"النحاس الأصفر".. خردة مُكدسة بغزة ممنوعة من التصدير

من محلات الخردة بغزة
من محلات الخردة بغزة

منذ العام 2007 وسلطات الاحتلال الإسرائيلية، تمنع تصدير "النحاس الأصفر" من قطاع غزة إلى خارجه تحت "ذرائع أمنية"، الأمر الذي انعكس سلباً على العاملين في هذا المجال، وخاصة تجار وجامعي الخردة، الذين يقدر عددهم بأكثر من 2000 شخص في القطاع.

ووفقاً لإفادة لجنة تجار المعادن والخردة في القطاع، فإن كميات "النحاس الأصفر" المتكدسة في مخازن التجار تزيد عن 2000 طن، وتبلغ قيمته المالية 36 مليون شيكلاً.

ويقول تاجر الخردة "محمد عياد" أن لديه نحو 50 طناً من النحاس الأصفر المكدسة في مخزنه، لافتاً إلى أن نحو 40 تاجراً للخردة يعانون من ذات المشكلة ولديهم في مخازنهم كميات متفاوتة.

وأشار عياد إلى أن "شغلتهم" ما عادت مجدية في ظل تكدس كمية خردة النحاس الأصفر لديهم، لافتاً إلى أنه يشتري الكيلو الواحد من جامعي النحاس بـ14 شيكلاً ويبيعه "مُصدراً" بما لا يزيد عن 17 شيكلاً.

ويُفرق عياد بين النحاس الأحمر والنحاس الأصفر، مبيناً أن الأول يتم استخلاصه بحرق "كوابل وأسلاك الكهرباء والاتصالات"، أما النوع الثاني فيتم شراؤه على شكل معدات خردة مثل "القوالب والحنفيات وغيرها" ممن يسمون "النباشين".

وهناك نحو 2000 عامل من "النباشين" يبيعون لهؤلاء التجار ما يجمعون من أنواع الخردة سواء المعدنية أو البلاستيكية وخلافه من الشوارع والنفايات، حيث يعد اللجوء لهذه المهنة المذكورة، نتيجة طبيعية لارتفاع نسب الفقر والبطالة والباحثين عن العمل في القطاع.

وتزيد نسبة الفقر في القطاع عن 80%، في حين تلامس نسبة البطالة حاجز الـ 65%، علماً أن عدد الباحثين عن عمل بلغ نحو 450 ألف ما بين عامل ومهني وخريج، وذلك وفقاً لبيانات وإحصاءات رسمية من وزارة العمل في غزة.

ذرائع أمنية و"بدائل"

ويأتي التذرع الإسرائيلي بعدم إعطاء إذن لتصدير النحاس الاصفر، على لسان ما يسمى منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية غسان عليان، بأنهم يخشون أن تحتوي هذه المواد على عناصر متفجرة، أو يكون لها امتداد لاقتصاد "حماس"، أو أسباب أخرى متعلقة بالجوانب الأمنية التي تحددها أجهزة الأمن والاستخبارات، فضلاً عن عدم وجود آلية متبعة لتصديره.

بدوره، يقول عيد حمادة رئيس اللجنة المذكورة سالفاً لـ"زوايا"، أنهم على تواصل مع لجنة التنسيق الفلسطينية مع الاحتلال برئاسة روحي فتوح، والتي تقوم بدورها بالتواصل والتباحث وإرسال المخاطبات إلى الجانب الإسرائيلي بالخصوص، لكن دون جدوى حتى الآن.

اقرأ أيضاً: هل يشهد اقتصاد غزة انتعاشاً بزيادة العمال لدى الاحتلال؟

وأشار إلى أن الاحتلال يختلق ذرائع أمنية واهية لمنع تصدير النحاس الأصفر من غزة لـ(إسرائيل)، منوهاً إلى أنه سبق لهم أن أجروا ثلاثة تجارب لتصدير عينات من هذا المعدن عبر وضعه في "شوالات بلاستيكية وكراتين"، ولكنهم تفاجأوا باستمرار "الرفض الأمني"، ومع ذلك هناك وعودات فلسطينية وإسرائيلية لإعادة هذه التجارب، ونأمل ألا يبقى هذا الرفض إلى ما لا نهاية، حسب حمادة.

وبالمقابل، أشار حمادة إلى محاولات تقوم بها الجهات الحكومية في غزة، لتصدير "الخردة" إلى مصر وخاصة النحاس الأصفر، نظراً لاستمرار منع تصديره من قبل الاحتلال، ولكنه عبر عن عدم تفاؤله بنجاح هذه الخطوة، نظراً لما أسماه "الهوى المصري اليوم نعم بكرة لا حسب المزاج".

وبشكل عام، فقد أكد حمادة أنه خلال العامين الماضيين تم تصدير للداخل المحتل ما نسبته 70-80 %من خردة الحديد والالمنيوم بمعدل 130 ألف طن تقريباً، معتبراً أن أهمية ذلك تكمن في السيطرة على هذه الكميات من الحديد وتصديرها أولاً بأول، حيث بات يتم تجميعها وتصديرها بشكل متوالي، مما خلصنا من التكدس الذي كان حاصلاً منذ العام 2008.

ويرى حمادة أن هذا التوالي والتتابع في التصدير للحديد من غزة لخارجه "خلق فرص عمل لنحو 2000 عامل من جامعي الخردة وعائلاتهم، متمنياً لو يبقى السماح بدخول الخردة مستمراً بجميع أنواعها، على حد تعبيره.

وكان مدير عام التجارة والمعابر بوزارة الاقتصاد رامي أبو الريش، أوضح -في وقت سابق لزوايا- أن تصدير حديد الخردة يوفر سيولة مالية للتجار بهذا المجال، ويفتح مجالات عمل جديدة سواء بجمع الحديد وكبسه ثم تصديره، والذي يحتاج لشركات نقل وعمال، ويشتغل فيه نحو 4000 عامل، مبيناً أن تجار حديد الخردة يشترون الطن من العاملين على الجمع بمبلغ ما بين 120 - 200 شيكل حسب جودته، حيث يستطيع العاملون بهذا المجال جمع حوالي 150 طناً يومياً.

ورغم الآثار الإيجابية المترتبة على التجارة والعمل بالخردة، بما تشكله من مصدر رزق لـمئات الأسر التي يعمل أبناؤها في جمع الخردة، بالإضافة إلى العاملين في نقل هذه الـمعادن من أفراد وأصحاب الـمركبات، وصولاً إلى من يقوم بتجهيزها في مصانع كبس الـمعادن.

في المقابل، هناك آثار سلبية مترتبة على التجارة والعمل بالخردة، فهي تهدد الصحة العامة للمواطنين بسبب قرب مجمعات الخردة من مساكن المواطنين، حيث يجري حرقها واستخلاص المعادن، فضلاً عن التلوث البيئي المتمثل في تلويث الهواء والتربة والمياه الجوفية، حيث تعتبر عملية حرق مخلفات الخردة والتي تتمثل في: حرق كوابل النحاس والألمنيوم، وإطارات السيارات، والتي تهدف إلى استخراج المعادن، ما يعد من أكثر الأمور خطراً على البيئة.

إضافة إلى عمالة الأطفال، التي تنتشر في هذا القطاع بشكل كبير، وكذلك إصابات العمل التي من أسبابها عدم توفير وسائل السلامة العامة في هذه الأماكن، بالإضافة إلى احتوائها على مواد خطرة من مخلفات جيش الاحتلال الإسرائيلي.

فرص التدوير المحلي

من الناحية التخصصية، وجه محمد أبو جياب المحلل في الشأن الاقتصادي عبر صفحته الشخصية "فيس بوك"، رسالة إلى نظمي مهنا، مدير هيئة المعابر في السلطة الفلسطينية، متسائلاً فيها عن عدم تقديم أي طلبات لتصدير النحاس الأصفر(الخردة) للجهات الإسرائيلية المختصة.

وأشار أبو جياب إلى أن المعلومات المتوفرة لديه بأن الاحتلال سمح بدخول الحديد والألمونيوم والنحاس الأصفر(الخردة) من غزة إلى مصانع الاحتلال في الداخل، مطالباً بالعمل السريع من مختلف الأطراف الفلسطينية لتمكين القطاع التجاري من تصدير ما لديه من نحاس أصفر.

WhatsApp Image 2022-06-23 at 12.39.16 PM.jpeg

ويرى أبو جياب في سياق حديثه لـ"زوايا" أن الكميات التي يتم جمعها في قطاع غزة من الخردة "كميات ضخمة"، الأمر الذي من شأنه تخليص البلد من نفايات كثيرة على مستوى البلاستيك ومختلف المعادن، فضلاً عن الاستفادة منها بعوائد مالية وبيعها للمصانع الخارجية.

اقرأ أيضاً: سوق العمل بغزة يضيق على خريجي التعليم المهني..ما الحلول؟

وحول محاولات الجهات الحكومية تصدير النحاس الأصفر إلى مصر، فقد عبر أبو جياب لـ"زوايا" عن اعتقاده بأهمية تحقيق هذه الخطوة، حيث أن بيع النحاس الأصفر إلى مصر على غرار "البطاريات المستعملة" يعد طريقاً جديداً لتجاوز التعقيدات الإسرائيلية إذا استمرت، متوقعاً أن تُحل عقبة توريد النحاس الأصفر للشركات الإسرائيلية سوف يحل في وقت قريب.

وبما يخص فرص التدوير وتصنيع الخردة محلياً، أوضح أبو جياب أن القطاع الخاص في غزة نجح في تدوير وصناعة البلاستيك والكرتون والنايلون، غير أن إعادة التدوير على مستوى المعادن من حديد ونحاس وألمنيوم "فرصها قليلة جداً، لأن الكميات ضخمة وليس لدى القطاع مصانع حديثة أو بالشكل الذي يتم استغلال هذه الكميات بشكل مُجدي، حيث أن بعض الأشغال التي يمكن أن تؤدي الغرض هي بعض الورش أو المخارط الصغيرة".

كما عبر أبو جياب عن أسفه لعدم توفر المعدات اللازمة لهذا الأمر، بسبب منع الاحتلال إدخالها للقطاع، لافتاً إلى أن المصانع الإسرائيلية تتمتع بأفق تصنيعي أوسع نتيجة لتوفر المعدات والإمكانيات اللازمة لهذا الغرض.

وشدد أبو جياب على أن ما سبق هو "فرصة للدعوة للاستثمار في إعادة تدوير وتصنيع المعادن المختلفة أو صهرها على الأقل، حيث يجب تعزيز هذه الفرصة عبر المنظومة الحكومية الرسمية ومحاولة استقطاب استثمارات في هذا المجال".

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo