تفاصيل لافتة.. "الشاباك" يجتاح مواقع التواصل الاجتماعي سرًا وعلانية

مراقبة الشاباك الاسرائيلي لمواقع التواصل الاجتماعي
مراقبة الشاباك الاسرائيلي لمواقع التواصل الاجتماعي

أيقن الاحتلال أنّ تمرير أفكاره وسمومه إلى المجتمع الفلسطيني، لن تنجح إلاّ باختراق هذه المجتمعات ومخاطبتهم والتحدث بلغتهم، دون أن يتكلّف الأخير عناء الترجمة والفهم.

ومؤخراً باتت شبكات التواصل الاجتماعي أداة في يد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي راحت توظفها لجمع المعلومات، وكبح جماح المقاومة الفلسطينية، وكي الوعي الفلسطيني فيما يتعلق بالواقع في الأراضي الفلسطينية والنظرة لإسرائيل بشكل عام.

وفي مقال للكاتب الإسرائيلي البروفيسور "هليل كوهين" الباحث والمدرس في قسم الشرق الأوسط بالجامعة العبرية، تطرق فيه إلى الصفحات التي يديرها جهاز الشاباك الإسرائيلي على موقع التواصل الاجتماعي "فيســبوك" والرسائل العلنية والسرية التي تتضمنها من منظور تاريخي.

ويشير الكاتب أنه في صيف 2015، أنشأ جهاز "الشاباك" صفحة فيسبوك تحت عنوان "بدنا نعيش"، وهو اسم يستخدمه الفلسطينيون للتعبير عن التعب الذي أصابهم من سنوات الكفاح ضد إسرائيل، والتركيز بدلًا من ذلك على جلب الطعام لأولادهم.

وبدأ "الشاباك" في الأشهر الأخيرة بممارسة أنشطة علنية، من على منصات شبكات التواصل الاجتماعي، نشر خلالها مئات المنشورات على الفيسبوك وتفاعل معهم وتابعهم آلاف الفلسطينيين، وتضمن التفاعل أيضًا تعليقات وردود.

وتهدف صفحات الفيسبوك بحسب "كوهين" إلى تغيير الوعي الفلسطيني، وإضفاء الشرعية على الحكم العسكري الإسرائيلي وتطبيع الوجود الاستيطاني في المناطق، من خلال إيجاد عالم خيالي على الفيسبوك لا يوجد فيه احتلال، يعيش فيه الفلسطينيون والإسرائيليون بهدوء وسلام ومساواة، ويعمل فيه "الشاباك" لأجل اليهود والعرب على حد سواء. 

في هذا الواقع الوهمي، تعتبر مقاومة السلطات العسكرية الإسرائيلية مقاومة للسلام والتقدم التي تجلبه "إسرائيل"، وتلحق الضرر بكل من يشارك فيه، وتسمى هذه الأنشطة باللغة المهنية "عمليات الوعي". 

اقرأ أيضاً: "عربات النار".. مناورة إسرائيلية ضخمة وسط ملفات ساخنة

ويحاول ضباط الشاباك تقديم أنفسهم على أنهم قريبون من المجتمعات التي يشرفون عليها، واللهجة التي يخاطبون فيها الجمهور هي خطاب الأخ الأكبر: التوجه يكون ودودًا ولكنه حازم أيضًا، فضباط "الشاباك" الذين يسيطرون على مصير سكان المناطق يقومون بتعليم الناس ويقدمون لهم الحقائق ويقومون بتحليلها لهم، ثم يوجهون لهم تحذيرًا من مغبة مقاومة الاحتلال، وأحيانا أخرى يوزعون الوعود، ويشيرون إلى أن المصلحة العامة هي من تقف نصب أعينهم ويعبرون عن سخريتهم وازدرائهم للفلسطينيين الذين يشاركون في الكفاح المسلح.

ومن السمات الأخرى التي تتسم بها الصفحات التي يرعاها جهاز الشاباك أنها تسعى إلى تصوير الضباط، والإسرائيليين بعمومهم، كما لو كانوا من أهل فلسطين الأصليين، وذلك على غرار النهج الذي اتبعه الرعيل الأول من الصهاينة، الذين شددوا على أن اليهود ساميون وأنهم ينتمون إلى الشرق.

ويقول الكاتب الإسرائيلي إن "الشاباك" يستخدم الفيسبوك لتجنيد المتعاونين ويطلب الحصول على المعلومات بصورة مباشرة وعلنية، سواء من خلال التوجه بدعوة عامة أو طلبًا للحصول على معلومة محددة بعد هجوم، مشيراً إلى أن هذا كان أحد المواضيع الأولى التي تم طرحها في صفحة "بدنا نعيش" في بداية طريقها، وكانت عبارة "شاركنا المعلومات واحصل على مكافأة" صورة رئيسة على الصفحة، على جانبها الأيسر هناك شخصيات لرجلي استخبارات على غرار هوليوودي قديم، ومن اليمين حفنة من الدولارات ترمز إلى المكافأة نظير التعاون.

وفي حالات معينة ينشر "الشاباك" على الفيسبوك صورًا لمنفذي العمليات الفدائية أخذت من كاميرات حماية أو من مصادر أخرى وأسماءهم أيضًا إذا كان يعرفها، على أمل أن يقع أحدهم في شباك الجهاز وينقل لهم معلومات. 

وحاولت هذه الصفحات في كثير من الأحيان التشهير بقادة المقاومة الفلسطينية، كما يقول البروفسور الإسرائيلي، ففي صيف عام 2019ن نشر جهاز الشاباك رسمًا كاريكاتوريا لأحد كوادر حركة حماس في غزة ينحدر من الخليل، وزعم أنه يتحرش جنسياً بأحد الأطفال.

كما منح انتشار وباء كورونا ضباط "الشاباك" فرصة لتقديم أنفسهم كما لو أنهم يعملون لصالح الجميع، حيث وصفوا هذه الفترة على أنها أيام للنضال المشترك، العربي - الإسرائيلي، ضد عدو مشترك.

وأوضح "كوهين" في مقاله أن الخطاب الموجه الذي يقدمه "الشاباك" يصاغ بشكل يدمج بين اعتباره كيانًا يعمل على الحفاظ على أمن سكان المناطق بشكل متساوٍ، والنظرية الأخرى غير المقنعة أيضًا لأولئك الذي يردون، والتي تقول: "إن اليهود والعرب يعيشون جنبًا إلى جنب في الضفة الغربية بسلام وهدوء، وفقط بعض الفلسطينيين يحاولون تقويض هذا الانسجام".

ومن وجهة نظر "الشاباك" فإن الوضع الحالي من حيث السيطرة الإسرائيلية والتوسع الاستيطاني هي الحقيقة التي لا يمكن الجدال عليها، وعلى "الشاباك" الدفاع عنها، أما الشبان الفلسطينيون الذين يخرجون للتظاهر أو لإلقاء الحجارة أو ينشطون في العمل المسلح يعملون وفق العالم الافتراضي الذي بناه "الشاباك" ضد السلام أو ضد إسرائيل بهدف إلحاق الأذى بعلاقات حسن الجوار مع المستوطنين اليهود.

اقرأ أيضاً: مشعل يدعو لاختصار زمن الاحتلال بالانخراط في معركة القدس

وتتزين صفحات الفيسبوك بالتشبيهات الإسلامية، سور من القران، أمثال ووصايا بالعربية. الهدف منها ايجاد الانطباع بأن ضباط "الشاباك" على صلة بالثقافة العربية والإسلامية، يحترمون التقاليد، وإلى حد معين يشكلون جزءًا من النسيج الاجتماعي المحلي. 

في المقابل يرد القراء الفلسطينيون الذين يدخلون إلى صفحات "الشاباك" بطرق مختلفة؛ فمنهم من لا يدرك جيدًا ماهية هذه الصفحات "التي لا تعلن عن نفسها صراحة بأنها صفحة يديرها "الشاباك"، ويقومون بطرح أسئلة على غرار "هل أنتم عرب؟" أو "هل أنتم مسلمون" وأسئلة أخرى من هذا القبيل، فيما يدرك رواد ومعلقون آخرون على الصفحة أن المخابرات الإسرائيلية هي من تقف خلف صفحات الفيسبوك هذه، ويستغلون أخطاءً إملائية ولسانية للتعبير عن سخريتهم من طاقم "الشاباك" الذي يصيغ هذه العبارات. 

وأكد "كوهين" في مقاله أن النشطاء الفلسطينيون الذين يتسمون بالبراعة والدهاء في العالم الافتراضي ويدركون أن الصفحات التي يرعاها جهاز الشاباك على موقع "فيسبوك" تشكل تسعى إلى الحرب النفسية الإسرائيلية الأوسع لتقويض التزام سكان الضفة الغربية وقطاع غزة بحركة الكفاح الوطني الفلسطيني، ويرد هؤلاء النشطاء  على تلك الصفحات، حيث تفصح ردودهم عن وجهات نظر فلسطينية متباينة.

وتساءل كوهين في ختام المقال، هل تحدث عمليات كي الوعي هذه تغيراً في المفاهيم التي يحملها الفلسطينيون وتصوراتهم؟، ويجيب قائلاً:" على المستوى المباشر من الممكن أن هذه العمليات تجعل الفتيـة يتـرددون في الانضمام إلى أعمال المقاومة، لكن لا يبدو أن ذلك سيفرز تغيراً فيما يتعلق بالمسائل الجوهرية.

وخلص "كوهين" أن اللهجة المتعالية التي تتخذها هذه الصفحات وعلى خلاف النصيحة القديمة التي أسداها "عزرا دانن"، مؤسس جهاز المخابرات في عصابة "الهاغاناه" للمذيعين في محطات الإذاعة والتلفزيون بالعربية باستخدام العبارات والأمثال العربية لجلب المستمعين والمشاهدين الفلسطينيين، فإن النشر والتحدث باللغة العربية زاد من مستويات عداء الفلسطينيين للصهاينة، ولم يلفح في كي الوعي الفلسطيني وتغيير النظرة العدائية إلى إسرائيل.

المصدر : متابعة-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo