السياسات الإيرانية تجاه المقاومة الفلسطينية.. الدعمُ مقابل تعزيز أوراقها في المنطقة

لقاء سابق بين نائب رئيس الجمهورية السيد رحيمي واسماعيل هنية
لقاء سابق بين نائب رئيس الجمهورية السيد رحيمي واسماعيل هنية

شهدت العلاقةُ بين الجمهوريةِ الإيرانية والمقاومة الفلسطينية عبر تاريخها، حالةً من المدِّ والجزر، إلا أنّها شهدت انتعاشًا في الآونة الأخيرة، مع استمرار الدعم الإيراني للمقاومة الفلسطينية وتشكيل "محور المقاومة" الذي جاء نتاجًا للعلاقة المتينة.

وتوصّلت دراسة بعنوان "سياسات إيران تجاه حركة حماس الفلسطينية 2006-2009" أعدها الباحثُ في المركز الديمقراطي العربي الدكتور أحمد الجبوري، أن إيران منحت دبلوماسيتها حيزًا من سياساتها الخارجية للقضية الفلسطينية، وهذا ما يفسر اهتمام إيران بإيجاد موطأ قدم في حركةٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ فلسطينية، وكان الدافع وراء ذلك تحقيق مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة.

وتوصلت ورقة بحثية بعنوان "حماس والجهاد تعيدان توصيف العلاقة مع إيران" أعدتها الباحثة فاطمة الصمادي في عام 2015، أن إيران تسعى عقب الاتفاق النووي لفرض معادلةٍ جديدةٍ تحافظ على الجمهورية الإسلامية كلاعبٍ أساسيٍ في القضية الفلسطينية، وفي الوقت نفسه المحافظة على مصالحها الخاصة المرتبطة بملفاتٍ داخليةٍ وإقليميةٍ.

وفي هذا التقرير تستضيف "زوايا" محللين سياسيين، للتعرّف على السياسات الإيرانية تجاه المقاومة الفلسطينية وأسباب دعمها، ومدى العلاقة بين الجانبين وأساليب توظيفها.

السياسة النفعية

وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر ناجي شراب، أن إيران تدعم حركاتِ المقاومة الفلسطينية ولا سيما حماس والجهاد بالرغم من التناقضات الدينية، مؤكدًا أن العلاقة تحكمها المصلحة بشكلٍ أو بآخر.

وتنظرُ إيران للمقاومةِ الفلسطينية ليس من منظورِ المقاومة لتحرير فلسطين والقدس، بل تتعامل مع حركات المقاومةِ كوكلاء لها في المنطقة، ومن الممكن أن توظفها لخدمة مصالحها، بحسب حديث شراب لـ "زوايا".

وبشأن الدعم المالي الإيراني للمقاومة الفلسطينية، يوضحُ أنّ المقاومة بحاجةٍ للمال والدعم الإيراني إزاء حالةٍ من القصور العربي في دعمها، والتي تصل لحد اعتبارها "إرهابية" لدى البعض، فلذلك السياسة النفعية هي التي تحكم العلاقة بين المقاومة وإيران، مضيفا "إيران لا تقدّم الدعم بلا ثمن".

اقرأ أيضاً: إشاعات الضفة وإرباكاتها.. مؤشرٌ على اقتراب نهاية حقبة عباس؟

وأوضح "شراب" أن هناك علاقة مشتركة بين إيران والمقاومة الفلسطينية، فإيران تقدّم الدعم المالي للمقاومةِ، في المقابل توظفُ العلاقةَ سياسيًا وعسكريًا، فمن الممكن أن تستخدمها في وجه الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة.

توظيف سياسي وعسكري

وحول التوظيف السياسي، يرى شراب أن إيران من الممكن أن تلوّح بورقة المقاومة الفلسطينية بفتح جبهة وحرب جديدة ضد الاحتلال الإسرائيلي، في سبيل تخفيف الضغوطات الأمريكية والإسرائيلية عليها، لا سيما في الموضوع المتعلق بـ "النووي الإيراني".

وبشأن التوظيف العسكري، فيقول "شراب" إن اضطرت إيران للحرب مع الاحتلال الإسرائيلي، فمن الممكن أن تشارك حركات المقاومة بالحرب مساندةً لإيران، مستبعدًا أن تقومَ حرب مباشرة بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران، حيث تفصلهما مسافاتٍ بعيدةٍ، وليس بينهما حدود مشتركة.

وحول سؤالٍ هل تلجُ المقاومةُ بحربٍ بأمر إيراني، استبعد "شراب" أن تصل العلاقة لهذه الدرجة، إلا في حالةٍ واحدةٍ وهي أن تتعرض إيران لهجوم إسرائيلي أو أمريكي مباشر، فمن الممكن أن تشارك المقاومة دون الاعتبارات الفلسطينية.

ويرى "شراب" أن إيران من الممكن أن تبعث رسائل للولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي من خلال المقاومة، بأنّها قادرة على تحريك الجبهة مع إسرائيل، كما قال شراب.

محور المقاومة

وحول مصطلح "محور المقاومة"، عبّر "شراب" عن عدم إيمانه به، معتبرًا أن سوريا خارج المحور لما تمر به من ظروفٍ سياسيةٍ معقدة، إضافة إلى أن إيران لها اعتبارات سياسية ومصالح بعيدةً كل البعد عن أهداف المقاومة مثل التحرير والقدس والأسرى ورفع الحصار.

ووصف مصطلح "محور المقاومة" بـ"المطاط" مؤكدًا أيضًا أن حزب الله تحكمه اعتبارات لبنانية خالصة، مستذكرًا أن غزة خاضت أربعة حروبٍ دون تدخل من حزب الله أو إيران.

الاستراتيجية الإيرانية تجاه فلسطين

من جانبه، خالفَ الكاتب والمحلل السياسي عصمت منصور رأي شراب، حيث يرى أن إيران تبنّت استراتيجية دعم المقاومة، من مبدأ الأسباب العقائدية، وأن إيران رفعت شعارات الثورة الإسلامية بدعم الأقصى وفلسطين، لافتًا أنها أيضًا دعمت منظمة التحرير من ذي قبل، وحوّلت السفارة الإسرائيلية إلى سفارة فلسطينية في السابق.

اقرأ أيضاً: "محور القدس".. تهديدات جدية أم مجرد شعارات؟

واتفق "منصور" ما ذهب إليه "شراب" أن هناك مصالحَ إيرانية من خلال دعمها للمقاومة الفلسطينية، بأن تشكل ضغطًا على الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة، وتعزيز قوتها وأوراقها في المنطقة، في المقابل تسعى الفصائل الفلسطينية لاستمرار الدعم الإيراني.

علاقة مد وجزر

واستبعدَ "منصور" أن تصل الضغوطات الإيرانية على المقاومة الفلسطينيةِ للدخول في حرب ضد الاحتلال الإسرائيلي، موضحًا أن العلاقة شهدت مدًا وجزرًا بين المقاومة وإيران وانفصالٍ في بعض الأوقاتِ.

وحول محورِ المقاومةِ، اعتبر "منصور" أنه شكل تحالفًا قويًا رغم أنّ كل طرفٍ فيه لن يلجَ الحربَ نيابةً عن الطرف الآخر إن تعرضَ لهجوم، وأن كل طرفٍ يؤدي دورًا لاستنزاف الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة التي يشغلها.

وبيّن أن الدور الإيراني تجاه مقاومة قطاع غزة، الدعم المالي وتجهيز بنيتها العسكرية وترميمها عقب الحروب مع الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدًا أن إشغال الاحتلال من قوى محور المقاومة في جميع الساحات يستنزفه ويخدم المصالح الإيرانية في المنطقة.

وتسعى إيران لتعزيز نفوذها في المنطقةِ عبر تبنيها دعم حركات المقاومةِ الفلسطينية في ظل قصورٍ عربيٍ تجاه الأخيرة، مقابل تعزيز أوراقها في المنطقةِ، وإمكانية التلويح بها حال تعرضها لتهديدٍ حقيقيٍ من إسرائيل والولايات المتحدة.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo