دراسة: تفاصيل "عبرنة" آلاف الأسماء وصولاً لتهويد هوية فلسطين

عبرنة أسماء المدن الفلسطينية
عبرنة أسماء المدن الفلسطينية

توزّعت سياسة التهويد الإسرائيلي لفلسطين على عدة محاور تضافرت معاً لتشكّل ما يعرف بسياسة خلق الأمر الواقع التي تهدف إلى ترسيم وقائع جديدة على الأرض، ثقافياً وديموغرافياً وجغرافياً، ومن بين تلك المحاور القيام بعبرنة الأسماء الخاصة بالمعالم الثقافية بالمدينة وعبرنة أسماء البلدات العربية.

ولقد برع اليهود في نحت النموذج الايديولوجي في التهويد، والإصرار على تحويل البلاد إلى وطن يهودي الهوية والمكونات من خلال ترجمة المكان وصبغه بالصبغة اليهودية، وتغيير أسماء المدن والقرى والموانئ وتسميتها بأسماء عبرية قديمة.

وفي دراسة للكاتب "أحمد الدبش" حول عبرنة الخارطة الفلسطينية قال :"إن التهويد الذي مارسه ويمارسه الكيان، كان مبرمجاً، ومخططاً له، بطريقة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً كمّاً ونوعاً، فشمل جميع زوايا المجتمع الفلسطيني، في البيت والمدرسة والشارع، وأماكن العمل، وكذلك إبعاد أسماء أماكنهم عن ذاكرتهم بالعبرنة والتهويد.

ورصد الكاتب مجموعة المشاريع التي وضعتها الحركة الصهيونية الاستيطانية منذ بداية الانتداب البريطاني على فلسطين لإعادة تسمية الأماكن والمواقع الفلسطينية التاريخية بأسماء عبرية ‏ حيث تشكل التسمية جزءاً لا يتجزأ من الصراع السياسي في فلسطين وعليها كانت عبرنة الأسماء العربية جزءاً من عملية الاحتلال التي قامت بها العصابات الصهيونية منذ احتلال فلسطين عام 1948.

ولتحقيق هذه الأهداف عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على تشكيل لجنة منذ قيام الكيان ولا تزال إلى يومنا هذا، أطلق عليها "لجنة المسميات الحكومية" مكونة من متخصصين في الدين والتراث والجغرافيا والتاريخ، ومسؤولين رسميين في التخطيط والتنظيم، ومهتمين بالشؤون العربية، تُعنى بدراسة أسماء الأماكن والمواقع ووضع بدائل عبرية لأسمائها العربية، تستقي توجهاتها من الأهداف العليا للدولة، وتسخّرها في مجالات الثقافة والسياسة والدين والاجتماع.

اقرأ أيضاً: المفكر المصري عبد الله السناوي لـ "زوايا": نصحت أبو مازن بحل السلطة وهذا كان رده

وتشير الدراسة إلى الطرق العديدة التي استخدمتها لجنة المسميات الصهيونية لصبغ المواقع الحكومية بأسماء عبرية ومن بينها، إحياء أسماء تاريخية قديمة من فترة التوراة والتلمود وغيرها، وتحتوي هذه المجموعة على 350 بلدة أي حوالي40% من مجموع البلدات الفلسطينية، بالإضافة إلى أسماء مستوحاة من الطبيعة والبنية الجغرافية والأرض وسميت 167 بلدة بهذه الطريقة، وأسماء ذات طابع قومي يهودي، وتضم 146 اسماً، وأسماء معارك تاريخية يهودية، وأسماء شخصيات يهودية وأجنبية وضمت هذه المجموعة 17 موقعاً.

وبحسب الكاتب استطاعت هذه اللجنة إقرار آلاف الأسماء العبرية الجديدة، وتمريرها في الكتب والمقررات الدراسية في مختلف المراحل، وإجبار المعلمين والطلبة يهوداً وعرباً على استخدامها والتعامل معها، لانتزاع الماضي العربي من الأذهان وإحلال العهد اليهودي مكانه دون اعتبار للمكان وهويته العربية.

وتشـير الدراسة إلى أن أكثر التسميات إثارة للسجال في حينه كانـت القـدس وفلسطين، فقــد رغبـت لجنة صهيونية مكونة من ثلاثة أشخاص شكلها الانتداب البريطاني عام 1920 في إطلاق اسـم "يروشـلايم" علـى القـدس، و"إيرتس يسرائيل" عـلى الدولة الفلسطينية، حيث اســتعملت المنظمات الصهيونية في فلسطين أسـاليب متنوعة مـن الحيل، غرضها الخلط بــين "فلسـطين" و"إيرتـس يسرائيـل" من بينها إقحام الاختصار العـبري لعبارة "إيريتس يسرائيـل"؛ أي "أرض إسرائيـل"، بعــد كلمــة فلســطين بالعربية عـلى طوابع حكومـة الانتداب الرسميّة.

وأوضحت الدراسة أن الحركة الصهيونية قامت بعد ذلك بإنتاج خرائط توثق أسـماء المواقـع التــي أنتجتهــا، وصاغـت عمليـة مَمنهجـة ومنظمة في وضـع أسـماء المواقـع الجغرافية الرئيسة وتلك التــي أقيمـت مــن قبلهـا، كما عبـرت أسـماء المستوطنات اليهوديـة التـي وجـدت في إطـار الأنشطة الاستيطانية الصهيونيـة عــن حالات رمزيـة لصــدى مـادي من خلال تجسيدها لخطاب قومي متجدد، فاستعادت المستوطنات اليهودية الني تأسست حينها تســميات كتابية وتلموديـة أو احتفــاءً برموز وزعماء صهاينة وقادة سياسيين.

وامتد عملية لجنة المسميات إلى ما بعد عام 1967 ووصلت إلى الأراضي العربية المحتلة في الضفة وقطاع غزة وشرق القدس، وهضبة الجولان وبدأت تسمية الاماكن في هذه المناطق بوجود ممثل عن مجلس المستعمرات وبالتنسيق مع المجالس المحلية للمستوطنين.

ويلخص "موشيه ديان" وزير جيش الاحتلال الأسبق عملية السيطرة على الحيز وتهويد المكان وعبرنته من خلال مخاطبته طالب صهيوني في حيفا، عام 1969 حيث قال: "بنيت القرى اليهودية مكان القرى العربية، أنتم حتى لا تعلمون أسماء هذه القرى وأنا لا ألومكم على ذلك، لأن كتب الجغرافيا لم تعد موجودة، وليس فقط أن الكتب غير موجودة بل لأن القرى غير موجودة".

وأكدت الدراسة أن حملة إبادة الذاكرة العربية توسعت لتشمل تهويد الأماكن المقدسة وقبور المسلمين وعبرنتها، وجرى إعداد أطالس وموسوعات إسرائيلية تضمنت تسميات عبرية لغالبية معالم فلسطين التاريخية، كما ركز المسؤولون الإسرائيليون في وسائل الدعاية الصهيونيـة المختلفة على استخدام الأسماء العبرية الجديدة للمواقع والأماكن في الضفة وقطاع غزة وتجنبوا استخدام الأسماء العربية.

وفي عام 2004 أصدرت لجنة الأسماء الصهيونية "أطلس اسرائيل للاستيطان" والتي تحتوي أسماء المستوطنات والمواقع في إسرائيل، وعام 2009 اتخـذت عملية عبرنة الأسماء شكلاً مقززاً عندما أمر وزير المواصلات الإسرائيلي بشطب أسماء البلدات والمدن العربية عن الإشارات واللافتات المنصوبة على الشوارع والطرقات الرئيسية وان يحتفظ بأسمائها العبرية.

وعام 2011 قررت الشرطة الإسرائيلية وإدارة المعابر استعمال الأسماء العبرية لسلسلة من الحواجز العسكرية المنتشرة في الضفة المحتلة.

وفي كتاب "تهويد الأرض وأسماء المعالم الفلسطينية" يقول "شكري عراف" :"مضى نحو 120 عاماً على تغيير الأسماء العربية في فلسطين إلى تسميات أخرى عبرية تخـدم الأهداف التـي وضعتها الحركة الصهيونية ودولة الاحتلال بعدها والتي نجحت في عبرنة أكثر من 7 آلاف اسم لمواقـع فلسـطينية، منهـا أكثـر مـن خمسة آلاف موقــع جغرافي، وعــدة مئات مــن الأسماء التاريخيــة، وأكثر مــن ألف اسم للمستوطنات.

المصدر : متابعة-زوايا
atyaf logo