الخطابُ الإعلامي تجاه القدس.. تقصير رسمي وأفضلية للمقاومة رغم الانتقادات

اعتداءات الاحتلال على المصلين بالقدس
اعتداءات الاحتلال على المصلين بالقدس

تتعرضُ مدينة القدسِ المحتلة لحربٍ ضروس متواصلة ينفذها الاحتلالُ الإسرائيلي من إعداماتٍ وتهجيرٍ واعتداءاتٍ وهدم للبيوت وعمليات عدائية تهدفُ لإفراغ المدينة من المقدسيين والتنغيصِ على حياتِهم.

وفي ظل تلك الهجمة الشرسة، تقدمُ كل من السلطة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية خطابًا متباينًا تجاه المدينة والمقدسيين تشمل البياناتِ والتصريحات وغيرها.

وفي هذا التقرير تستضيفُ زوايا نخبة من أساتذة الإعلام والسياسة لتقييم الخطاب الإعلامي الرسمي والفصائلي تجاه قضايا القدس، وما مدى ربطه فعليًا بالتطبيقاتِ على أرضِ الواقعِ؟

الخطاب والسلوك السياسي مرتبطان

ورأى أستاذُ العلوم السياسية في جامعة الخليل بلال الشوبكي، أن تقييم الخطاب الإعلامي يرتبطُ ارتباطًا وثيقا بالسلوك السياسي والفعل الميداني الفاعل على أرض الواقع، والذي من خلاله يمكن الحكم على الخطابِ إما للاستهلاكِ الإعلامي أو تعزيز صمود المقدسيين.

واعتبر الشوبكي خلال حديثه لـ "زوايا" أن الخطاب الرسمي الفلسطيني المتمثل بالسلطة الفلسطينية تجاه القدس خطابٌ متواضع، بحيث يتحدثُ ضمن سقف "حل الدولتين" و"القدس الشرقية عاصمة لفلسطين" دون الاعتماد على التطبيق العملي على أرض الواقع أو تعزيز صمود المقدسيين ووضع أوراق قوة أمام طاولةِ المفاوضاتِ مع الإسرائيليين، لتحقيق ضغط من أجل مصلحة القدسِ.

وتصرُ السلطة في خطابها الإعلام على الحديثِ أن القدس الشرقية عاصمةً لفلسطين، دون تطبيقِ خطواتٍ عمليةٍ، ودون أن يترافقَ ذلك مع تعزيز صمود المقدسيين، ودون ضمان بقاء الحال على ما هو عليه في ظل الهجماتِ الإسرائيلية الشرسة على المدينة وعلى المقدساتِ الإسلامية والمسيحية. وفق حديث الشوبكي.

وحسب الشوبكي، يجب أن يتجاوز الخطاب الرسمي الفلسطيني التمسك بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين، في الوقت الذي ينادي فيه قادة الاحتلال بأن القدس الموحدة عاصمة لـ"إسرائيل"، ويجب أن يرتفع سقف التصريحات الرسمية، لتشكل أداةَ ضغط على الاحتلال وتجبر القوى الإقليمية والعالمية على التدخل.

وأشارَ الشوبكي أن مدينة القدسِ تتعرضُ لسياسات إسرائيلية عديدة في مجالات التخطيط العمراني وإدارة الحيز الديمغرافي الذي من شأنه أن يطرد آلاف المقدسيين واستبدالهم بإسرائيليين.

خطاب فصائل المقاومة

وحول خطاب فصائل المقاومة، رأى "الشوبكي" أنَ المقاومة الفلسطينية كانت تتحدث حول القدسِ كونها المحفز الأساسي لعملية تحريكِ الشارع الفلسطيني، واستثمرت في خطابِها وضع القدس في العقلية الجمعية الفلسطينية كمحركِ وطني ورافعة لعملية النضال.

ونقلت المقاومةُ الفلسطينية خطابَها نقلةً نوعيةً قبيل معركة "سيف القدسِ" في مايو 2021، حيث تحوّل الخطاب تجاه القدسِ من محفزّ ورافع للعمل النضالي إلى إسناد القدسِ، حيث تحوّل الخطاب من أقوالٍ إلى أفعالِ، ما رفع ثقة المقدسيين بالمقاومةِ، يقول الشوبكي.

وحول ما حدث في مايو 2022 خلال شهر رمضان ومسيرة الأعلام الإسرائيلية، فلفت "الشوبكي" أن الشارع الفلسطيني توقع ردًا من المقاومة عقب التصريحات ذات السقف العالي، وبالتحديد من مسؤول حماس في غزة يحيى السنوار، بأنه إذا تم المساس بالأقصى سوف تتدخل المقاومة وقد تم المساسُ ولم تتدخل المقاومة.

ونوّه أن خطاب حماس والسنوار في مايو 2022 أصبح عبئا على الحركة، وكان الأجدر أن تراجعَ خطابها، كي لا يكون أداةً لمحاسبة الشارع الفلسطيني لها.

اقرأ أيضاً: السياسات الإيرانية تجاه المقاومة الفلسطينية.. الدعمُ مقابل تعزيز أوراقها في المنطقة

ويدركُ المحللون السياسيون لماذا امتنعت المقاومةُ الفلسطينية عن الردّ في الاقتحام الأخير، وهو أن الاحتلال يريدُ استدراج المقاومة الفلسطينية لمواجهة وفرض شروطه عليها، ولكن على الأقل كان يجب على المقاومة أن تخفّض حدّة تصريحاتها، كي لا يرى الشارع الفروقاتِ الجوهرية بين القول والفعل، كما بين الشوبكي.

وفي ظل محدودية قدراتِ المقاومة السياسية والدبلوماسية والإقليمية، نصحَ "الشوبكي" المقاومة بدراسة خطابها الإعلامي، وأن تتحدث بما يمكن تحقيقه على أرض الواقع، كي لا تقع في فخ محاكمة الشارع الفلسطيني، لافتًا إلى أن المقاومة أحدثت نقلةً في خطابها الإعلامي، ولكنه بحاجةٍ لمزيدٍ من النّضج.

فجوة ثقة

وفي السياق ذاته، اعتقد مدير مركز يبوس للدراسات سليمان بشارات أن هناك فجوة ثقة بين المواطن المقدسي والخطاب الرسمي المتمثل بالسلطة الفلسطينية، وأن تقبل المواطن لتصريحاتها ضعيفُ ولا يؤخذ على محمل الجد.

وتعودُ فجوة الثقة إلى المواقف السياسية التي تتبعها السلطة والمتمثلة بالسير وفق الدبلوماسية، ومحاولة احتواء الموقف والتصعيد، وعدم الحرص على مصلحة المواطن بقدر السير وفق الموقف والطرح السياسي الذي تتبناه. بحسب حديث بشارات لـ "زوايا".

خطابُ المقاومة أكثر حضورًا

ورأى "بشارات" أن خطاب فصائل المقاومة أكثر حضورًا وتطبيقًا على أرض الواقع، وبالإمكان قياس ذلك بحركة الشارع والمواجهات التي تتعرض لها القدس والمسجد الأقصى، وطبيعة الهتافات المُشيدة والمناصرة للمقاومة، والتي تعزز حضور المقاومة وخطابها الإعلامي.

وحول التصريحات الأخيرة لحركة حماس والمقاومة بشأن أحداث الأقصى في مايو 2022، قال "كان هناك طموح لدى المواطن الفلسطيني برد المقاومة، وأن يكون للخطاب انعكاسات على أرض الواقع وهذا الشيء لم يحدث"، معتقدًا أن هذا الفعل "لم ينزع ثقة المقدسيين والفلسطينيين بشكل عامٍ بالمقاومة".

ولا يختلف الفلسطينيون والمقدسيون بشكل خاص على مبادئ المقاومة ورؤاها وقيمها، وقد كان لهم تجربة مسبقة في "سيف القدس" في مايو 2021، ولكن كان هناك نوع من الانتقاد في بعض المواقف والتصريحات التي لم تكن مضبوطة، والتي أعلت سقف الخطاب الإعلامي، موصيًا "بشارات" قوى المقاومة بخطابٍ إعلامي أكثر انضباطاً وتقدير موقف ومضامين أكثر دقة.

خطاب السلطة غير كافٍ

من جانبه، اعتبر أستاذ الإعلام طلعت عيسى أن خطابَ السلطة " على وتيرة واحدة، وغير كافٍ"، متوافقًا مع ما ذهب إليه المحللون السابقون، في حين كانت الأفضلية لخطاب المقاومة، ولا سيما قبيل معركة سيف القدسِ.

ولفت "عيسى" في حديث لـ "زوايا" أن المقاومة الفلسطينية نجحت في خطابها بربط المقاومة بمصير القدس، وذلك بعد أن أعطت الاحتلال مهلةً للانسحاب من مسيرة الأعلامِ في مايو 2021، ونفذت وعدها بإطلاق الصواريخ، مبينًا أنه كان تهديدًا صريحًا ومباشرًا ولا يقبل التأويل الآخر.

وبشأن عدم ردّ المقاومة في مايو 2022، قال عيسى: "ليس من المنطقي أن عقب كل عملية تهديد يحدثُ انفجارٌ وحربٌ في المنطقةِ، وأحيانًا يحقق الخطابُ أهدافه دون الولوج للحربِ، وهذا ما حدث من وساطاتٍ عربية وإقليمية لاحتواء الموقف وتخفيف حدة مسيرة الأعلام".

ربط العمل المقاوم بالقدسِ

ووفق عيسى، فلا تزال المعركة الإعلامية للمقاومةِ الفلسطينية مستمرة ضد الاحتلال بشأن القدسِ، وأنها نجحت في تثبيت ربط العمل المقاوم بالقدسِ المحتلة.

وبشأن خطاب حماس والسنوار قبيل اقتحام الأقصى في مايو 2022، رأى عيسى أنه كان شديدًا، ولكنه لم يحدد إجراء الفعل الصريح على غرار 2021، منوهًا أن أشكال المقاومة متعددة ولا تقتصر على إطلاق الصواريخ، وحصرها في إطلاق الصواريخ مفهوم خاطئ، فهناك عمليات فردية وأمنية ومعارك في الخفاء تقودها المقاومة".

اقرأ أيضاً: هل اقتربت ساعة الصفر لإعلان تطبيع العلاقة بين حماس ودمشق؟

ونبّه عيسى إلى أن منصات التواصل الاجتماعي هي من أجّجت ورفعت سقف التصريحاتِ كثيرًا للمقاومة الفلسطينية، وكانت التصريحات تتعلق بمسير مسيرة الأعلام.

شماعة وأداة لاستقطاب الجماهير

من جانبه، اعتبر أستاذ الإعلام نشأت الأقطش أن القدس في الخطاب الإعلامي الرسمي والحزبي هي مجرد شماعة وخطاب عاطفي لاستقطاب الجماهير، في المقابل لا أحد يقدّم فعلًا حقيقيًا لها غير المقدسيين وما يتحملونه من أعباءٍ بصدورهم العارية.

وأشار في حديثـه لـ "زوايا" إلى سياساتِ الاحتلال في القدسِ والصعوبات التي تواجه المقدسيين من رسوم ترخيص البيوت باهظة الثمن، حيث يصل ترخيص بيت مساحته 40 مترًا مربعًا لـ 100 ألف دولار أمريكي.

ويضع الاحتلالُ الإسرائيلي عراقيل لا طاقة للبشر بها في طريق المقدسيين، وهي محاولة لتطبيق سياسة تفريغ القدس من العرب، والتي تصدّى لها المقدسيون بأنفسهم، بحسب "الأقطش".

واندلعت هبة القدسِ في مايو 2021، والتي طالت كل الفلسطينيين في العالم، ما أدى للضغط على الاحتلال وخططه الاستعمارية التهويدية، موضحًا الأقطش أن المقاومة خاضت الحرب العام الماضي وشاركت في تغيير المعادلات.

ربع قرن مفاوضات دون نتيجة

ولام "الأقطش" النظام السياسي الفلسطيني المتمثل بالسلطة، والذي يقدم كل شيء للاحتلال ويتعاطى معه على أملٍ أن يمنَّ عليه بشيء، ولكنه اتضح بعد أن التجربة أن السلطة لم تحصل على شيءٍ يُذكر.

كما انتقد الخطاب الإعلامي الفلسطيني ككل تجاه القدس، لأنه خطاب يخلو من المعلومات والحقائق تجاه ما يتعرض له المقدسيون من اعتداءاتٍ وتهجيرٍ وهدمٍ وأميةٍ وسحق لشخصية المقدسي.

واعتبر أن شعارات المقدسيين المُشيدة بالمقاومة هي "هبات عاطفية" على غرار ما حصل في العام 2021 في "سيف القدس"، لافتًا أن المقاومة هي الأمل الوحيد للمقدسيين بعد الانتصار لهم وبعد تخلي الجميع عنهم وانغماس السلطة في مشكلاتها المادية والمفاوضات، التي تبين أنها بعد ربع قرن لم تقدمّ شيئًا للفلسطينيين.

وقال الأقطش " قد يظنّ البعضُ أن هناك تناقضًا بين انتقادي لخطاب الفصائل في البداية والإشادة بخطاب فصائل المقاومة، مبينًا أن يقصدُ العديد من الفصائل الفلسطينية المندرجة تحت منظمة التحرير ولا تقدم فعلًا حقيقيًا للقدس.

وحول خطاب حماس الأخير في 2022 المتعلق بالمساس بالأقصى، بيّن أن الشعب والمقدسيين توقعوا ردًا من المقاومة وهذا لم يحدث قائلًا "لا نعلم ظروف المقاومة وكيف تدخل الوسيط، والمقاومةُ أعلم بتقدير الموقف".

وفي ظل ما تتعرضُ له القدسُ المحتلةُ فإن الخطاب الإعلامي الفلسطيني المتمثل بالسلطة الفلسطينية دون المستوى وغير كافٍ مع أفضليةٍ واضحةٍ للمقاومةِ على الرغمِ من الانتقادات الواسعة التي طالتها عقب اقتحام الاحتلال ومستوطنوه للأقصى في مايو 2021 والتي لم تتدخل فيه بعدما رفعت سقف الطموحات.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo