الغاز الإسرائيلي في خدمة الاستراتيجية السياسية الإسرائيلية

حقول الغاز الإسرائيلي
حقول الغاز الإسرائيلي

(1) تأثير الحرب الروسية الاوكرانية

مع اندلاع الحرب الروسية الاوكرانية طفت على السطح أزمة الغاز الطبيعي الذي يعتبر من أهم مصادر القوة الجيوسياسية والتي تتنازع عليها الدول، ويشكل ذخرا استراتيجيا من الناحية الاقتصادية والسياسية. والغاز في منطقة الشرق الاوسط على وجه الخصوص يحتل مساحة كبيرة في رسم السياسات والعلاقات بين الدول, وبالذات في التنافس على استخراج الغاز او تسويقه او الحصول عليه من الدول المزودة.

وخلال الاسابيع الماضية , وقعت كل من إسرائيل ومصر والاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم تسمح بتصدير الغاز من إسرائيل إلى الاتحاد الأوروبي عبر مصر، ويمتد إلى 3 سنوات، قابلة للتجديد تلقائيا ,ويمكن أن يعوض ما نسبته 10% من كميات الغاز التي كانت تصدرها روسيا لدول الاتحاد الاوروبي. وقد وصفت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين الاتفاق ب"التاريخي" فيما اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إن "هذا الاتفاق سيقوي اقتصاد إسرائيل وعلاقاتها مع دول العالم ويجعلها لاعبا أساسيا في سوق الطاقة العالمية".

دولة الاحتلال هي المستفيد والرابح الأكبر من الاتفاق من الناحيتَين الاقتصادية والجيوسياسية.

تأتي هذه الخطوة في وقت يعاني فيه سوق الطاقة العالمي من أزمة كبيرة، جرّاء تأثُّر الإمدادات الروسية بسبب الحرب في أوكرانيا، وهي الحرب التي أحدثت ارباكا كبيرا في دول أوروبا التي تأثرت بقوة بسبب وقف الغاز الروسي الذي يلبّي أكثر من 40% من احتياجاتها، لذا كان تأمين البديل قضية أمن قومي للدول الغربية بصفة عامة.

وتشير التقديرات إلى أن احتياطيات إسرائيل من الغاز تبلغ تريليون متر مكعب، ومن المتوقع ألا يزيد إجمالي الاستخدام المحلي على مدى العقود الثلاثة المقبلة على 300 مليار متر مكعب.

اقرأ أيضاً: معاناة سائقي غزة.. بين ارتفاع أسعار الوقود وإجراءات حكومية ضعيفة

إسرائيل في طريقها لزيادة إنتاجها من الغاز إلى مثليه في السنوات القليلة المقبلة ليبلغ نحو 40 مليار متر مكعب سنويا بتوسعة مشروعات وبدء تشغيل حقول جديدة.

وتمد اسرائيل كلا من مصر والاردن بالغاز بكميات كبيرة جدا من الغاز الطبيعي.

بعد الغزو الروسي لأوكرانيا قرر الاتحاد الأوروبي أن يقلل من اعتماده على الغاز الروسي، وبدأ بالبحث عن مصادر أخرى ووجد ضالته في دولة الاحتلال الاسرائيلي التي سرعان ما اقتنصت هذه الفرصة وقدمت نفسها على انها المنقذ لأوروبا والبديل عن الغاز الروسي.

في السنوات الاخيرة , اكتشفت إسرائيل عددا من الحقول الضخمة للغاز الطبيعي, يمكن أن تصل بحسب التخمينات إلى 10.8 تريليون متر مكعب من الغاز، أو حوالى 5% من مخزون الغاز العالمي. هذه الكمية قُدّرت بأنها توازي استهلاك الاتحاد الأوروبي للغاز لـ 76 سنة.

(2) تحول استراتيجي

اكتشاف حقول الغاز واستعداد اسرائيل لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية هائلة من وراء ذلك يعد تحولا استراتيجيا في قدراتها الاقتصادية وتوسيع علاقاتها التجارية مع دول العالم, خاصة في منطقة الشروق الاوسط واوروبا.

ومن الواضح ان اسرائيل التي تعاني من عقدة رفضها سياسيا من قبل الكثير من الدول التي لا تعترف بها ستحاول استغلال ورقة الغاز الطبيعي لتحقيق اهداف سياسية واقتصادية لتطبيع علاقاتها مع المحيط العربي.

كما ان اختيار مصر كي تقوم بعملية تسييل الغاز الإسرائيلي قبل تصديره الى اوروبا سيعزز من علاقات دول الاحتلال بمصر سياسيا واقتصاديا, وهو ما يمكن توظيفه جيدا في رسم خارطة سياسية في المنطقة وفرض أجندة اسرائيلية تحفظ لدولة الاحتلال مكانا متميزا في الشرق الاوسط. هناك دول عربية ربما تطلب من دولة الاحتلال بتزويدها بكميات من الغاز, ولا شك بأن ذلك سيكون له الانعكاس السلبي الكبير على ملف القضية الفلسطينية, التي تعاني اصلا من ضعف الحضور على مائدة الدول العربية.

مع تفاقم أزمة الغاز برزت تحالفات اقتصادية دولية تسعى الى توفير البدائل والحلول . وتولدت شبكة تحالفات جديدة بمشاركة الهند، الإمارات والولايات المتحدة، وهذا بالتعاون مع "دولة الاحتلال". هناك دول اخرى بدأت تضع قدمها في سوق الغاز والمشاركة في هذه التحالفات , ومن بينها تركيا التي تبدو مستعدة للتعاون مع إسرائيل في مجال الطاقة بعد سنوات من العداء عبر إعادة إحياء مشروع لإيصال الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا, في وقت تسعى أنقرة لخفض اعتمادها على روسيا في وارداتها من الطاقة، إذ غطت مصادر روسية 45% من طلبها من الغاز العام الماضي، فيما تبدو عازمة على تنويع إمداداتها وتضع موارد إسرائيل النامية نصب عينيها.

وفي 2016، اتفق البلدان على بدء دراسة جدوى بناء خط أنابيب تحت البحر لضخ الغاز الإسرائيلي إلى المستهلكين الأتراك ومن ثم إلى أوروبا.

ولطالما سعت أنقرة للتحول إلى مركز عبور للغاز إلى أوروبا من روسيا تحديدا، لكن الأزمة الأخيرة التي تفجرت بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، دفعت تركيا التي تخوض نزاعا مع اليونان ودول أخرى حول الغاز في شرق المتوسط، لإحياء فكرة نقل الغاز الإسرائيلي للجانب الأوروبي.

اسرائيل التي يفتخر قادرتها بأنها أصبحت محط اهتمام الدول الكبرى في موضوع الغاز الطبيعي – وبالطبع مواضيع اخرى مثل صناعة الاسلحة والامن السيبراني والزراعة الحديثة – تعمل بقوة على استثمار هذا التحول لصالح تعزيز وجودها السياسي والاقتصادي.

اقرأ أيضاً: السياسات الإيرانية تجاه المقاومة الفلسطينية.. الدعمُ مقابل تعزيز أوراقها في المنطقة

وصرح وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد "الحرب في أوكرانيا ستغير بنية سوق الطاقة في أوروبا والشرق الأوسط",نحن ندرس ايضا تعاونا اقتصاديا اضافيا".

كما أن صحيفة " فيوز تايمز" الإلكترونية الأمريكية قالت أنه قد تتحول موارد الغاز الطبيعي الضخمة التي اكتشفتها إسرائيل في الآونة الأخيرة إلى سيف مسلط على رقاب الدول في منطقة الشرق الأوسط. وقالت في تقرير نشرته إن أمام تل أبيب فرصة كي تستغل سلعة الغاز الإستراتيجية كورقة ضغط مؤثرة يمكن من خلالها تحقيق مصالحها الاستراتيجية وفرض سياساتها في المنطقة. كما أكد أفاد أميت مور، الرئيس التنفيذس لـ " إيكو إينرجي"، شركة الاستشارات المالية والإستراتيجية التي تتخذ من تل أبيب مقرًا لها والمتخصصة في طاقة الشرق الأوسط" أن إسرائيل ومن خلال قوتها الاقتصادية تحاول الاصطفاف مع الأطراف المعتدلة في المنطقة- ولاسيما مصر، الأردن، السعودية ودول صغيرة في الخليج العربي".

(3) سرقة غاز غزة

قطاع غزة التي يعاني من ظروف اقتصادية وانسانية بالغة الصعوبة أحوج ما يكون الى الاستفادة من حقول النفط المدفونة على امتداد بحره. وقد أعادت الاتفاقية الاخيرة التي وقّعتها إسرائيل ومصر والاتحاد الأوروبي إلى الواجهة ملف حقول الغاز المُمتدة على طول بحر قطاع غزة، الذي تقوم إسرائيل بسرقته بشكل غير قانوني ودون أي اعتبار لاحتياجات القطاع.

ويقدّر عدد حقول الغاز في بحر قطاع غزة بنحو 8 حقول.

وفي حال استفادة قطاع غزة من حصته من الغاز الطبيعي، فان بامكانه تحصيل ما يقارب من مليار دولار كناتج إجمالي محلي سنوي، وانتهاء كامل لأزمة الكهرباء، فضلا وتشغيل الأيادي العاملة وتطوير الصناعات القائمة على الغاز الطبيعي.

وتقر صحيفة هآرتس الإسرائيلية إنه جرى استنفاد كميات الغاز الطبيعي الموجودة في بعض الحقول من قبل دولة الاحتلال والمقدّرة بنحو واحد ونصف ترليون قدم مكعب.

وكان موقع “جلوبال ريسيرش” الكندي قد ذكر أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي سرقت الغاز الطبيعي الخاص بقطاع غزة وباعته للأردن في صفقة كلفتها15 مليار دولار.

وخلال عملية الرصاص المصبوب في عام 2008، صادرت إسرائيل حقول قطاع غزة , كما سعت لتعطيل تصدير الغاز من فلسطين باقتراح نقله إلى مصر وتصديره من هناك، قبل أن توقع كلا من القاهرة وتل أبيب اتفاقية تعاون بينهما وإيقاف نقل غاز غزة، وهو ما دفع شركة بريتش غاز لإيقاف بيع الغاز واستخراجه.

من ركائز سياسة دولة الاحتلال أنها لا تريد للفلسطينيين أن ينهضوا سياسيا واقتصاديا والا يستغلوا مواردهم الطبيعية وذلك لإبقاء الاقتصاد الفلسطيني تحت رحمته وسيطرته ،وتحويل اعتماد الفلسطينيين على الاسواق الاسرائيلية حتى لا تتشكل لهم أي كيانية اقتصادية.

من المهم جدا منع هذا الاحتلال من استغلال قدراته الاقتصادية في تسويق وجهه القبيح او التغطية على جرائمه التي ترتكب بشكل يومي ضد الشعب الفلسطيني او الانخداع بالشعارات البراقة التي يطلقها حول الشراكات الاقتصادية مع الدول العربية او الغربية لتغيير وجه العالم. في نهاية المطاف, انه احتلال مهما وضع على وجه الكثير من المساحيق!!

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo