تقرير بحثي: مليارات المانحين لم تنجح في تحقيق تنمية مستدامة في فلسطين

المساعدات الغذائية في فلسطين
المساعدات الغذائية في فلسطين

ربط تقرير بحثي بين تحقيق "التنمية في فلسطين وأوجه النجاح والإخفاق فيها" بإنهاء الاحتلال واعتماد سياسات داخلية معززة ترتبط أساسا بالنجاح الفلسطيني في فك التبعية عن دولة الاحتلال، وانتزاع الشعب الفلسطيني حقوقه وفي مقدمتها حق تقرير مصيره، إضافة إلى حريته وحقوقه السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

وقدم التقرير المعنون تحت اسم "آفاق التنمية في فلسطين 2021"، والذي أعده معهد أبحاث السياسات الاقتصادية "ماس"، صورة واقعية حول الوضع الفلسطيني، وجواباً للسؤال المطروح لماذا لم تنجح المليارات من أموال الدول المانحة في تحقيق التنمية في فلسطين؟، مشيراً إلى أن الوضع الفلسطيني وما يتصف به من شرذمة بسبب الاحتلال وممارساته زاد الوضع الاقتصادي والاجتماعي في فلسطين سوءاً".

كما قدم تقرير "ماس" الذي جاء بدعم من "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" مخرجاً عبر الاستثمار الأساسي الذي يجب أن يكون في الشعب الفلسطيني، كما ركز على عدة محاور من ضمنها، التشوه الهيكلي للاقتصاد الفلسطيني، والمسؤولية الفلسطينية في الحوكمة.

وتطرق التقرير إلى بدايات اتفاقات "أوسلو"، مبيناً أنه بعد 25 عاماً على منح الشعب الفلسطيني، وعداً بإقامة دولة مستقلة ذات سيادة، فإن مسار التنمية يقف على مفترق طرق، وتابع: البنية الهيكلية المحيطة بالتنمية، لا تزال رهينة للسياسات القمعية التي يمارسها الكيان الاستعماري الاستيطاني المتغلغل في الأرض الفلسطينية، وتبعية اقتصاد السوق، التي حالت سياسات الاحتلال طوال سنوات وجوده، دون تنظيمه.

وأشار تقرير "ماس" إلى أن الأراضي الفلسطينية المحتلة تعيش منذ العام 2020 حالة من عدم اليقين بدأت مع إعلان الموقف العدواني الأمريكي-الإسرائيلي الذي هدد بإعادة صياغة أحادية الجانب لكل جهود "عملية السلام" على مدار الـ 25 عاما الماضية، وفاقمتها الصدمات الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن وباء كوفيد- 19، ومع تصاعد حدة التوتر الداخلي إثر إلغاء الانتخابات الفلسطينية التي كانت مقررة في عام 2021 وتلك المحيطة بحالة حقوق الإنسان، اشتدت قوة "العاصفة المثالية".

وأعاد التقرير مسألة التنمية الفلسطينية إلى مربعها الأصلي، المتمثل بخوض الشعب الفلسطيني نضالاً مشروعا بحسب القانون الدولي، لممارسة حقه في تقرير مصيره في دولة مستقلة وإحقاق حقوقه وحريته السياسية والاجتماعية والاقتصادية المؤجلة."

وكشف تقرير "ماس" أن حالة الاستقرار النسبي في الضفة، المستمرة على مدار السنوات الخمس عشرة الماضية، ولدت تقبلاً لنمط معيشي آمن ومنظم، ونزوعاً للرضى والاعتياد على سيرورة هذا النمط، ما جعل الحكومة الوطنية والإقليمية والمحلية، تغفل الاستعداد لمواجهة أي أزمات طارئة، كحالة الطوارئ الصحية والاقتصادية والسياسية المطولة في العام 2020، ما يفسر حالة الإرباك العام التي شهدتها الأنظمة الصحية الحكومية في الضفة وقطاع غزة، إبان انتشار الوباء في أوائل العام 2021".

ولفت إلى أن تحقيق أهداف التنمية المستدامة في فلسطين لا يزال هدفا بعيد المنال، في ظل الاختلالات الهيكلية التي تعيق تحقيق التنمية، مطالباً بضرورة تحليل الحلقات الرئيسة المفقودة في سلسلة التنمية الفلسطينية، وهي: التشوه الاقتصادي، والتوسع المالي والنهج الليبرالي، والحرمان الاجتماعي، وتعطل الحوكمة في العقود الماضية.

وأضاف: أفضت 25 سنة من إطار السياسات الاقتصادية "لأوسلو-باريس"، إلى إخضاع مصالح التنمية لمصالح الاقتصاد الإسرائيلي المختلف تماماً والمعولم بالكامل، ما جعل من مجرد مفهوم الاقتصاد الكلي الفلسطيني أمراً إشكالياً، وما تلا ذلك من عجز في النمو والتنمية، تراكم على مر العقود.

وتوقع التقرير أن تواجه فلسطين تحديات إنمائية جسيمة في المستقبل، ولتحقيق معدلات مستدامة للنمو الاقتصادي، وتوليد فرص عمل لائقة للقوى العاملة المتنامية، وتحديداً للشبان والنساء، وتحسين الرفاه العام لسكانها بالتدريج، سيكون من الضروري إعادة هيكلة اقتصادها بشكل جذري، وحتى لو انتهى الاحتلال، فإن العديد من التشوهات الهيكلية ستستمر بلا شك، في غياب تدخلات سياساتية حاسمة تعيد هيكلة الاقتصاد المشوه بشكل جذري، وتجعل من الممكن لفلسطين أن تنتقل إلى مسار تغيير هيكلي معزز للنمو.

وأشار إلى أنه ينبغي أن تهدف سياسات التنمية، إلى الإفلات من فخ مسار النمو المنخفض، وتعزيز نمو يقوي التحول الهيكلي للاقتصاد، للانتقال بالاقتصاد المشوه من مسار نمو قائم على الاستهلاك وموجه نحو الداخل ومدفوع بعوامل الإنتاج الأولية، نحو مسار قائم على الابتكار وموجه نحو التصدير، ولن يتسنى ذلك إلا عبر تنفيذ استراتيجية شاملة جديدة مرتكزة إلى القدرات، حيث يكون توسيع الأصول المحلية القائمة على المعرفة في صميم السعي لتحقيق مزايا تنافسية تتجاوز المنتجات الأولية، والسلع المعتمدة على العمالة غير الماهرة والخدمات التقليدية.

ورأى التقرير أن ذلك يتطلب تدخلات حكومية مبادرة بقدر أكبر، بغية تعزيز القدرات الاجتماعية وقدرات الشركات، بالتالي إحراز تقدم سياسي كبير، ينهي الاحتلال وإقامة دولة ذات سيادة، وإحداث تغيير بعيد المدى في اتجاه سياسات التنمية.

وخلص التقرير الى أن توفر هذه العوامل مادة غنية للتفكير في المكونات والشكل والاتجاه الممكنة لإحياء حراك جمعي فلسطيني يجتاز الحدود التي فرضها الاستعمار الاستيطاني، ويسعى لاسترداد الحقوق الوطنية، وإصلاح المؤسسات الوطنية، وإعطاء الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والفردية المشتركة الأولوية ضمن الجهود الرامية لتحقيق أهداف التنمية الفلسطينية، بما لا يقل عن أولوية بناء الدولة الوطنية.

المصدر : متابعة-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo