات جنود إسرائيليين شاركوا في المجزرة، حيث تصف شهادات الجنود في الفيلم مشاهد مختلفة بطرق مختلفة، ولا يمكن تحديد عدد القرويين الفلسطينيين الذين قتلوا رميا بالرصاص، وتتراوح الأعداد الناتجة عن الشهادات من حفنة قُتلوا، إلى العشرات".

02.jpeg

ودعا المخرج لإعادة الاعتبار لباحث إسرائيلي أكد ضمن رسالة ماجستير في جامعة حيفا ارتكاب مجزرة في القرية على يد أفراد وحدة "الكسندروني" في الجيش الإسرائيلي. 

وقالت الصحيفة إن تجدد الاهتمام بقضية الطنطورة بعد الكشف عن شهادات واعترافات إسرائيلية حولها ضمن فيلم للمخرج الإسرائيلي ألون شفارتز، يلزم جامعة حيفا بفحص جديد لرسالة الماجستير التي قدمها عام 1998 الطالب اليهودي "تيدي كاتس" حول الطنطورة بعدما ألغتها بدعوى أنها تشوّه التاريخ.
وقتها كان "تيدي كاتس" قد أعد رسالة الماجستير على شهادات ناجين من مذبحة الطنطورة واعترافات بعض جنود وحدة "الكسندروني" التي نفذت المذبحة في ليلة 22 مايو/ أيار 1948 ولاحقا اعتمد عليها مخرج الفيلم.

مقبرة جماعية تحت موقف سيارات

ووصفت هآرتس الفيلم بأنه "مشروع توثيق مثير للإعجاب"، وأنه على الرغم من أن شهادات الجنود في الفيلم تم الإدلاء بها في جمل مكسورة، في أجزاء من الاعترافات، فإن الصورة العامة واضحة: جنود في لواء "الإسكندروني" ذبحوا رجالًا غير مسلحين بعد انتهاء المعركة".

وخلافًا للمقالات الإسرائيلية التي كتبها المحامي غيورا آردنست، والمراسل الموسيقي، حاجي حيترون، والمؤرخ يوآف غلبر حول هذا الموضوع، والتي تتمثل في النفي أو التقليل من قيمة النكبة، تشير الشهادات والوثائق التي جمعها شوارتز لفيلمه إلى أنه بعد المذبحة تم دفن الضحايا في مقبرة جماعية، وهي الآن تحت "ساحة انتظار سيارات شاطئ دور"، بحسب هآرتس.

وأضافت: "في نهاية مايو 1948، بعد أسبوع من احتلال القرية، وبعد أسبوعين من إعلان الدولة تم توبيخ أحد القادة الذين تم تعيينهم في الموقع لأنه لم يتعامل بشكل صحيح مع دفن جثث العرب".

01.jpeg

ولفت المخرج "شوارتز" الى أنه بالإضافة إلى الشهادات والوثائق، يعرض الفيلم استخلاص الخبراء الذين قارنوا الصور الجوية للقرية ما قبل، وبعد غزوها"، وقالت : "مقارنة الصور، واستخدام التصوير ثلاثي الأبعاد باستخدام أدوات جديدة، يجعل من الممكن ليس فقط تحديد الموقع الدقيق للقبر ولكن أيضًا لتقدير أبعاده: 35 مترًا طولًا، وعرضًا 4 أمتار".

اقرأ أيضاً: بعد الخيبة من بايدن..هل من مسار فلسطيني جديد؟

وتابع: "هناك شيء واحد يمكن تأكيده بقدر كبير من اليقين: تحت ساحة انتظار أحد أكثر مواقع المنتجعات الإسرائيلية المحبوبة والمألوفة على البحر المتوسط، توجد رفات ضحايا إحدى المذابح الصارخة في حرب "الاستقلال"".

وأضافت الصحيفة: "بحسب إحدى الشهادات التي أدلى بها أحد سكان زخرون يعقوب (مدينة في شمالي فلسطين المحتلة) والذي ساعد في دفن الضحايا، فإن عدد القتلى تجاوز 200"، وقال موشيه ديامنت، أحد الجنود السابقين: "قُتل القرويون برصاص (متوحش) باستخدام مدفع رشاش، في نهاية المعركة".

وحول دعوى التشهير التي رُفعت ضد الطالب كاتس، قال: "لقد كتموا الأمر، قالوا يجب عدم الحديث عمّا جرى، فقد يتسبب في فضيحة كاملة".

أما حاييم ليفين، أحد الجنود السابقين، فقال إن "أحد أفراد الوحدة ذهب إلى مجموعة من 15 أو 20 أسير حرب وقتلهم جميعًا".

وبدوره، فقد أشار ميكا فيكون، وهو جندي سابق آخر، إلى أن "ضابطا أصبح في السنوات اللاحقة عنصرا كبيراً في وزارة الدفاع، قتل بمسدسه عربيا تلو الآخر". ومن جهته، قال جندي سابق آخر، لم تسمه الصحيفة: "ليس من الجيد قول هذا. لقد وضعوهم في برميل وأطلقوا عليهم النار في البرميل. أتذكر الدم في البرميل"، وأضاف: ببساطة لم يتصرفوا مثل البشر في القرية".

وبينت صحيفة هآرتس أنه وخلافًا لجماعة المُسكتين الذين هم غير مستعدين للاعتراف بالخطأ الذي استمر سنين بعد الحدث، وأنهم منذ انتهاء محاكمة "كاتس" بشكل سريع يعلنون بأنهم انتصروا فيها. 

والحقيقة هي أن لا أحد رغب في أن يجرى في إسرائيل محاكمة للنكبة، فالمحاكمة انتهت برسالة استسلام تم املاؤها على كاتس. فقد وقع كاتس على الرسالة كما هي بدون أي تغيير تحت الضغط الذي استخدم عليه، سواء من قبل جنود الكسندروني أو من قبل رجال جامعة حيفا، أو ربما بالأساس من قبل عائلته التي تراجعت نفسياً واقتصادياً تحت مكبس الضغط.

ما فعلناه فاق مجازر الألمان

ولعل من الشهادات الأكثر أهمية تلك التي سجلها كاتس هي شهادة "شلومو انبر"، الذي كان في حينه ضابطا شابا في الكتيبة 33 وبعد ذلك أصبح قائدا للكتيبة وقائدا للدفاع المدني في الجيش الإسرائيلي. 

وحول "انبر" في بداية الشهادة إبعاد نفسه عما حدث في الطنطورة من خلال القول بأنه كان في حينه جنديا شابا في الكتيبة. وأشار الى أنه تقريبا لم يشارك في معركة الطنطورة، بل فقط قام بفتح السلسلة التي توجد بين منحدرات الكركار عند مدخل القرية.

03.jpeg

وقال انبر إنه كان في المقبرة وعلى شاطئ البحر غداة ليلة المعركة، وهناك رأى اشخاصاً قتلى. منطقة المقبرة هي المكان الذي تم فيه تنفيذ جزء من الاعدامات، ضمن امور اخرى وحسب شهادات اخرى. 

ومن الأمور التي شرحها انبر لكاتس يُفهم لمن يستمع بأنه حسب رأي انبر فإنه بسبب أنه لم يسمع صوته في حينه ووقف جانباً، فليس له حق أخلاقي للتحدث والاحتجاج بأثر رجعي على ما حدث في الطنطورة. حتى أن انبر قال لكاتس في شهادته بأنه حتى الألمان لم يقتلوا أسرى حرب غربيين، بالإشارة الى ما فعله جنودنا مع الأسرى في الطنطورة.

وأوضح مخرج فيلم "الطنطورة" أن الأمر يتعلق بشهادات شفوية عمرها خمسون سنة وأكثر، إلا أن أي عاقل يعرف أن ما حدث في الطنطورة أمر فظيع. كما يبدو العدد الدقيق للقتلى، الذين استغرق دفنهم وقتاً طويلاً، كما أننا لا نعرف في أي يوم، شملت أساليب القتل، حسب الشهادات، إطلاق النار على أشخاص تم توقيفهم في طوابير أمام الحائط، وإطلاق النار من مدفعية على خيام تم تجميع أشخاص فيها، وإطلاق النار من مسدس "باربيلوم" من مسافة صفر على رؤوس أشخاص، وإلقاء قنابل داخل الغرف التي تم فيها تجميع مدنيين، وإحراق عدد من الاشخاص وهم على قيد الحياة، وفي بعض الحالات صدرت اوامر لأشخاص بحفر بئر وأطلقت النار على رؤوسهم. 

الاعتراف بالنكبة

وتابعت هآرتس:" يوجد في يدنا ايضا شهادات، رغم أنه لم تشمل في الفيلم، بأنه تم قتل اشخاص بعد التحقيق معهم من قبل (جهاز مخابرات الهاغاناة). اضافة الى ذلك، حسب الشهادات، كان هناك تسجيلات، ومن كان لديه في بيته سلاح تم إطلاق النار عليه بعد تسليم هذا السلاح للجنود.

04.jpeg

وكشفت الصحيفة أن هذه الجرائم لم ينفذها فقط جنود مارقون، بل توجد لديها شهادات مع أسماء عدد من القتلة، التي بشكل متعمد لم يتم إدخالها في الفيلم بدافع حماية ابناء عائلاتهم. يشمل هذا ايضا ضابطاً شاباً أصبح بعد ذلك ضابطاً رفيعاً جداً في الجيش الإسرائيلي وفي أجهزة دولة الاحتلال.

وختم مخرج فيلم "الطنطورة" لهآرتس "يجب على الشعب الإسرائيلي الخجل مما حدث في الطنطورة وأن يتعلم. يجب عليه التعلم بأن فصل التاريخ هذا ممنوع أن يتكرر. ممنوع أن تكون هنا نكبة ثانية. يجب عدم تكرار ذلك في أي يوم".

وأضاف "أنا على قناعة بأنه إذا قلنا الحقيقة فسنستطيع أخيرا الخروج قليلا من موقف الدفاع الأبدي الذي تمرسنا فيه لعشرات السنين، والتفرغ لإنتاج مستقبل أفضل يتضمن مصالحة تاريخية بين الشعبين على اساس تقسيم البلاد، يجب أن تعترف دولة إسرائيل بالنكبة. وقد حان الوقت للتوقف عن الكذب.

المصدر : متابعة-زوايا
atyaf logo