الفقر بغزة يلقي ظلاله الثقيلة على المخيمات الصيفية

مشاركات في مخيم صيفي بقطاع غزة
مشاركات في مخيم صيفي بقطاع غزة

مما يؤرق الأسر الفلسطينية في قطاع غزة خلال إجازة أبنائهم الصيفية، هو إيجاد ملاذ آمن لاستثمار فراغهم وتنمية مواهبهم وقدراتهم، فنجد خياراتهم تنحصر في إلحاقهم بالمخيمات الصيفية.

ويلاحظ في ظل الظروف المادية الصعبة التي يعاني منها أهالي القطاع، فإن الأغلب يُفضلون المخيمات المجانية على المدفوعة الأجر، خاصة تلك التي تكون مقابل أسعار باهظة الثمن.

ووفقًا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن 47.5% من سكان قطاع غزة هم من الأطفال دون سن الثامنة عشر، بينما تصل نسبة الفقر في قطاع غزة إلى أكثر من 53%، في حين يتلقى 80% من السكان مساعدات.

مخيمات مدفوعة الأجر

فهذا المواطن محمد السوافيري المُعيل لأربعة أبناء من الذكور، قال لـ"زوايا" أنه أُشبع سؤالاً وبحثاً عن مخيم صيفي يأوي أولاده خلال فترة العطلة الصيفية، لأنه لا يرغب في انقضائها بدون استثمار لطاقاتهم وتنمية لمواهبهم، منوهاً أنه إلى جانب هذا الهدف الذي ينشده في الصباح فقد ألحقهم بمركز لتحفيظ القرآن في المساء.

حديثنا مع السوافيري جاء بعد الذي كتبه على صفحته الشخصية على "فيس بوك" أنه مهتم جداً بتسجيل أبنائه في أحد المخيمات الصيفية خلال الإجازة، ولكن للأسف وجد أن غالبية المخيمات هدفها الأول والأخير تحقيق الربح المالي بعيداً عن الاهتمام بجودة ما يقدمونه للأطفال والمشاركين.

وأضاف: "تجد مثلاً مخيم بسعر مالي ليس بالقليل، ويطرح عددا من المجالات المتنوعة والمتعددة، في حين تجد أن المدة الزمنية الكاملة للمخيم لا تتجاوز الأسبوعين (..) بالنهاية نحن معنيون بتحقيق أكبر قدر من الاستفادة لأبنائنا حتى لو في مجال واحد فقط (..) فشو بتنصحونا مخيمات تهتم بالجودة أكثر من شيء آخر؟!".

WhatsApp Image 2022-06-13 at 11.21.25 AM.jpeg

ولا يختلف حال المواطنة إلهام النادي "أم راكان" عمن سبقها، فهي في حيرة من أمرها حول الجهة التي تُلحق بها أبناءها خلال فترة الإجازة الصيفية؟، وهي التي سبق لأولادها أن شاركوا في مخيم صيفي مدفوع الأجر، مشيرة إلى أنها لا تقوى هذا العام على دفع شيكل واحد، بسبب تردي أوضاعهم الاقتصادية.

اقرأ أيضاً: أسطوانة الغاز بغزة تخلق أزمة فوق الأزمة

وترغب النادي خلال إفادتها لـ"زوايا" بتسجيل أبنائها الثلاثة في مخيم صيفي مجاني، يضم برامج مفيدة حسب مستواهم وطاقاتهم، مؤكدة أن ذلك التوجه نابع من كونها لا تقوى على تحمل وجودهم في البيت طوال الوقت أو في الشارع، حيث أن ذلك يعود عليهم بالطاقة السلبية ويدفعهم للجوء إلى اللعب مع "أولاد الشوارع" السيئين، على حد وصفها.

وكما السوافيري والنادي، تحتاج الكثير من العائلات إلى برامج ترفيهية ومخيمات صيفية "مجانية" ونفس الوقت ليست "روتينية" وعديمة الاهتمام، حيث ينصب هدفها إلى جانب الترفيه على تنمية القدرات البدنية والعقلية والمواهب والإبداع.

 

WhatsApp Image 2022-06-13 at 11.21.26 AM.jpeg

 

WhatsApp Image 2022-06-13 at 11.21.25 AM (1).jpeg

WhatsApp Image 2022-06-13 at 11.21.26 AM (1).jpeg


 مرح للأطفال وتشغيل للشباب

وتعد "الأونروا" من أبرز الجهات التي اعتادت تنفيذ برامج مخيمات صيفية سنويا، وذكرت ميلينا شاهين مدير مكتب الإعلام بوكالة الغوث الدولية في قطاع غزة، أنهم هذا العام بصدد تنفيذ برنامج للألعاب الصيفية تستهدف 120 ألف طفل من كلا الجنسين، إضافة إلى توفير 2,750 فرصة عمل لفئة الشاب من الجنسين أيضاً، حيث يجري إخضاعهم لدورات مسبقة بالخصوص.

وأوضحت شاهين لـ "زوايا" أن الألعاب الصيفية لهذا العام تتوزع على 83 مدرسة في مختلف مناطق القطاع، حيث من المقرر أن يبدأ البرنامج الصيفي في 25 من يونيو الجاري ويمتد إلى 28 يوليو القادم، مؤكدة أنها ستشمل برامج متنوعة في الرياضة والتوعية، إضافة إلى الدعم النفسي الذي تم التركيز عليه هذا العام.

واعتبرت شاهين أن "أسابيع المرح الصيفية" التابعة للأونروا: "توفر فرص عمل للشباب، وتعتبر بيئة لعب آمنة ومرحة للأطفال".

وأكدت على أنها البرامج الصيفية التابعة للأونروا توفر فرص عمل مؤقتة لعدد من شباب قطاع غزة ممن هم بأمس الحاجة إليها، مما يساعدهم على استعادة احترام الذات ويفعل دورهم القيّم في المجتمع".

وذكرت أنه من خلال برنامج خلق فرص العمل وبالتركيز الخاص على فئة الشباب تنوعت وظائف أسابيع المرح الصيفية ما بين منشطين، وكاتبين، وفنيين، وعمال نظافة بالإضافة إلى موظفين إداريين في غرف العمليات الخاصة بالمناطق.

واستناداً إلى معطيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (مسح القوى العاملة الفلسطينية - التقرير السنوي: 2021) فقد بلغ في قطاع غزة معدل البطالة 46.9%، بواقع 41.9% بين الذكور مقابل 65.0% بين الإناث.

كما بلغ أعلى معدل بطالة بين الشباب للفئة العمرية 15-24 سنة لكلا الجنسين بنسبة 68.9%، بواقع 65.0% بين الذكور، مقابل 86.8% بين الإناث في نفس الفئة العمرية.

الجديد.. مخيمات حكومية

وكما المخيمات الصيفية التي تنظمها الاونروا والمراكز الشبابية والخاصة، فقد بادرت الجهة الحكومية في قطاع غزة، والتي تقودها حركة حماس، إلى تنظيم مخيمات صيفية للعام الثاني على التوالي، علماً أن الجناح العسكري لذات الحركة نظم خلال الأعوام الماضية مخيمات صيفية للطلائع والفتيان، حملت طابع التدريب العسكري.

وحول المخيمات الحكومية في القطاع، فقد ذكر نبيل عواجة مدير عام الأنشطة في المجلس الأعلى للشباب والرياضة، أنهم بصدد تنظيم مخيمات لهذا العام تحت اسم "زهرة المدائن قدسنا"، وذلك بتمويل من لجنة متابعة العمل الحكومي في غزة، بتكلفة إجمالية (350,000 شيكل)، حيث يبلغ تكلفة كل مخيم على نحو (1500$).

اقرأ أيضاً: زيارة بايدن "الموعودة": السعودية أهم من رام الله وتل ابيب؟

وأوضح عواجة لـ"زوايا" أنه سيتم إقامة عدد 50 مخيما، منها 43 لصالح الأندية الرياضية في القطاع، بينما سبعة مخيمات لصالح المراكز الشبابية ولمعهد الأمل للأيتام، منوهاً إلى أن هذه المخيمات تخصصية رياضية وترفيهية، وتستهدف 3000 من الأطفال والطلائع من الفئة العمرية من 8-14 سنه، حيث من المقرر أن تبدأ أنشطتها في 25 يونيو الجاري، وتستمر مدة شهر على مراحل، وذلك بعدد 50 فرد وعلى مدار سبعة أيام فقط لكل مخيم.

ولفت عواجة إلى أن المرحلة الأولى من مشروع المخيمات الصيفية بدأ بتقديم دورات إعداد قادة ومنشطي المخيمات الصيفية، حيث استهدفت الدورات 200 شاب وفتاة، لتأهيلهم قبل انطلاق موسم المخيمات الصيفية، مبيناً أن الدورات تتضمن عدة مواضيع أبرزها إعطاء فكرة أساسية عن أهمية القيادة، والتدريب على مهارة التخطيط .

توجيهات تربوية

بدوره، يرى صابر أبو الكاس خبير التنمية البشرية والاجتماعية، أن المخيمات الصيفية عامل مهم جداً في صقل مهارات المشاركين، سواء كانوا طلبة أو خريجين، وإكسابهم العديد من المعارف المختلفة، التي من خلالها يمكن أن تُنمي خبراتهم في الحياة.

وذكر أبو الكاس لـ"زوايا" أن المخيمات الصيفية تتعدد في أهدافها وأنواعها حسب الجهة القائمة عليها، فعلى سبيل المثال في القطاع يوجد مخيمات خاصة بتحفيظ القرآن الكريم أو الحديث الشريف، وسبق ذلك مخيمات فتوة وتدريب للفتيان من قبل فصائل المقاومة.

وأضاف: "في حين أن هناك مخيمات أخرى ترفيهية فقط والهدف منها تفريغ الطاقة السلبية وإكساب منتسبيها الطاقة الإيجابية من خلال الألعاب، يوجد نوع آخر من المخيمات تكون أهدافها خليط ما بين الترفيه واللعب والتفريغ النفسي وإكساب المعارف والمهارات".

وأوضح أبو الكاس أن هناك مخيمات مجانية للطلاب، نظراً لأنها ممولة من مؤسسات مختلفة وهدفها يتبع هذه المؤسسات، في حين توجد مخيمات لا بد أن تكون مدفوعة الأجر، وغالباً لا تتبع للمؤسسات وإنما للقطاع الخاص، وعادة تكون بمجهود فردي أو تخطيط ذاتي من مجموعة القائمين عليها، وذلك لتغطية التكاليف المتعلقة بالمنشطين وغيرها.

ولفت إلى أن معظم الأسر الغزاوية في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة لا تستطيع إلحاق أبنائها في المخيمات المدفوعة الأجر، لذلك نجدهم يتجهون للمجانية منها.

ونوه أبو الكاس الأسر التي لا تستطيع إلحاق أبنائها بالمخيمات مدفوعة الأجر، إلى ضرورة تعويض أبنائها بأنشطة موازية يشغلون بها فراغهم مثل شراء أشياء بأسعار زهيدة "كرة قدم، دفاتر رسم وألوان"، أو اصطحابهم للمتنزهات المجانية للترفيه عنهم وممارسة بعض الأنشطة مثل رياضة المشي والجري واللعب وقفز الحبل للبنات وغيرها من الألعاب المشابهة، فضلاً عن أن أغلب الأسر عندها هواتف ذكية يمكنهم من خلال التطبيقات المهمة والمفيدة صقل مهارات أبنائهم.

ويرى أبو الكاس أنه يجب البدء بالتخطيط الجيد للمخيمات الصيفية، بحيث يدخل في مضماره مسألة تحديد الاحتياج اللازم للمنتسبين لها، ثم تأتي المرحلة الثانية وهي استراتيجية التنفيذ وتشمل تحديد المكان والزمان، أما المرحلة الثالثة فهي تقييم المخيم لتحديد مواطن النجاح أو الضعف للاستفادة منها في مرات لاحقة.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo