هل يشهد اقتصاد غزة انتعاشاً بزيادة العمال لدى الاحتلال؟

عمال غزة يغادرون للعمل بالداخل المحتل عبر حاجز بيت حانون
عمال غزة يغادرون للعمل بالداخل المحتل عبر حاجز بيت حانون

لم يكد يُصدق الخمسيني وائل موسى، أنه حصل مؤخراً على تصريح عمل في الداخل المحتل، فقد عاد بالذاكرة إلى ما قبل 25 عاماً، حين كان يروح ويجيء للعمل يومياً من عند الاحتلال، ولكنه هذه المرة يُفضل المبيت طوال فترة صلاحية تصريح عمله، خوفاً من ضياع ما قال عنها "فرصة العمر".

ورغم أن موسى لم يعُد يقوى على العمل كما السابق، فإنه يُصر على التحمل من أجل سداد ديونه وترميم منزله المتهالك وتعويض أبنائه من الحرمان وتأمين مستقبل لهم، مبيناً أنه يتقاضى أجرا يوميا يزيد عن 400 شيكل.

وفي غضون ثلاثة أشهر استطاع "موسى" سداد جزءٍ من الديون المتراكمة عليه، وتوفير بعض مستلزمات أسرته بكل أريحية، لكنه في المقابل قال "لن أعيد غلطتي الأولى وسأدخر القرش الأبيض لليوم الأسود"، حسب تعبيره.

وهذا يوسف خليل (48 عاماً) مقاول بناء في غزة، استغنى عن عمله وأقعد عماله واتجه للعمل في الداخل المحتل أجيراً، بعدما كان "معلم طوبار" على نحو عشرة من الصنايعية والعمال، مبرراً ذلك بأنه سيحاول الوقوف على قدميه وتكوين نفسه من جديد.

وكذلك حال الشاب عماد الدواهيدي (30 عاماً)، الذي أمضى مدة صلاحية تصريح عمله وهي ثلاثة أشهر في العمل داخل الأراضي المحتلة عام 1948م، حيث كان يبيت في منطقة عربية مع مجموعة من العمال، ويأمل "الدواهيدي" لو يتم تجديد تصريحه وكذلك حصول أشقائه على تصاريح عمل تعينهم على حياتهم الصعبة في غزة.

اقرأ أيضاً: أسطوانة الغاز بغزة تخلق أزمة فوق الأزمة

أما خميس أبو حصيرة (50 عاماً) هو الآخر، ما زال ينتظر صدور تصريح عمل له في الداخل المحتل، فقد طرق كل الأبواب وقدم طلبات متكررة لدى كل الجهات ذات العلاقة من أجل الحصول على التصريح، متمنياً نيل فرصة العودة إلى عمله في مدينة "اللد"، حيث عمله القديم الذي فقده منذ نحو عشرين عاماً، بسبب الإغلاقات الأمنية والصراع المستمر مع الاحتلال الإسرائيلي.

إحصاءات وأرقام

من سبقوا خلال حديثهم لـ"زوايا" مماثل لحال الكثير من الغزيين العاطلين عن العمل من أرباب المهن ومعيلي الأسر الفقيرة وجيش الشباب وطوابير الخريجين، ممن أفقدتهم "البطالة" فرص الشعور بالعيش الكريم، بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والإغلاق والحصار الإسرائيلي المستمر منذ 15 عاماً، حيث تصل نسبة الفقر في قطاع غزة إلى أكثر من 53% في حين يتلقى 80% من السكان مساعدات.

واستناداً إلى معطيات الإحصاء الفلسطيني (مسح القوى العاملة الفلسطينية - التقرير السنوي: 2021) فقد بلغ معدل البطالة في قطاع غزة 46.9%، بواقع 41.9% بين الذكور مقابل 65.0% بين الإناث. كما بلغ أعلى معدل بطالة بين الشباب للفئة العمرية 15-24 سنة لكلا الجنسين بنسبة 68.9%، وبواقع 65.0% بين الذكور مقابل 86.8% بين الإناث في نفس الفئة العمرية.

وتعتبر العمالة الفلسطينية في الداخل المحتل، إحدى مصادر الدخل الرئيسية للسوق المحلية، إذ يصل متوسط مداخيل العمالة الفلسطينية الشهرية، إلى مليار شيكل (نحو 300 مليون دولار).

ولا يزال التفاوت كبيراً في معدل البطالة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث بلغ المعدل 45٪ في قطاع غزة مقارنة بـ 17٪ في الضفة الغربية، أما على مستوى الجنس فقد بلغ معدل البطالة للذكور في فلسطين 23٪ مقابل 42٪ للإناث.

ووفقاً للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن النتائج الأساسية لمسح القوى العاملة للربع الأول دورة (كانون ثاني – آذار، 2022) أظهرت ارتفاع عدد العاملين بحوالي 16 ألف عامل في الربع الأول لعام 2022م، حيث بلغ 1.108 مليون عامل، بزيادة تقدر1.4% عن الربع الرابع لعام 2021م حيث كان 1.092 مليون عامل.

وجاء الارتفاع خلال هذه الفترة، نتيجة زيادة العاملين من الضفة الغربية بمقدار 2% وبمقدار 1% في قطاع غزة، ويعزى الارتفاع الأكبر إلى عدد العاملين في (إسرائيل والمستعمرات) بحوالي 51 ألف عامل، كما ذكر التقرير.

وقد بلغ العدد الاجمالي للعاملين في (إسرائيل والمستعمرات) حوالي 204 آلاف عامل في الربع الأول 2022 مقارنة بحوالي 153 ألف عامل في الربع الرابع 2021. وارتفع عدد العاملين في المستعمرات الإسرائيلية من 22,400 ألف عامل في الربع الرابع 2021 إلى 31,000 ألف عامل في الربع الأول 2022.

وارتفع عدد العاملين في (اسرائيل والمستعمرات) في قطاع نشاط الخدمات الأخرى بحوالي 16 ألف عامل، تلاه نشاط البناء والتشييد بحوالي 14 ألف عامل، يليه نشاط التجارة والمطاعم والفنادق بحوالي 9 آلاف عامل، ثم نشاطي النقل والتخزين والاتصالات والصناعة التحويلية والتعدين واستخراج المعادن بحوالي 6 آلاف عامل لكل نشاط، بينما حافظ نشاط الزراعة والحراجة والصيد وصيد الأسماك على نفس المستوى تقريبا بين الربعين.

وبلغ معدل الأجر اليومي للعاملين في (إسرائيل والمستعمرات) حوالي 268 شيكلاً في الربع الأول 2022 مقارنة بحوالي 269 شيكلاً في الربع الرابع 2021.

إصدار التصاريح بالقطارة

ولم يتسن لـ"زوايا" الحصول على معلومات وبيانات محدثة لدى وزارة العمل في حكومة غزة والمتعلقة بالعمالة في الداخل المحتل، وذلك رغم محاولات ووعودات عديدة لم يُكتب لها النجاح، علماً أن الوزارة حالياً هي الجهة الوحيدة المشرفة على تسجيل وتسليم التصاريح للعمال.

غير أن ماهر الطباع، مدير العلاقات العامة والإعلام في غرفة التجارة والصناعة بغزة، ذكر لـ"زوايا" أن عدد العمال الحاصلين على تصاريح من الاحتلال ويعملون حالياً هناك هو 10 آلاف عامل.

وأفاد أن الحصة المُقررة من الاحتلال لتصاريح العمل من غزة هي 12 ألف، تشمل التجار وعددهم 2000 تاجر، في حين أنه مع الإعلان الإسرائيلي الأخير والمتمثل بإضافة ألفي عامل جديد، فإن العدد مُرشح ليصبح 14 ألف عامل من القطاع يعملون في الداخل المحتل.

وكانت صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، قد ذكرت أن ما يسمى وزير الأمن الإسرائيلي "بيني غانتس" قرر زيادة حصة عمال غزة إلى 14 ألف تصريح، وذلك بعد جلسة تقييم للوضع الأمني السائد مؤخراً في قطاع غزة وحالة الهدوء القائمة.

وأوضح الطباع أن هؤلاء العمال يشكلون دخلاً قومياً لقطاع غزة، وذلك لأن متوسط الدخل اليومي للعامل الواحد 300 شيكل، وبضربه في 10 آلاف عامل ينتج ثلاثة ملايين شيكل (قرابة مليون دولار) يوميا، وبما أنهم يعملون 22 يوماً في الشهر، فإن قطاع غزة يجني 22 مليون دولار شهرياً.

وأكد الطباع أن زيادة عدد العمال من غزة في الداخل المحتل ينعكس إيجاباً على القطاع، في ظل ما يعانيه من عجز في السيولة النقدية منذ سنوات، فدخول العمال وزيادة عددهم "تساهم بشكل جلي في توفير السيولة النقدية وتقوية القدرة الشرائية للمواطنين، وبالتالي استفادة المنشآت التجارية والبائعين".

وحول شكوى الباعة وأصحاب المحلات التجارية من الركود في الأسواق وعدم شعورهم بالتغيير في الحركة الاقتصادية، عقب الطباع بالقول "كل المؤشرات لدينا تفيد أن القدرة الشرائية أفضل من السابق (..) ليس معقولاً أن 22 مليون دولاراً تدخل غزة شهرياً ولا يتم الشعور بتغير الحركة الشرائية"، مضيفاً "أُقدر أن مصروفات هؤلاء العمال وأولوياتهم والتزاماتهم تغيرت عن السابق، نظراً لتخوفاتهم من المستقبل، ولكن أموالهم عملت تنفيساً ملحوظاً في الأسواق وغيرها"، حسب تعبيره.

اقرأ أيضاً: إشاعات الضفة وإرباكاتها.. مؤشرٌ على اقتراب نهاية حقبة عباس؟

ويرى الطباع أن تحسن الأوضاع المعيشية والاقتصادية للقطاع مرهونة بدخول المزيد من العمال لـلجانب الإسرائيلي بعدد افتراضي 30 ألف إلى 50 ألف عامل جديد، علماً أنه في السابق (قبل انتفاضة الأقصى) كان يعمل من غزة أكثر من 100 ألف عامل، لافتاً إلى أنهم في غرفة التجارة والصناعة ليس من اختصاصهم المطالبة بالزيادة في عدد العمال، وأن الجهة المخولة بهذا الجانب هي وزارة العمل في قطاع غزة.

 الأمن مقابل الاقتصاد

ويمثل الدخل اليومي لعمال غزة في الداخل المحتل أحد مصادر التدفق النقدي الملحوظ على قطاع غزة مؤخراً، حيث أنه في أعقاب الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة في مايو/أيار الماضي، قدم الاحتلال آلاف تصاريح العمل لفئات محددة في إطار التفاهمات مع الفلسطينيين، تحت بند "تصريح تاجر" أو "حاجات اقتصادية".

وفي هذا الإطار، أشار حامد جاد الصحفي المختص في الشأن الاقتصادي، إلى وجود عائد ومردود مادي ملموس في قطاع غزة إثر دخول العمال للقطاع، مبيناً أن دخل العامل يتراوح من 300-500 شيكل يومياً، بما يعادل متوسط 4 مليون شيكل يومياً.

ورغم ما سبق من أرقام، يؤكد جاد لـ"زوايا" أن هذا العائد والمردود المالي، لم يرتقِ إلى حركة ملحوظة في مجمل الأنشطة الاقتصادية للقطاع، حيث أرجع ذلك إلى عدة عوامل، أهمها "أن بعض العمال ربما قام بتحسين أوضاعه السكينة، أو ربما قام بإقراض أو توفير المال لأحد أبنائه الخريجين أو العاطلين عن العمل"، منوها لا يمكن مقارنة الوضع الحالي بما كان عليه الأمر في فترة التسعينيات أو الثمانينات عندما كان يعمل في الداخل المحتل عشرات آلاف العمال".

وأضاف "من المؤكد أن ثقافة الادخار لدى العمال في الوقت الحالي تغيرت عن العهد السابق، وهذا أحد الأسباب التي تجعلنا لا نلمس نشاطاً اقتصادياً ملحوظاً في قطاع غزة، حيث أن معظمهم يشعر بعدم وجود ضمانات لتجديد تصاريحهم أو التخوف من سحبها أو حتى منع دخولهم مرة أخرى (..) وبالتالي يضطرهم الشعور بعدم الأمن الاقتصادي والاستقرار المعيشي للادخار، تحسباً من العواقب المذكورة.

ومن وجهة نظر جاد، فإن الزيادة في تصاريح العمال لقطاع غزة مرتبطة إلى حد كبير بالهدوء الأمني، ومدى قناعة الجانب الإسرائيلي باستمرار هذا الاستقرار، علماً أن من خطط الاحتلال المعلنة توفير الأمن الاقتصادي للقطاع، لنزع فتيل التصعيد الأمني.

مردود الزيادة العمالية

من جهته، ذكر مصطفى رضوان الكاتب والمحلل في الشأن الاقتصادي، أنه من الطبيعي أن يكون للعمالة الفلسطينية من قطاع غزة إلى الداخل المحتل، أثر إيجابي على الاقتصاد في غزة بشكل كبير، على اعتبار أن مدخولات هؤلاء العمال تفوق أضعافاً مضاعفة مدخولات عملهم في غزة.

ويرى رضوان في حديثه لـ"زوايا" أن الدخل الشهري لقطاع غزة من العمالة في الداخل المحتل يتراوح بين 25 إلى 30 مليون دولار، وهو "ليس رقماً بسيطاً على الاقتصاد الغزي، ويُحسن من التدفقات النقدية، ويعالج العديد من اختلالات الموازين المالية في القطاع، ومنها ضعف السيولة النقدية".

وليس لدى رضوان أي شك بأن هذه المبالغ النقدية التي يتقضاها العمال من جراء عملهم في الداخل المحتل "قد أثرت إيجاباً في السوق الغزي وحسنت إلى حد ما الواقع التجاري في القطاع أفضل من ذي قبل"، مستدركاً "لكن ممكن أن يكون هذا الأثر ليس حسب المطلوب ولا يتم الشعور به بشكل سريع أو كبير، وذلك لأسباب منها موجة الغلاء العالمي وما صاحبها من تضخم أدى إلى ارتفاع الأسعار، إضافة إلى أن أعداد العمال الحاصلين على التصاريح قليلة مقارنة بحجم البطالة المستشري".

ولفت إلى أن هناك 270 ألف عاطل عن العمل في غزة، وبالتالي عدد 10 آلاف عامل يمكنه أن يغير بشكل طفيف وليس جذري الواقع الاقتصادي المتردي في القطاع منذ سنوات، ولذلك لا بد من زيادة عدد العمال لملاحظة التحسن الاقتصادي بشكل أكبر.

كما أرجع رضوان عدم ملاحظة الفارق في الأسواق والركود الحاصل في الأسواق، إلى أن القطاع متعطش للأموال منذ زمن طويل ويحتاج إلى وقت أكثر وزيادة في العمالة التي تنعش اقتصاده.

ونوه إلى أن طبيعة المزاج الإسرائيلي في التعامل مع ملف العمال القادمين من غزة، سبب لديهم حالة من القلق والخوف من القادم، حيث أن العديد منهم بات يحاول المحافظة على ما يجنيه من أموال ويتردد في صرفها تحسباً من القادم، سواء الخوف من التصعيد أو إغلاق المعبر، وذلك أثر سلباً على وضوح أثر هذه الأموال في الأسواق والاقتصاد الفلسطيني.

وحول دور الجهات الحكومية والنقابات المعنية بشوؤن العمال لزيادة أعدادهم والدفاع عن حقوقهم، فقد أكد رضوان أن الأصل هو السعي لزيادة عدد التصاريح للعمال من غزة للداخل المحتل، علماً أن العدد كان يصل إلى قرابة 90 ألف عامل في زمن ما قبل الانتفاضتين الفلسطينيين.

وقال رضوان: "لنا أن تتخيل أن 10 آلاف عامل يعودون إلى غزة يومياً بمبلغ مليون دولار، فإن ضعفهم سيُدخل مليونين، وزيادتهم إلى 30 ألف سوف يُدخل ثلاثة ملايين يومياً (..) هذه أرقام ممتازة للاقتصاد الفلسطيني، وهكذا كلما زادت الأعداد كلما زاد الأثر الاقتصادي لغزة (..) نحن نعرف أن العامل أثره ليس على نفسه فقط، بل أثره على البيئة المحيطة به من أهله وأقاربه وكذلك على حركة البيع والشراء في الأسواق".

وأضاف رضوان: يجب أن تضغط الجهات الحكومية وجهات الوساطة ما بين الاحتلال والمقاومة في غزة، بضرورة زيادة الأعداد من العمال، فضلاً على ألا يقتصر إيفاد العمالة الفلسطينية إلى الداخل المختل فقط، بل الأصل البحث عن تصدير العمالة إلى دول أخرى مثل ماليزيا ودول الخليج التي يمكن أن تستقبل عمال وخريجين فلسطينيين.

وشدد على أن لذلك أثر إيجابي جداً على الاقتصاد الفلسطيني، فأموال هذه العمالة الوافدة ستعود في النهاية إلى غزة، وبالتالي تعزيز المدخولات النقدية للقطاع وسير عجلة الاقتصاد فيه.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo