تحليل: استراتيجية الاحتلال للتنمية تقوم على أساس الانفصال 

جدار الفصل العنصري بالضفة
جدار الفصل العنصري بالضفة

يقـوم الخطاب الأيديولوجي الصهيوني على مقولات دينية تحول الصراع الاستعماري بين الفلسطينيين والإسرائيليين من صراع ديني يستقي مفرداته من حقب تاريخية قديمة، ليعيد انتاجها بشكل جديد داخل التشكيلة الاجتماعية الصهيونية.

ويحدد شكل العلاقات الإنتاجية في نمط الإنتاج المهيمن مضمون الممارسات السياسية-القانونية أو الأيديولوجية ولهذا فإن

نمط الإنتاج الصهيوني المنظم حاول في المستوى الأيديولوجي أن يحول الصراع إلى صراع بين الدين اليهودي وبين الديانات الأخرى

ليتحول من صراع بين أصحاب الأرض الحقيقيين والمستوطنين إلى صراع بين الوعد الإلهي لليهود بالأرض المقدسة والفلسطينيين الغرباء. 

الباحث "وليد حبّاس" طالب الدكتوراه في دائرة علم الاجتماع بالجامعة العبرية في القدس حاول في مقالة له تقديم مقاربة مادية تاريخية لفهم نشوء الصراع "الإسرائيلي-الفلسطيني" من خلال الحفر في جذور العلاقة بين البعد القومي "صهيوني- يهودي مقابل عريي" والبعد المادي "ملكية الأرض ووسائل الإنتاج وتوزيع علاقات العمل".

ويقول الباحث إن الخطاب الأيديولوجي كان ظاهرًا قبل العام 1157 إلا أن نمط الإنتاج الصهيوني المنظم الذي قام على علاقات إنتاجية ذات حدود عرقية, هو الذي عمم هذا الخطاب ورفعه إلى مستوى البنية الفوقية ليتحول إلى خطاب ذي نفوذ وله سلطة واسعة في ضمان هيمنة المستوطنين الصهيونيين على الأرض كوسيلة إنتاج وعلى علاقات الإنتاج التي تقصى الفلسطينيين.

اقرأ ايضاً: أسطوانة الغاز بغزة تخلق أزمة فوق الأزمة

وأكد "حبّاس" أن الصراع بين المستوطنين والسكان الأصليين يجب أن يتحدد على مستوى العلاقة الاستعمارية وليس على مستوى نمط الإنتاج الرأسمالي الذي هو نتيجة لهذا العلاقة، وأن نجعل من الاستعمار العدسة الأولى التي ننظر بها الى الصراع.

وأضاف لكي نعتبر الفلسطينيين جماعة قومية واحدة في مواجهة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، فإن فهمنا لقوميتهم يجب أن لا ينزلق تجاه الفهم الليبرالي للقومية، لأن القومية في سياق الاستعمار الاستيطاني لا تتحدد فقط على مستوى الوعي والمشاعر وإنما لها جذور مادية طبقية تتمثل في وجود مصلحة مادية لدى الفلسطيني للعودة إلى الأرض المحتلة؛ وإعادة ربط أنماطه الإنتاجية بها باعتبارها وسيلة إنتاج وموضوع إنتاج رئيسيين. 

وأوضح الكاتب أن الفلسطينيين في الداخل المحتل وغزة والضفة والقدس والشتات يقفون على مسافة مختلفة نسبيًا من الأرض باعتبارها شرطًا ضروريًا لإقامة حياة مادية واجتماعية تحررية, وممارسة السيادة.

وتبنت الصهيونية بحلول العام 1914 استراتيجية تنمية اجتماعية اقتصادية تقوم على أساس الانفصال الاقتصادي واستبعاد العمالة العربية التي كان هدفها على المدى الطويل التطور المتدرج لاقتصاد يهودي حصري في فلسطين، وهذا بدوره يمكن في نهاية المطاف من إنشاء دولة يهودية قابلة للحياة.

بيد أن المنعطف الأهم كان في العام 1920، عندما تحالفت المنظمة الصهيونية العالمية (رأس المال اليهودي الصهيوني) مع العمال الصهيونيين (لا يملكون سوى قوة عملهم) من أبناء الهجرة الثانية، في أعقاب مؤتمر لندن، مما أفضى الى ولادة نمط انتاج جديد سأطلق عليه هنا نمط الإنتاج الصهيوني المنظم.

وأوضح "الباحث" أنه عادة ما يتم تسمية نمط الإنتاج من خلال توصيف اقتصادي، مثل نمط الإنتاج الرأسمالي، والاقطاعي، والسلعي، والحرفي وغيرها، لكن في حال نمط الإنتاج الإسرائيلي المنظم فإن علاقات الإنتاج ووسائل الإنتاج كان لها خصوصية هي صفتي: الصهيونية والتنظيم. 

ويحظى نمط الإنتاج الصهيوني المنظم بأهمية بالغة في فهم مستقبل فلسطين تحت الاستعمار الاستيطاني، حيث يقوم هذا النمط الإنتاجي على وسائل الإنتاج، وأهمها الأرض، وعناصر لا تعمل ولكنها تتحكم في توزيع العمل وإدارة وسائل الإنتاج، مثل المنظمة الصهيونية العالمية، و"الهستدروت" "نقابات العمال الإسرائيلية".

ونشأت "الهستدروت" بهدف دمج أكبر عدد ممكن من الصهيونيين في سوق العمل، وتأهيلهم لبناء الدولة الجديدة، وعندما استطاعت أن تفرض سياساتها على المُشغلين، وأصحاب العمل، فإنها كانت واضحة في تطبيقها لمبدأ العمل العبري، بحيث أنها كانت تمنع استيعاب عمال فلسطينيين في سوق العمل.

اقرأ أيضاً: دراسة.. تفاصيل "عبرنة" آلاف الأسماء وصولاً لتهويد هوية فلسطين

وكشف "حبّاس" أن العلاقات الإنتاجية في نمط الإنتاج الرأسمالي الصهيوني المنظم تقوم على وضع حدود عرقية تحدد من بإمكانه ومن ليس بإمكانه الانخراط في العملية الإنتاجية والاستفادة من وسائل الإنتاج التي توفرها الحركة الصهيونية.

وأضاف أنه لا يمكن فهم نمط الإنتاج الرأسمالي الصهيوني المنظم بمعزل عن السياق الاستعماري الاستيطاني الذي تكون فيه. فجوهر الاستعمار الاستيطاني يقوم على الهجرات الجماعية للمستوطنين لبناء دولة جديدة، مشيراً أنه كان واضحاً، بناء على التجربة الصهيونية التي امتدت منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر وصولاً على الحرب العالمية الأولى، بأن العمال الصهاينة غير قادرين على الاستيطان الذي يتيح لهم إمكانية إعادة انتاج أنفسهم اجتماعياً من خلال العمل.

وتابع الكاتب أن الاقتصاد الصهيوني راح ينمو بشكل متسارع، ويستوعب العديد من المستوطنين الجدد في منتصف عقد الثلاثينات، خاصة أثناء الإضراب الكبير، فيما كان لصعود النازية الى الحكم، وما تبعه من هجرات جماعية واسعة الى فلسطين أثرا لا يقل أهمية في تطوير المكانة الاقتصادية للمستوطنين في فلسطين.

ومهما يكن من أمر، فإن سياسات الهستدروت الرامية لحجب العمالة الفلسطينية عن سوق العمل في فلسطين لم تنتهي مع بداية الإضراب الكبير، وإنما استمرت حتى النكبة وطرد القسم الأكبر من العمال الى خارج حدود دولة المستوطنين الجديدة.

وشدد "حبّاس" أنه ومنذ أوسلو في أوائل التسعينيات بدى نظام السيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين يتحرك نحو شيء ما أقرب إلى نموذج الأبارتيد في جنوب أفريقيا كنظام فصل عنصري، قومي، عرقي، دون الاعتماد الكبير على العمالة المحلية التي ميزت جنوب أفريقيا، ما يعني استمرار نموذج الاستيطان المحض وهو الإصرار على الحفاظ على دولة يهودية في معظم فلسطين قدر الإمكان إلى جانب هيمنة الاحتلال بالقوة على ما تبقى من فلسطين والإكراه القسري والعنيف في كثير من الأحيان لسكانها غير اليهود.

المصدر : متابعة -زوايا
atyaf logo