الخليل المشتعلة بنيران النزاعات العشائرية..ما أصل الأزمة؟

مسلحون في الضفة الغربية
مسلحون في الضفة الغربية

تعيش الخليل حالة غير مسبوقة، من حيث الوتيرة والحدة، للشجارات الدموية وجرائم القتل التي أسفرت منذ شهر رمضان عن مقتل تسعة مواطنين، أحدثها جريمة إطلاق النار من قبل مسلحين على إثنين، على خلفية ثأر قديم، ما أدى إلى قتلهما.

ويتصاعد النقاش الفلسطيني العام، تحت عنوان "ماذا يجري في الخليل؟، وسط تساؤلات عما وراء هذا الفلتان العشائري والقتل وإحراق الممتلكات العامة وتخريبها من دون رادع مجتمعي ولا قانوني؟

فيما ذهب البعض إلى عقد مقارنة "مؤلمة" بين سلاح الخليل الذي يُستخدم للنزاعات العائلية، وبين سلاح جنين المستخدم في مواجهة الاحتلال.

"مخطط لتصعيد الشجارات العائلية في الخليل؟!"

لكنّ رجل الإصلاح العشائري وليد الطويل، من مدينة الخليل، أكد في حديثه لموقع "زوايا" أن ما يجري في الخليل من أحداث مؤسفة يجري أيضا في بقية المحافظات بالضفة الغربية، لكن المفارقة، بمنظوره، تكمن في أن الخليل "يُحاك لها سيناريو ومخطط آخر، ويُراد للنزاعات العائلية والعشائرية أن تتصاعد".

اقرأ أيضاً: مصدر لـ"زوايا": خلافات أوروبية داخلية تُؤخر المساعدات الفلسطينية

وأضاف الطويل أن هناك مخططا ممنهجا للخليل، يقضي باقتتال الأخوة والمجتمع، مُعربًا عن أسفه بأن "هناك عائلات وعشائر أكلت الطُّعم، فنشهد عمليات إطلاق نار واشتباكات كل ليلة، إضافة إلى جرائم قتل وتبشيع ببعضنا بعضًا، ونعيث فسادًا ببعضنا".. موضحًا أن هناك مأجورون ويختلقون الفتن في الخليل لتشويه ممُنهج لصورة الخليل وسكانها.

وحسب الطويل، هناك نوعان من أعوان الاحتلال؛ نوع يخدمه دون قصد، ونوع آخر يخدمه عن قصد عبر إثارة الفتن والمس بالسلم العائلي والمجتمعي، والتسبب بتهجير سكان المحافظة وتجارها.

"رجال العشائر فقدوا السيطرة..والسلطة لا تريدُ حلّاً"

واعترف رجل الإصلاح وليد الطويل، بأنّهم كرجال عصائر قد فقدوا السيطرة على المجتمع في الخليل، مشيرًا إلى وقوع تسع عمليات قتل في الخليل خلال شهر واحد، فقط، علاوة على عمليات السطو وإطلاق النار تجاه المنازل والممتلكات العامة، وهي أعلى نسبة على الإطلاق في المحافظة مقارنات بمحافظات أخرى، وأيضاً سنوات مضت.

ونوه الطويل بأن "كبار العشائر الحكماء يموتون، ولم يتبقَ سوى عدد قليل منهم"، محذرًا أنه إذا لم ينتبه الناس ويحافظون على بعضهم بعضًا، فإن "سكان الخليل سيأكلون بعضهم، في ظل انتشار كبير لسلاح العشائر، ويُستخدم بطريقة همجية غير معهودة".

وحول دور السلطة الفلسطينية، رأى الطويل بأن السلطة غير قادرة على حكم البلد، كما أنها لا تريد ذلك. وتابع: "مليون مرة تحدثنا لرئيس الوزراء والأجهزة الأمنية عن ضرورة بذلهم الجهد الكافي لحماية البلد، لكن دون جدوى".. واعتبر أن السلطة لو أرادت حل إشكالية الخليل، لفعلت، لكنها لا تريد. واتهم الطويل، السلطة بانها تريد، فقط/ جلب الضرائب من جيوب الناس.

الخليل أكثر حدة..لماذا؟

من جانبه، قال المحامي فريد الأطرش، رئيس الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في جنوب الضفة، إن ما يحدث في الخليل ليس شيئا جديدا، وإنما هي أحداث مستمرة ومتكررة نتيجة فوضى السلاح والإستقواء بالعشائر وضعف الأحكام القانونية الرادعة، وعدم قدرة السلطة على السيطرة على جميع مناطق الخليل، خاصة وأن المنطقة الجنوبية من مدينة الخليل يُمنع على أجهزة السلطة أن تدخل إليها إلا تنسيق مع الجانب الإسرائيلي الذي يسيطر على المنطقة.

ونوه الأطرش، في حديث لـ "زوايا"، أن الجرائم والنزاعات المجتمعية التي تحدث في الخليل، تشهدها ايضًا محافظات أخرى، ولكنها في الخليل بوتيرة وتيرة أعلى وأكبر، مُعربًا عن أمله بأن تنتهي هذه الأحداث المؤسفة التي تؤدي إلى زعزعة الأمن والسلم المجتمعي.

وفسر الأطرش ارتفاع وتيرة القتل والنزاعات العائلية في الخليل مقارنة بمحافظات أخرى، بكبر تعداد سكان المحافظة، حيث يصل إلى مليون نسمة، فضلًا عن كبر مساحتها الجغرافية، إضافة إلى الواقع الجيوسياسي الخاص بها نتيجة الاحتلال الذي يتواجد في قلب المدينة، علاوة على انتشار سلاح العشائر وضعف أجهزة إنفاذ القانون والسلطة. وبالتالي، ازدادت ثقافة أخذ "الحق" باليد في الخليل بشكل أكبر. وهي كلها إشكاليات تعيق مقومات السلم الأهلي والأمن العام في الخليل.

وبين الأطرش أنها من المفروض أن تكون الخليل أكثر من محافظة لكبر مساحتها وعدد سكانها.

السلطة تخشى الصدام مع العشائر

ودعا الأطرش إلى ضرورة تعزيز سيادة القانون وأن تكون سلطة قوية قادرة على ضبط السلم الأهلي، متمنيًا أن يكون دور وجهد أكبر من أجهزة الأمن الفلسطينية لحماية المواطنين وأن تكون عقوبات رادعة. ونوع بأن أعمال التخريب التي تقع في إطار ما تسمى "فورة الدم" بعد كل جريمة قتل، لا يتم المحاسبة عليها من قبل الأمن، وهو ما يؤدي إلى تكرار عمليات الحرق وإجلاء وتهجير مواطنين لا علاقة مباشرة لهم بالحدث.

وشدد الأطرش على أن السلطة بحاجة لتكون قوية، وهي أحيانًا لا تقوم بمواجهة العائلات وجمع والسلاح، لأنه تخشى المواجهة معها، مفضلة عدم الصدام معها. وطالب السلطة بدورها الصارم والحاسم فيما يتعلق بأمن المواطن وسلامته، والحيلولة دون وقوع جرائم القتل والعنف المجتمعي، وحماية ممتلكات المواطنين.

الفجوة بين الخليل والسلطة بدأت منذ سنوات طويلة

الواقع، أن سكان الخليل يعتقدون بأن ما يجري هو نتاج تراكمات من المعالجة الأمنية والاقتصادية والسياسية من قبل السلطة الفلسطينية لهذه المحافظة، وهو ما ولد فجوة كبيرة، في ظل مركزية المؤسسات الصحية والخدماتية في رام الله، وإهمال هذه المحافظة.

اقرأ أيضاً: الحالة الأمنية في الخليل وجنين..دليلٌ على فقدان السيطرة؟

لذلك، يشدد مراقبون على أن فهم معادلة الخليل، لا تقتصر فقط على الأحداث المؤسفة الجارية بها، بل نظرة شاملة لما تعانيه المحافظة. ولعل انتشار عشرات الألوف من المركبات غير القانونية في هذه المدينة وبلداتها، حتى تلك الواقعة في منطقة "أ"، أي تحت السيطرة الكاملة للسلطة، من دون أن أي معالجة من قبل السلطة. علاوة على تردي وضع المستشفى الحكومي في الخليل، وعدم كفاية الأسِرّة بالمستشفيات بالنظر إلى تعداد الخليل السكاني.

ولمّا جاءت جائحة كورونا، وكانت أولى موجاتها الكبيرة في الخليل، راحت وزارة الصحة وأجهزة السلطة الأمنية لبث رواية "كاذبة" تعتبر أن "تخلّف المواطن في الخليل، وطقوس أعراسه واحتفالاته" هي السبب في ارتفاع أعداد الإصابات والوفيات الكبيرة، وذلك في محاولة منها لإخفاء السبب الحقيقي، المتمثل بفشل الأجهزة الصحية المختصة في رصد أولى البؤر لتفشي الفيروس في الوقت المناسب.

وعندما خشيت الحكومة من أنها تفقد السيطرة، ذهبت إلى إدانة المواطن وتشويه صورته في الخليل، بدلًا من القيام بدورها والاعتراف بحقيقة الحالة الوبائية وأسباب تفشيها، حسب ما يؤكده ناشطون من الخليل لموقع "زوايا".

ولعلّ هذه صورة عامة تعكس فجوة لافتة بين الخليل والسلطة، بدأت قبل ذلك بكثير، حينما خسر الحزب الحاكم "فتح" في انتخابات المجلس التشريعي التي جرت عام 2006، وفازت حركة "حماس". غير أنّ ناشطون في الخليل أكدوا أن الخليل ليست "حماس"، وإنما أرادت الخليل أن تعبر عن انتقامها من إهمال السلطة لها، بإسقاط "فتح" بتلك الانتخابات.

بدوره، اعترف مصدر أمني في الخليل لـ "زوايا" أن الأجهزة الأمنية قادرة على حسم الأمر في الخليل، وإنهاء مسلسل الأحداث المؤسفة وجرائم القتل والنزاعات العائلية، لكنها بحاجة إلى قرار سياسي بهذا الخصوص، وهو ما لم يحدث حتى اللحظة. فيما برر ضابط أمن آخر عدم التحرك الجاد لمعالجة قضية الخليل، بالقول "إذا تحركنا وقتلنا أي شخص خارج عن القانون، فإن الناس سيحملوننا المسؤولية".

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo