شهادة شيرين أبو عاقلة ..إسرائيل عدوة الكلمة والصورة والحقيقة

شيرين ابوعاقلة
شيرين ابوعاقلة

(1) يوم ان قالت الصورة كلمتها

يوم ان قالت شيرين ابو عاقلة (كل شيء مستهدف من الاحتلال) لم تدرك يوما ان الرصاصة ستصلها وتضع حدا لحياتها الطويلة ومسيرتها الصحفية.

كانت من اصعب اللحظات التي مرت على الصحفيين والاعلاميين وهم يرون شيرين ملقاة على وجهها والدم ينزف منها بغزارة, ولا احد يستطيع الاقتراب منها لإنقاذ حياتها. كانت لحظة بكى فيها الكثيرون بكاء حارا واصابتهم صدمة لم يتوقعوها, ان تنسل هذه الصحفية المرموقة من حياتهم بهذه السرعة.

الصورة التي تناقلتها كل وسائل الاعلام كانت بمثابة شهادة حية على وحشية الاحتلال وتجاوزه لكل الحدود الاخلاقية والمهنية. ولان هذا الاحتلال (لا يستحي), فانه- كالعادة – يجد الف مبرر لجرائمه وتعليلها بكثير من الاسباب الواهية المضللة.

الدرع المطبوع عليه كلمة صحافة أو "PRESS" أو الخوذة التي يضعها فوق رأسه، لا تحمي الصحفي من استهدافه، ولا تشكل له حصانة من رصاصة غادرة في الرأس او العين او أي مكان اخر , حيث لم تعد دولة الاحتلال تعبأ كثيرا بالمواثيق الدولية، خاصة اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر الاعتداء على الصحفيين ووسائل الإعلام أثناء العمليات العسكرية، بالإضافة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية اللذين يؤكدان على حرية الرأي والتعبير.

سجل الاحتلال يكاد يطفح بالارقام والاحصائيات السوداء التي تدمغ سمعته بوصمة عار لا فكاك لها.

ولان هذا الاحتلال يخاف من كل شيء فانه مستعد لقتل أي شيء!

ليس الصحافيون وحدهم, بل اصحاب المهنة الانسانية الاطباء والممرضين والطواقم الطبية, والمارون في الشوارع , والنساء في الطرقات, والاطفال على شاطئ البحر والصيادون في مراكبهم والمزارعون في حقولهم.. لا أحد في مأمن من رصاصاتهم الطائشة او الموجهة.

اقرأ أيضاً: صحف عبرية: إعدام أبو عاقلة عزز الرواية الفلسطينية وكارثة حلت بالاحتلال

التقارير التي كتبت عن جرائم الاحتلال – فقط عن القتل- تكاد تعد بعشرات الالاف, ووصلت الى كل مكاتب الرؤساء ومحافل الدول ومقرات الامم المتحدة ومجلس الامن, لكن يبدو ان هذا العالم قد وضع الاخلاق والقيم جانبا, وبات التعبير عن "القلق" هو الرد الوحيد وسلاح المجتمع الدولي المتحضر على جرائم القتل!!

(2) سجل أسود ووصمة عار

بالمرور على سجل جرائم الاحتلال الموثقة من مؤسسات ومراكز دولية, يشهد لها بالحياد والنزاهة والمهنية, تجد ان دولة الاحتلال –بمؤسساتها العسكرية والامنية- تضع الاعلام والصحافة في مرمى هدفه, كما يضع الفدائيين والمناضلين بأسلحتهم, سواء بسواء.

وتتنوع الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون الفلسطينيون بين "الاستهداف بالقتل، أو الإصابة بجروح أو كسور أو حروق أو اختناق، أو الضرب وتحطيم المعدات الصحفية، أو الاعتقال التعسّفي دون توجيه تهم محددة، إلى جانب منعهم من الوصول لمناطق الأحداث".

على سبيل المثال لا الحصر, خلال عام 2021 ارتكبت قوات الاحتلال ما يزيد على 368 انتهاكا، من بينها 155 انتهاكا مباشرا بين إصابات وقتل، حيث استشهد 3 صحفيين خلال العدوان على القطاع.

ومنذ العام 2000 قتلت قوات الاحتلال 55 صحفيا فلسطينيا خلال قيامهم بعملهم الصحفي.

وحسب تقرير أخير لمنظَّمة "مراسلون بلا حدود"، تَعرَّض أكثر من 144 صحفياً، فلسطينياً وأجنبياً، لاعتداءات جيش الاحتلال خلال تغطيتهم الأحداث بفلسطين المحتلة خلال السنوات الأربع الأخيرة، بما في ذلك إطلاق النار عليهم، ورشقهم بالقنابل المسيلة للدموع والقنابل الصوتية، والضرب بالعصي، والسحل، مما خلَّف إصابات بليغة نتج عن أغلبها عاهات دائمة، كفقدان الأطراف والأعين، والتشوهات في الوجه.

وبحسب تقرير للاتحاد الدولي للصحفيين في العام 2021، قتلت إسرائيل 46 صحفياً وإعلامياً منذ عام 2000 وحتى عام 2021، فيما وصفه بيان الاتحاد بأنه "استهداف ممنهج ومنظم" من جانب قوات الاحتلال الإسرائيلي هدفه التغطية على ما ترتكبه تلك القوات من جرائم بحق الفلسطينيين. وخلال حرب غزة فقط، التي استمرت 11 يوماً العام الماضي، قتلت إسرائيل 16 صحفياً.

ولم يكن سيف الاعتقال بعيدا عن رقاب الصحافيين , حيث يقبع في سجون الاحتلال، فحسب نادي الأسير الفلسطيني، يتواجد 16 صحفيا خلف قضبان السجون، من بينهم الصحفي محمود عيسى المعتقل منذ عام 1993، كما استخدمت إسرائيل سياسة الاعتقال الإداري (دون تهمة)، لملاحقة الصحفيين وكتاب الرأي، في محاولة لمصادرة حرية الرأي والتعبير، ومثال ذلك الصحفية بشرى الطويل التي تعرضت للاعتقال الإداري أكثر من مرة، كان آخرها في شهر كانون الأول/ ديسمبر العام المنصرم، وما تزال معتقلة.

ولا يتوقف الامر عند القتل والاصابة بل يتعدى الى الشجر والحجر, فقد وضعت قوات الاحتلال مباني ومقرات الصحفيين نصب اعينها وفي مرمى صواريخها, فقد دمرت طائرات الاحتلال ودباباته الأبراج السكنية والتجارية، والتي ضمت عددا كبيرا من مكاتب المؤسسات الصحفية المحلية والدولية من بينها مقرات للجزيرة والاسوشتيدبرس ووكالات اجنبية، ووثقت المنظمات الحقوقية تدمير 12 مقرا إعلاميا في العدوان الاخير على غزة. وفي العام 2020 أيضا قصف الاحتلال 33 مقرا صحفيا في قطاع غزة خلال العدوان، منها ما دُمّر تدميرا كليا.

ومن تتابع هذه الجرائم وتكاثرها وتعاظمها وخطورتها, قررت المدعية العامة بالمحكمة الدولية فاتو بنسودة، فتح تحقيق في هذه الأحداث، لِمَا استقر لديها من وجود "أساس معقول لفعل ذلك وفقاً لمعايير نظام روما الأساسي".

الغريب ان اسرائيل, التي تمارس القتل والاعدام للصحفيين بشكل ممنهج, تدعي انها واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط, وتتغنى بان جيشها هو الاكثر اخلاقية في العالم وانها من الدول القلائل التي ليس لديها وزارة اعلام ولا حدود لحرية الاعلام والرأي!

لكن لأن اسرائيل تعيش على الخوف وتنام على الخوف, وتعتقد ان محيطها هو معاد وان الكل يريد ان ينال منها وينتقص من امنها ووجودها فانها تعتبر الامن هو الاولوية الكبرى التي ينبغي الحفاظ عليها مهما كانت الوسائل والادوات

(3) صحفيون فدائيون

ولان الصحافة والاعلام الفلسطيني لعب دورا كبيرا وحقيقيا في كشف القناع عن الوجه القبيح للاحتلال وعراها امام الرأي العام الدولي وأظهر حقيقتها كدولة احتلال تتسم بالعنصرية وتمارس التطهير العرقي وتقتل بلا قانون وتسرق الارض وترتكب من الجرائم ما يندى له جبين الانسانية, فإنها تعتبر القلم والكاميرا والصوت والصورة عدوا لدودا وقنابل موقوتة وتنظر للصحفيين على أنهم "مخربون" محتملون ينبغي القضاء عليهم.

في المقابل فان الصحفي والاعلامي الفلسطيني أثبت أنه فدائي بالفعل, حين وصل الى نقطة الصفر واقتحم لجة المواجهات وصور الكثير من الفظائع والجرائم التي ما كان لها أن تدور في عواصم العالم لولا هذه الجرأة والشجاعة الكبيرة التي تحلى بها الصحفيون الفلسطينيون.

اقرأ أيضاً: هآرتس:تحقيق الاحتلال في مقتل أبو عاقلة غير جدير بالثقة

صحيح انهم دفعوا ثمنا كبيرا من حياتهم واجسادهم, لكن ارادتهم وعزيمتهم وصدق انتمائهم للمهنة جعلت منهم ايقونة لشجاعة الكلمة والصوت والصورة , ويكفي ان نتذكر صورة محمد الدرة التي قلبت العالم رأسا على عقب وحولت كثيرا من عقول من كانوا يعشقون اسرائيل ويهيمون بقوتها وديمقراطيتها الى كارهين ومبغضين لها ..

وكيف ان صورة جنازة شيرين ابو عاقلة دفعت الاتحادات والنقابات والمراكز الاعلامية والحقوقية الى وصف فعل دولة الاحتلال بالعار والمخجل والمنافي لأبسط الحقوق المدنية...

وكيف ان صورة الفتاة الصغيرة هدى غالية التي قتلت عائلتها على شاطئ بحر غزة بقذيفة دبابة اسرائيلية , وكانت تصرخ على جثث أبيها واخوتها, مزقت قلوب الملايين وأبكت عيونهم ...

وكيف ان صورة فارس عودة, ذلك الفتى الصغير الذي وقف امام الدبابة الضخمة الهائلة وهو ممسك بحجره , رسمت صورة لا تنساها البشرية ان الفلسطينيين غير قابلين للهزيمة او الكسر او التطويع..

وكيف ان الصحفي عمارنة الذي أسقط الاحتلال عينه من محجرها أيقظ عقول الالاف من الصحفيين والاعلاميين من وهم التضليل الذي مارسته اسرائيل طوال عقود وغسلت عقولهم بان الفلسطينيين هم الارهابيون والقتلة وان اسرائيل هي الضحية والحمل الوديع المظلوم!!اليوم تقف الصحافة الفلسطينية ليست حيادية في قضايا الوطن والانتماء , بل تمارس هذا العمل كواجب وطني ومهمة مقدسة لتعزيز الحق الفلسطيني في الحرية والكرامة والاستقلال . تقف محامية عن حرية الكلمة والصوت والصورة, وتضرب مثلا عظيما في الوقوف امام اعتى قوة عسكرية باطشة ومتجبرة, وتدفع من لحمها ودمها من اجل الا تضيع الكلمة الحرة والصورة الحقيقية في زحمة أمواج الكذب والتضليل التي تمارسها دولة الاحتلال.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo