عبر تتبع مراحله التاريخية

مؤرخ فلسطيني يبحث في فشل تحقيق أهداف المشروع الوطني الفلسطيني

طفل يطلب بحق العودة
طفل يطلب بحق العودة

يواجه المشروع الوطني الفلسطيني مأزقًا كبيرًا بعد فشل الحركة الوطنية الفلسطينية في تحقيق أهداف مشروعها، بدايًة من تبلور المشروع الوطني عقب مرحلة من التخبط السياسي في عهد الانتداب البريطاني وصولاً إلى تعثر قيام الدولة الفلسطينية بعد مرحلة انتقالية من الحكم الذاتي.

ويطرح المؤرخ والكاتب الفلسطيني "ماهر الشريف" في كتابه "المشروع الوطني الفلسطيني، تطوره ومأزقه ومصائره" سؤالاً جوهرياً حول العوامل التي حالت دون نجاح الحركة الوطنية الفلسطينية في تحقيق أهداف مشروعها والتي أدت بالتالي إلى وصول هذا المشروع إلى مأزقه الراهن.

وقام الكاتب الشريف بتحليل إخفاقات المشاريع الفلسطينية التي حاولت القيام بنهضة ضمن سياقاتها المحلية والإقليمية والدولية الخاصة، وذلك عبر تتبع المراحل التاريخية التي مر بها المشروع الوطني.

وبين أن المشروع الوطني الفلسطيني تعرقل بشكل أساسي بسبب خلافات سلبية مفتعلة بين قيادات منظمات المقاومة الفلسطينية وبتشجيع من أصحاب السلطة في الأنظمة العربية التي تدّعي بأنها دعمت، وما زالت تدعم، الفلسطينيين لتحقيق أهدافهم المشروعة في بلدهم، ومن جانب الدول الأجنبية الداعمة لإسرائيل.

ويُظهر البحث غلَبة التوجهات القومية قبل النكبة، حيث اعتبرت فلسطين جزءًا لا يتجزأ من سورية، واستقلالها لا ينفصل عن استقلال سورية الطبيعية، ورافق هذا التوجه القومي عجز الحركة السياسية عن بلورة مشروع وطني واضح المعالم.

وأضاف الكاتب أن الاختلال السياسي الأهم في تلك المرحلة، فكان رهان القيادة على تغيير المواقف البريطانية لمصلحة فلسطين، على الرغم من انحيازها السافر إلى المشروع الصهيوني، ولم تخرج القيادة النافذة من إسار العصبيات العائلية والمناطقية، كما أدارت الظهر للقضايا الاجتماعية، وارتكبت خطأً سياسياً تاريخياً، عبر الرهان على دول المحور النازي الفاشي.

أما مشاريع ما بعد النكبة وحتى منتصف الخمسينيات، طغى نفوذ التيار القومي (حزب البعث وحركة القوميين) على المشهد السياسي، وتحولت القضية الفلسطينية إلى قضية عربية، والحل قومي والمعركة قومية، في الوقت الذي افتقد القوميون استراتيجية تحرير، واقتصر الأمر على خطابات الوحدة العربية.

كما كان هناك حضورا للحزب الشيوعي بتنويعاته في الأردن والضفة الغربية وقطاع غزة ومناطق الـ 48، والذي تميز بتبنّي قرار التقسيم وإقامة الدولة الفلسطينية وتثبيت حق اللاجئين ومقاومة التمييز؛ بعد النكبة، توحّد الشيوعيون الفلسطينيون مع الشيوعيين اليهود الإسرائيليين في "الحزب الشيوعي الإسرائيلي" الذي دعا إلى تطبيق قرار التقسيم وفك ارتباط إسرائيل بالقوى الاستعمارية.

وكانت محاولة الجيوش العربية الدخول إلى فلسطين بعد اندلاع حرب 1948 من أهم الأمور التي أدرجها الكاتب بشكل خاص، بوصفها محاولة سلبية وخاطئة أضرت بمصالح الفلسطينيين، لأنها أفادت خطة التقسيم البريطانية للبلد، وحولت فلسطين إلى ثلاث مناطق، الأولى استولت عليها إسرائيل، والثانية الضفة التي أصبحت جزءاً من الأردن، والثالثة غزة التي صارت جزءاً من مصر.

اقرأ أيضاً: كاتب فلسطيني: السلطة أخفقت ككيان انتقالي وتحولت الى جزء من منظومة السيطرة

وقد تحفّظ الرئيس المصري جمال عبد الناصر، في رأي الشريف، على دعم مصر للفلسطينيين بمفردها ومن دون مشاركة عربية في أواخر خمسينيات القرن الماضي وحتى خلال الوحدة بين مصر وسوريا.

ويشدد المؤرخ الفلسطيني على أن حصول خلاف بين القيادة المصرية عبد الناصر، والقيادة العراقية عبد الكريم قاسم، آنذاك أضرّ كثيراً بمشروع تولي الفلسطينيين زمام شؤون قضيتهم قبل وبعد مؤتمر شتورا في لبنان في عام 1960 لوزراء الخارجية العرب في هذا المجال وما تبعه في السنوات اللاحقة، وحتى سقوط قاسم.

وتطرق الكاتب إلى هزيمة الـ 67، وكيف سقط الرهان الفلسطيني على الجيوش العربية؟، وتحرّر العمل الفلسطيني من الوصاية، وترسّخ منطق الثورة التي اتسع نطاقها وانخرطت فيها فصائل عديدة.

وانتقلت قيادة المنظمة إلى الثورة المسلحة كأسلوب جديد للنضال بأفق التحول إلى حرب تحرير شعبية طويلة الأمد، في حين فاقمت سياسة الأرض المحروقة التي اعتمدتها إسرائيل التناقض بين الثورة والأنظمة، وتحديداً مع الأردن الذي كان مركزاً للثورة، فحاولت حركة "فتح" حلّ التناقض بالدعوة إلى تشكيل جبهة عربية مشاركة بالثورة، بهدف تحويل الجماهير العربية إلى قاعدة لحماية الثورة، وتحويل الأراضي العربية إلى مراكز انطلاق للعمل الفدائي.

وأوضح "الشريف" أن حرب أكتوبر 1973، فتحت احتمال إبرام تسويات عربية إسرائيلية، بعد اتفاقات فك الاشتباك على الجبهتين المصرية والسورية، وأحدثت نقلة في التفكير السياسي الفلسطيني، عنوانها إعطاء حيز كبير للعمل السياسي، متجاوزةً الكفاح المسلح كأسلوب وحيد، وقد أدى ضعف وتراجُع العمل المسلح والتحولات في النظام العربي دوراً في هذه النقلة.

وجاء ذلك على خلفية الاعتقاد أن حرب أكتوبر أفرزت توازناً عسكرياً نسبياً وتضامناً عربياً ودعماً دولياً، كان من مظاهره قطع الدول الاشتراكية ودول عدم الانحياز علاقاتها مع إسرائيل.

وأكد الكاتب أن إسرائيل أفشلت مبادرة أمريكية بقيادة الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر فيأكتوبر 1977 كادت أن تحقق تسوية شاملة للقضية الفلسطينية بموافقة "منظمة التحرير الفلسطينية"، ما أدى إلى قيام الرئيس المصري أنور السادات بزيارته إلى إسرائيل في نوفمبر 1977 ثم توقيعه على اتفاقية كامب ديفيد في 17 سبتمبر 1978 مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغين مُسقطاً الرهان الفلسطيني على التسوية السياسية العادلة.

وأوضح الكاتب أن تسلّم أنور السادات السلطة في مصر ساهم في عودة حركة الإخوان المسلمين إلى الساحة السياسية الفلسطينية، وخصوصاً في غزة، ما أدى إلى نشوب مواجهة مع حركة فتح وفي منظمة التحرير الفلسطينية، وهو أمر استفادت منه إسرائيل ونشأت حركة حماس في منتصف "ديسمبر" 1987 ثم مدت نشاطها على الضفة الغربية عام 1988 ونفذت عمليات مسلحة ضد أهداف إسرائيلية معطلة أي مبادرات تفاوضية سلمية بين منظمة التحرير مع إسرائيل بإشراف ودعم أمريكي.

ورأى المؤرخ "ماهر الشريف" أن انتفاضة سنة 1987 فتحت آفاقاً جديدة أمام النضال الوطني، وأحيت دور المنظمة، وأعاد القضية إلى سلّم الاهتمامات العربية والعالمية.

وأضاف :"أدركت المنظمة أن الأوضاع باتت مهيأة كي تطرح مبادرة سياسية، حين أطلقت إعلان الاستقلال في الدورة الـ 19 للمجلس الوطني في سنة 1988"، ما أحدثتحولاً في التفكير السياسي الفلسطيني، فلأول مرة يتم اعتماد الشرعية الدولية التي تعاملت معها الحركة الوطنية كسلاح، وطرح الإعلان مفهوماً للدولة، باعتبارها دولة للفلسطينيين أينما كانوا، وكان هدف عودة اللاجئين من البنود الأساسية في البرنامج، وطرح المساواة للفلسطينيين في مناطق الـ 48. وبهذا ربط الإعلان مصالح مكونات الشعب الفلسطيني مع بعضها البعض، مكرساً بذلك الوحدة الوطنية.

وأشار الكاتب إلى أن المشاركة الشعبية في الانتفاضة الأولى تراجعت في النصف الثاني من سنة 1989، وتحول مركز ثقل الانتفاضة نحو المجتمع، كالانشغال في تصفية العملاء بإفراط، وجرى فرض أخلاقيات الإسلام السياسي على المجتمع كمنع الاختلاط، وفرض الحجاب، وحظر المشروبات الكحولية والأعراس، الأمر الذي أدى إلى تراجع تأييد الرأي العام الغربي للانتفاضة.

وتحدث المؤرخ عن مؤتمر مدريد، الذي عُقد في أكتوبر عام 1991، وقد صدرَت عنه "مقررات عادلة" بينها أن القدس الشرقية هي مدينة عربية ووقف الاستيطان ومرور مرحلة انتقالية قبل الاتفاق على جميع القضايا، ولكن إسرائيل، بقيادة رئيس الوزراء الأسبق إسحق شامير، لم توافق على تلك القرارات، وبرغم ذلك وقع ممثل الرئيس الراحل ياسر عرفاتالمسؤول الثاني آنذاك"محمود عباس"، مع شمعون بيريز، وزير خارجية إسرائيل، اتفاقاً اعترفت بموجبه "منظمة التحرير" بإسرائيل وينبذ الإرهاب، كما اعترفت من خلاله إسرائيل بالمنظمة ممثلاً للشعب الفلسطيني.

المصدر : متابعة-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo