سنكون كرماء إذا طالبنا بحل السلطة فقط!

محمود عباس
محمود عباس

"إنّ السلطة الفلسطينية التي أتطلع لها هي سلطة تحفر الخنادق، وتهرّب الأسلحة، وتدرّب الثوار لنبدأ منها رحلة التحرير"

صلاح خلف

توقف البعض أمام فشل تجربة حماس في محاولتها المزاوجة بين السلطة والمقاومة، واتخذ من ذلك مادة دعائية لإعفاء السلطة الفلسطينية من مهمة حماية المواطنين ضد اعتداءات المستوطنين  ووقف الاقتحامات اليومية للمدن الفلسطينية تحت ذريعة أن السلطة لم تخلق من أجل ذلك، وإنّ تدخلها سوف يجلب الدمار، سيما أنها لا تمتلك جيشَا كي تواجه به الجيش الإسرائيلي، بل هي جهة مدنية خدماتية!

السؤال هنا: إذا كانت السلطة جهة خدماتية فلماذا تشكل العديد من الأجهزة الأمنية المسلحة والأمن الوطني؟ لماذا لا تكتفي بجهاز الشرطة فقط، فتعفي نفسها ومن يطالبها بالتدخل لحماية المواطنين ما دامت لا تملك التدخل واستعمال السلاح أو حتى التهديد به؟!

السلطة فعليا غير موجودة إلا في شكلها البروتوكولي وشخوصها الحاكمة، وما تقدمه من خدمات التي لا تتجاوز ما تقدمه بلدية عاصمة متوسطة الحجم، كما أنها سلطة بلا سلطة كما صرح رئيسها بنفسه وهدد بحلها أكثر من مرة، سيما بعد توقف المفاوضات ورفض الاحتلال التعامل معها بشكل سياسي وقصر التعامل على الجانب الأمني والخدماتي وقام بافتتاح مكاتب الإدارة المدنية في معظم مدن الضفة الغربية والتي تجاوزت بها السلطة الفلسطينية من خلال تواصلها الشخصي مع المواطنين.

من يقول بأن السلطة هي إطار سياسي لا يجب أن تجابه الاحتلال بالقوة، وأن المجابهة يجب أن تكون من طرف آخر منفصل عنها، أي يكون لدينا سلطة، ومقاومة في نفس الحيز الجغرافي، لا يعي أن السلطة حسب اتفاق أوسلو وظيفتها منع أي عمل مسلح ضد اسرائيل واجهاضه وبالمقابل لا يمكن لسلطة ملتزمة بالاتفاقيات أن تسمح أو تغض الطرف عن جهة تقاوم إسرائيل عسكريًا لأن في ذلك تهديد لوجودها أولًا بسبب تعاظم القوى المضادة لها واكتسابها التأييد الشعبي لتبنيها خطاب المقاومة، وثانيًا هو إخلال بالاتفاقيات التي كانت سببًا في تشكيلها، وهنا نجحت اسرائيل في وضع اللبنة الأولى لحرب أهلية فلسطينية بين جهات تريد المقاومة وجهة تريد تنفيذ (الالتزامات) التي عبر عنها الرئيس الفلسطيني بكل وضوح في لقاء من القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي قال فيها: "هناك سلاح ومتفجرات ومسلحين يأتون من كل مكان ليدخلوا إلى اسرائيل أنا أضع يدي عليهم!"

على صعيد آخر، لو سمحت السلطة الآن بفعل المقاومة بالشكل الذي يؤثر على الاحتلال سوف تصبح "سلطة مقاومة" كالتي عرّفها الشهيد صلاح خلف بقوله :"إنّ السلطة الفلسطينية التي أتطلع لها هي سلطة تحفر الخنادق، وتهرّب الأسلحة، وتدرّب الثوار لنبدأ منها رحلة التحرير" في هذا الحال سوف تصبح سلطة "ناشز" لا تلتزم بالاتفاقيات وسيتم محاربتها واسقاطها كما تم مع الرئيس ياسر عرفات، إذًا علينا أن نرجع إلى أساس الفكر وهي أننا شعب تحت الاحتلال، وما دمنا تحت احتلال فنحن بحاجة إلى مقاومة وليس إلى سلطة! فالقاعدة تبنى قبل البيت!

إن الخلل الأكبر كان في تشكيل سلطة حكم ذاتي تحت الاحتلال، لأن ذلك تسبب في تخفيض تكلفة الاحتلال وهذا ما عبر عنه الرئيس الفلسطيني في خطاب أمام الأمم المتحدة قال فيه: " أصبح الاحتلال بدون كلفة، ونحن نعمل عند الاحتلال" كل هذا أدى إلى اعفاء الاحتلال من مسؤولياته، وفوق ذلك قام باستباحة الأرض بشكل غير مسبوق من خلال الاستيطان، مما جعل وجود السلطة عامل أساس في إطالة عمر الاحتلال، من مبدأ أن الاحتلال لا يعاني ولا يتكلف الثمن العالي لاحتلاله فلماذا يغادر؟!

سمعت أحد المحليين يطالب السلطة بتغيير قواعد الاشتباك، صراحة شعرت بالاستغراب! فعن أي قواعد اشتباك يتحدث المحلل، فلا يوجد قواعد للاشتباك أصلًا ليتم تغييرها، نحن بحاجة إلى حل السلطة والعودة إلى الخيار الواضح وهو مقاومة الاحتلال حتى التحرير واقامة الدولة، هذه هي قاعدة الاشتباك الوحيدة والتي أصابها المرض بسبب وجود السلطة وتراجع مكانة منظمة التحرير!

حل السلطة ليس نداء فضفاض شعاراتي بل هو فعل فدائي يكفر به أصحابه عن السنوات القاسية التي مرت علينا بسببها، من خلال تسلم سلاح الأمن الوطني الرمزي، فلا حدود وطنية لنا يمارس عليها هذا السلاح مهامه عبر شاحنات تقف على حواجز الاحتلال، وتجريد السلطة نفسها من أثقال تُتهم فيها ولا تستفيد منها شيئًا على الصعيد الوطني، ولتظهر بصورتها الحقيقية الخدماتية دون أي أعباء أخرى، وليحمل وقتها الاحتلال الجمل بما حمل كما قال صرح العديد من قيادات السلطة في أوقات التهديد المتكرر بحلها، فبدون خطوة مجنونة، وفوضى مطلقة لن يحدث أي تغيير حقيقي على الأرض!

السلطة ليست أمرًا واقعًا كما يظن البعض ويحاول تسويق هذه النظرية، لأن السلطة هي ناتجة عن اتفاق لم ينفذ وانتهى منذ عام 1999، وكل كيانها مرهون بالتمويل الخارجي الذي في حال توقف تنهار السلطة من تلقاء نفسها وهذا مرهون بالدور الوظيفي حسب اتفاق أوسلو، أي أن الاحتلال ومن خلفه العالم لو رأي أن السلطة لم تعد مجدية سوف يغيرها إلى صيغة حكم أخرى أو يسقطها تمامًا وهذا ما سوف يحدث، فهل هناك في قيادة السلطة الفلسطينية من سيقول: "بيدي لا بيد عمرو!"

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo