باحث فلسطيني: مأزق المشروع الصهيوني بين الانكفاء والتوسع

تجمعات اليهود في القدس
تجمعات اليهود في القدس

يوصف المشروع الاستيطاني في فلسطين بأنه ذات طبيعة "إسفنجية" فهو مشروع مستمر حتى بعد نشوء الدولة العبرية وبقى على نظرتيه التوسعية خارج حدوده، كما استمر في التوسع داخليًا على حساب أراضي وبيوت وأملاك الفلسطينيين.

ويرى "وليد سالم" الباحث والمحاضر في جامعة القدس أن الدولة العبرية لم تنه هذا المشروع بل بقى قائمًا في جوفها، وتمارسه بذاتها، وهو ما يتناقض مع المفاهيم النظرية حول الدولة بوصفها كيانًا له أرض محددة يعيش فوقها شعب معين، تحكمه حكومة واحدة، ما يجعل طإسرائيل" دولة حاضر استعماري لا دولة طبيعية. 

وأشار "سالم" إلى الطبيعة التناقضية لأفعال هذه الدولة بين التوسع والانكفاء، ففي حين تقوم هذه الدولة بالتوسع الاستيطاني الاستعماري خارج حدودها، فتراها قد انسحبت من سيناء في سبعينيات القرن الماضي، وخرجت من جنوب لبنان عام 2000، ومن قطاع غزة عام ٢٠٠٥، وفي السنة نفسها فككت المستعمرات الاستيطانية في غزة وجنين. 

كما أوقفت في العام ٢٠٢٠ تحويل الضم الفعلي الجاري على الأرض الفلسطينية إلى ضم قانوني وفق القانون الإسرائيلي كجزء من التزاماتها في اتفاق "أبراهام" المعقود مع الإمارات العربية المتحدة في العام ذاته. 

وفي المقابل وصل عدد المستوطنين في القدس الشرقية والضفة الفلسطينية إلى ما يزيد على ٧٠٠ ألف نسمة

واتسع نطاق مشاريع توسيع القدس الكبرى لتصل إلى البحر الميت شرقًا ومشارف الخليل جنوبًا وحتى منتصف الطريق نحو مدينة نابلس شمالًا.

وتاريخيًا يعود الانكفاء الأول للمشروع الاستيطاني في فلسطين الى العام 1922 حيث قبلت قيادة الحركة الصهيونية التنازل عن شرق الأردن، بوصفها جزءا من أرض اسرائيل التي كانت مخصصة حسب تصريح بلفور لإقامة الوطن القومي في فلسطين، كما تعزز الانكفاء بصدور قرار التقسيم عام 1947 وقبول الحركة الصهيونية به، مع استمرارها في الوقت ذاته على طموحها لاحتلال كل أراضي فلسطين.

اقرأ أيضاً: دراسة: تفاصيل "عبرنة" آلاف الأسماء وصولاً لتهويد هوية فلسطين

وأوضح الباحث أن الانكفاء في الحالة الصهيونية في فلسطين يحمل خاصية التوسع، فالصهيونية كانت تمتلك صفرًا من أراضي فلسطين حتى نشوء المستعمرات الصهيونية الأولى في القرن التاسع عشر، لذلك فإن ما حصلت عليه الصهيونية في صك الانتداب يمثل ربحًا صافيًا لها، لذلك ينظر إلى مفهوم الانكفاء الصهيوني بوصفه انكفاءً يتعلق بطموحات الصهيونية التوسعية المستقبلية، وليس انكفاءً عما حققته على الأرض من وقائع.

وشدد على أن مشروع الحركة الصهيونية كان استعمارياً واستيطانياً ولكنه إحلالي كذلك بمعنى السعي لطرد الأخر ونفي وجوده، وكان هدف الإحلال أهم من هدف الاستغلال البشري للقوة العاملة التي أستعيض عنها من خلال  العمالة الأجنبية، مشيراً إلى أن صمود الشعب الفلسطيني و مقاومته، وإن لم تستطع حتى الآن وقف الاستعمار والاستيطان، فإنها أفشلت منظومة الإحلال، وجعل ذلك إسرائيل تتورط بعمق في منظومة الابارتهايد والتمييز العنصري.

وبين الباحث أن المشروع الاستيطاني الاستعماري ينكفئ من حيث الجوهر، ويتحول عن محتواه الاستيطاني ليصبح حالة أبارتهايد، أي الفصل العنصري. لتتحول اسرائيل من نظام استيطان استعماري يشمل حالة أبارتهايد إلى حالة أبارتهايد واحدة من النهر إلى البحر تعتمد بشكل كبير على الأيدي العاملة الفلسطينية وتوقف الطرد إلى الخارج في ما تستمر في أعمل الطرد وتهجير السكان داخليًا.

وكشف أن مغزى التحول من الاستيطان الاستعماري إلى الابارتهايد سيكون بوقف الطرد والترحيل واستبداله بنشوء حالة استغلال تشبه مستعمرات المزارع "الأثنية" المختلطة، مما سيتيح المجال أمام تحويل الكفاح إلى كفاح حقوقي من أجل المساواة، داعياً إلى التعلم من تجربة جنوب أفريقيا والإضافة عليها من أجل إنهاء الفكر الصهيوني الاستعلائي وتفكيك مستعمراته وعودة اللاجئين واستعادة الأرض حتى لا تبقى غالبيتها حكرًا على الصهاينة كما بقيت حكرًا على المستعمرين البيض في جنوب إفريقيا.

وتساءل الكاتب حول انكفاءات المشروع الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي وتوسعاته في فلسطين والمنطقة، وإمكانية تطوره إلى حالة كلية من "الأبارتهايد" الذي يعتمد على استغلال الأيدي المحلية وممارسات التمييز ضد الشعب الأصلي، إلى حين نشوء ظروف تتيح المباشرة بمشاريع الطرد إلى الخارج، فيما تستمر مشاريع الطرد الداخلي طول الوقت.

وفي السياق قال "سالم" إن تفاعلات الشعب الفلسطيني ومسانديه عربيًا وعالميًا تحدد اتجاهات المشروع الصهيوني واحتمالات تطوره المستقبلية، لاسيما إذا ما أحسنت خططها، وتوحد الشعب الفلسطيني خلف هذه الخطط وجذب دعم العرب والعالم بكفاحه، مضيفًا أن العمل الفلسطيني والعربي داخل الولايات المتحدة له دور حاسم هي لا تزال واشنطن تدعم اسرائيل في المحافل الدولية وتساندها أمنيًا.

ورأى الباحث أن تشديد الجهود في مواجهة الاستيطان الاستعماري، بالتزامن مع عمل منظمات حقوق الانسان في مواجهة مظاهر الابارتهايد القائمة في إطار الاستيطان الاستعماري، كاف لتغيير نظام السيطرة الصهيوني القائم على كل أرض فلسطين.
وأضاف أن خطاب الاستيطان الاستعماري المتضمن لمظاهر الابارتهايد هو الخطاب القادر على تنظيم الكفاح ضد كل أشكال الاستئصال والاقتلاع ومن أجل عودة اللاجئين والتعويض عن خسارتهم ومعاناتهم.

المصدر : متابعة -زوايا
atyaf logo