رأى مركز مالكوم كير – كارنيغي للشرق الأوسط، أن إصدار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مرسوماً جديداً بتاريخ في 6 آذار/مارس يقضي بإنهاء قانوناً قديماً يعود للحقبة الأردنية بشأن إجراءات الدعاوى المتعلقة بدوائر الدولة، هو بمثابة إنهاء دور منظمة التحرير الفلسطينية التي يُعتدّ بها لتوحيد الفلسطينيين.
وبحسب الباحث المرموق في المركز ناثان براون، أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن، فإن إصدار المرسوم من قبل الرئيس عباس، حظي بردود مختلفة من أطياف الفلسطينيين على المستويين السياسي والقانوني، وتعتبر في المحصلة أن إقدام الرئيس عباس على تعطيل المجلس التشريعي المخول بإصدار القوانين هو خطوة غير شرعية، ويندرج ضمن الأساليب السلطوية، وآخرون لا يولون أي أهمية تذكر لهذه المراسيم.
ووفقاً للمركز الشرق أوسطي فإن هذه الخطوة من شأنها إلغاء الدور المؤسسي الذي تؤدّيه منظمة التحرير الفلسطينية. وأن الدولة التي يغطيها هذا "القرار بقانون" هي "دولة فلسطين" برئاسة محمود عباس، وهو يدرج منظمة التحرير الفلسطينية والمؤسسات التابعة لها كافة ضمن دوائر الدولة ووكالاتها ووزاراتها، باعتبارها جزءًا من الجهاز البيروقراطي الفلسطيني ومركزه رام الله. وبذلك فإن هذا القانون يسعى إلى إلحاق هيئة تُعتبر الممثّل الشرعي الوحيد للفلسطينيين والناطق باسمهم كشعب (منظمة التحرير)، بدوائر السلطة الفلسطينية المقيّدة والسلطوية والتي تعاني عجزًا كبيرًا.
اقرأ أيضاً: مما تخشى السلطة..لو طبقت قرارات "المركزي"؟
وأشار الباحث إلى أن البند المتعلّق بمنظمة التحرير الفلسطينية والذي أحدث بلبلة كبيرة، دفع الرئيس عباس لإصدار المرسوم مرتين الأولى والتي تم تسريبها ولم تنشر رسمياً، اكتفى بذكر منظمة التحرير الفلسطينية. فيما المرسوم المعدل الثاني المعتمد تضمّن جملة حدّدت أن إدراج اسم منظمة التحرير الفلسطينية أتى "لغايات تطبيق أحكام هذا القرار بقانون".
ويوضح الباحث إلى إن الرئيس عباس، تعامل مع المنظمة باعتبارها ذراعًا لمكتبه يستخدمها كلما دعت الحاجة. باعتباره يرى المنظمة عبارة عن مجموعة مكاتب قادرة على ممارسة الدبلوماسية الدولية (مع الدول التي تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية وليس بفلسطين)، وتصادق هيئاتها على القرارات أحيانًا. بينما ينظر الفلسطينيون للمنظمة بشكل مخالف أقله على المستويات النظرية والتاريخية والرمزية.
ويلفت الباحث إلى أنه لا أحد يتوهم من الفلسطينيين أن منظمة التحرير تؤدّي دورًا نشطًا في الوقت الراهن، لكنها كانت في السابق عنصرًا أساسيًا في بناء توافق وطني وقد تعود لتؤدّي هذا الدور من جديد، من خلال وضع استراتيجيات، واتّخاذ قرارات يُعتد بها، والتنسيق بين الشتات الفلسطيني في جميع أنحاء العالم. وفي حال قيام دولة فلسطينية ذات سيادة، فعليًا وليس فقط على الورق، قد تتسلّم منظمة التحرير مقاليد قيادة هذه الدولة.
وأكد الباحث أن منظمة التحرير تعتبر الهيئة التي يُجمع معظم الفلسطينيين على أن دولة فلسطين تستحق اعترافًا دوليًا، لكن تحجيمها من خلال رئيس المنظمة والسلطة عباس، عبر إلحاق مكاتبها ومؤسساتها كافة بسائر دوائر السلطة الوطنية الفلسطينية يؤدّي إلى إضعاف مكانة المنظمة، وتقويضها في الوقت الذي أسست فيه لتكون الممثّل الشرعي للفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم، إضافة إلى أنها تصبح تحت سيطرة رئيس يعمل من دون الخضوع لأي رقابة أو مساءلة.
اقرأ أيضاً: "فتح".. هل تعود إلى خيار "المقاومة المسلحة"؟
ونوه إلى أن شعور الكثير من الفلسطينيين بالقلق من خطوة الرئيس عباس يعود إدراكا منهم للتداعيات العملية الناجمة عنها والرمزية المؤذية المرتبطة بها.
ورجح الباحث أن يتراجع دور منظمة في التحرير التي من المفترض أن تكون مظلة الفلسطينيين أن تسهم في تحقيق المصالحة بهذا الوضع الجديد الذي فرضه الرئيس عباس، التي حولها لأن تكون ذراعاً له، بعد أن قوض قدرتها على تأدية دورها كهيئة توافقية للفلسطينيين. وهذا ما عبر عنه المعسكر الإسلامي في إشارة إلى حركة حماس تحديداً.
كما رأى الباحث، أن آلية انتقال السلطة لازالت غير واضحة في الوضع الراهن، بعد أن كانت واضحة سابقاً، كما حدث بعد وفاة الرئيس ياسر عرفات، وانتقلت رئاسة السلطة مؤقتاً لرئيس السلطة التشريعية وفق القانون الأساسي، ومن ثم الترتيب لانتخابات جديدة وهي ما جاءت بالرئيس عباس في الانتخابات التي خاضها مرشحا عن حركة فتح عام 2005؛ مستدركاً أن أحكام انتقال السلطة الواردة في التعديل مبهمة، بعد أن تم حل المجلس التشريعي، وفشل إجراء الانتخابات بسبب الصعوبات السياسية واللوجستية، في ظل معاناة حركة فتح من التمزقات والانقسامات الداخلية.
وأكد الباحث براون، أنه ورغم ذلك لاتزال هناك بارقة أمل بأن تتمتع منظمة التحرير ببعض الحيوية، (ولو على المستوى الرمزي) في أن تبارك أي عملية انتقال للسلطة.
وخلص الباحث إلى أنه وفي ظل ما تواجهه الحركة الوطنية الفلسطينية من مشاكل فإنه من المستبعد اعتبار مرسوم 6 آذار مارس، المثير للجدل خطوةً حاسمة بأي شكل من الأشكال. لكنه ينبغي النظر إليه حتمًا على أنه خطوة إضافية في إطار سلسلة من الممارسات المؤسّسية المتزايدة التي تكرّس ترتيبات وُضعت في ظروف محدّدة من قبل الرئيس عباس، وكان من المفترض أن تكون مؤقتة، وتجعلها راسخة في حالة اللادولة الفلسطينية.