"المحكمة الإدارية العليا"..تهيئة لحكم سياسي "شُمولي" ؟

المستشار هاني الناطور يؤدي اليمين القانونية أمام الرئيس رئيسا للمحكمة الإدارية العليا
المستشار هاني الناطور يؤدي اليمين القانونية أمام الرئيس رئيسا للمحكمة الإدارية العليا

تصدرت الإنتقادات القانونية والرقابية قائمة المواقف والردود إزاء القرارات بقانون، التي أصدرها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قبل أيام، القاضية بتشكيل المحكمة الإدارية العليا.

مخالفة لمبدأ فصل السلطات

يقول المستشار الفني والقانوني لمركز "مساواة"المحامي ابراهيم البرغوثي لموقع "زوايا"، إن هناك جملة من المخاطر تتسم بها قرارات بقانون المذكورة؛ أبرزها أنها تحمل مخالفة صريحة للقانون الأساسي لمبدأ فصل السلطات، عدا عن مخالفة المادة 43 من القانون الأساس، والتي حددت شروط إصدار القرارات بقوانين، ناهيك عن عدم وجود أي حاجة ملحة وضرورية وعاجلة لا تحتمل التأجيل، تستدعي تشكيل المحكمة الإدارية بموجب قرارات بقانون الأخيرة.

وبالإضافة إلى المخالفة الدستورية، بمنظور البرغوثي، فإن هذه القرارات بقانون الصادرة عن رئيس السلطة، قد اتسمت بإستملاك ديوان الرئاسة (أي السلطة التنفيذية ممثلة بالرئيس عباس)؛ ذلك أن الرئيس هو من يعين رئيس المحكمة الإدارية العليا ونائبه، كما يعين رئيس النيابة الإدارية، إضافة إلى تعيين سائر قضاة المحكمة، والذين منهم تتكون الهيئة العامة للمحكمة الإدارية. وهو يفسر، حسب ابراهيم البرغوثي، "أننا أمام فريق عمل يتبع بصورة مباشرة لديوان الرئاسة"، وهذا يعني أن المحاكم الادارية وُجدت ميتة من الناحية الدستورية؛ لأنها تناقض مبدأ استقلال السلطة القضائية ونزاهتها وعدم تدخل السلطة التنفيذية.

"فصل المحاكم الإدارية عن القضاء النظامي"

ونوه البرغوثي أن مهندسي القرارات بقانون المذكورة، قد سموها بالبداية "قضاءً إدارياً"، ثم تراجعوا وقالوا "إنها محاكم إدارية"، وبالاطلاع على نصوص القرارات بقوانين، فإننا بصدد قضاء منفصل.. موضحاً أنه بالرغم من أن المحكمة الإدارية هي مطلب قديم يعود إلى عام 2005، إلا أن ذلك يجب أن يكون وفق إجراءات وقوانين لا تفصل القضاء النظامي عن الإداري، خلافاً لما حصل بتشكيلها مؤخراً.

اقرأ أيضاً: باحثة مصرية: لا توجد خطوات فلسطينية جادة لاستغلال الأزمة الأوكرانية

وأكد البرغوثي أن السلطة التنفيذية فشلت، من ناحية أن الحكم الصادر عن محكمة النقض الإدارية هو غير قابل للطعن، بينما يدعي القرار بقانون تشكيل المحكمة الإدارية، أنها "أحكام بدائية". وتطرق البرغوثي إلى خلل آخر بتشكيل المحكمة الغدارية، وهو أنها تمس بشكل مباشر بالمراكز القانونية للأفراد.. فمن المعروف أنّ أحكام القضاء تؤدي لإستقرار المراكز القانونية، وبما يخدم الإستقرار الأمني والمجتمعي، بينما فتح القرار بقانون المجال للطعن بالأحكام الصادرة عن محكمة النقض، "وهنا أخفق القرار بقانون بتحقيق الإدعاء بأن الهدف من تشكيل المحكمة الإدارية تسريع الفصل بالمنازعات".

ولفت البرغوثي إلى أن المحكمة الإدارية هي "قضاء رقابي على مشروعية القرارات الصادرة عن الحكومة وخاصة المتعلقة بعلاقة الإدارة بموظفيها، مثل الفصل الوظيفي والحرمان من الترقية العامة كصدور أمر استملاك، وغيرها"..وتساءل عن كيفية قيام المحكمة بهذه المهمة بينما تواجه تبعية للسلطة التنفيذية التي عينتها وشكلتها، وهي السلطة التي يجب للمحكمة الإدارية أن تنظر بمظالم نتيجة قرارات حكومية إزاء موظفيها؟!

وشدد البرغوثي على أنه كان يجب على القرارات بقانون القاضية بتشكيل المحكمة الإدارية، أن تُبيّن للجمهور والناس ماهية الأسباب الداعية لتشكيلها، ولماذا؟، وما هي التكلفة المترتبة على ذلك؟.. فالقرار بقانون، حسب البرغوثي، أوضح أن الغاية هي النقل من القضاء النظامي إلى الاداري مع تعيين عدد متواضع من المحامين أو النيابة بالمحكمة.

وبين أنه حذر من كل هذه الاجراءات، وما يُراد منها هو أن تتم إعادة تجربة محكمة الجنايات الكبرى، التي شكلت سابقاً دون حاجة ودون ضرورة كأن تكون حالة فراغ تقررها. وأشار إلى أنه تم صرف الأموال وتحقيق امتيازات للبعض ثم بعد ذلك تم إلغاء محكمة الجنايات. وتساءل في السياق: "هل يلغون المحكمة الإدارية بعد الامتيازات والمصالح لبعض الشخوص؟".

"لا ضرورة مُلحّة للمحكمة الإدارية العليا"

لذا، يعتقد البرغوثي أن تشكيل المحكمة الإدارية مخالف للقانون الأساسي، ولا ضرورة مجتمعية لها، وأن القرار بقانون الصادر بشأنها مخالف لبديهات حيادية واستقلال ونزاهة وأهمية القرار الإداري، باعتباره قضاء يراقب شرعية القرار الإداري الصادر من الحكومة.

وعبر عن أسفه من حالة الاستفراد والاستحواذ التي تنتهجها السلطة التنفيذية عبر إصدار التشريعات والتشكيلات، "في ظلمة الليل دون نقاش وحوار ودون معرفة من الناس".. موضحاً أن القرارات بقانون صدرت بالجريدة الرسمية دون معرفة أحد بها سوى مُصدِرها، وهو ما اعتبره البرغوثي، "أننا أمام حالة من التراجع المتزايد على صعيد احترام القانون".

"تباين الآراء داخل نقابة المحامين من قانون الإدارية"

من جانبه، رفض مصدر من نقابة المحامين التصريح لـ "زوايا"، قبل أن يتم الإدلاء بأي تصريح أو موقف بشأن تشكيل المحكمة الإدارية، قبل أن يصدر قرار رسمي عقب اجتماع للنقابة حلو الموضوع يوم الثلاثاء. وكشف المصدر وجود تباين داخل مجلس نقابة المحامين حيال القرار بقانون القاضي بتشكيل المحكمة الإدارية، موضحاً أن هناك محامون "ضد القرار"، وهناك من هم "مع"، ناهيك عن محامين عبروا عن رفضهم لبنود معينة بالقانون، وقبولهم لبنود أخرى.

"القرار تهيئة لمرحلة أكثر شمولية للنظام السياسي"

بدوره، قال المحامي والحقوقي داود درعاوي لـ "زوايا"، إن تشكيل "المحكمة الإدارية العليا" هو "حلقة من مسلسل بدأته السلطة التنفيذية باتجاه فرض مزيد من السيطرة والإستحواذ على المنظومة القضائية".

واعتبر أن القرار لا ينفصل عن حالة الشمولية التي يعيشها النظام السياسي الفلسطيني، متهماً إياه بأنه يريد "أن يبسط يده في كل مفصل من الحياة الخاصة والعامة، وهو يهيئ نفسه لمرحلة أكثر شمولية بالمستقبل. وقال إن بعض المؤشرات السلبية المرتبطة بالقرار هو تمرير مسألة في "غاية الخطورة"، ألا وهي إخراج ما أطلق عليه مهندسو القانون "إعمال السيادة برقابة القضاء الإداري"، وهذه أداة من أدوات النظام الشمولي، حسب الدرعاوي.

اقرأ أيضاً: شهادة هآرتس: قانون أملاك الغائبين استثنائي جارف يستهدف الفلسطينيين

وأما من ناحية تشكيل أعضاء المحكمة، فقد رأى الدرعاوي أن النظام السياسي تجاوز كل المعايير الدستورية وعلى رأسها المبدأ القاضي بتكافؤ الفرص في التقدم للوظيفة العامة، إذ أنه لم يتم الإعلان عن التعيينات مسبقاً، ولم يُفتح الباب امام التقدم للوظيفة للمحكمة الإداريةالعليا، استناداً لمبدأ تكافؤ الفرص، كما أنه لم يتم تشكيل لجان لتحديد معايير تحدد الشخصية الأكثر أهلية لتولي المهمة. بل على العكس، "كان هُنا تفرّد في التعيين ولا توجد معايير واضحة، بل أن المحسوبية والقرب من النظام السياسي هو العامل الأكثر وضوحاً في التعيين".

"اختيار أعضاء المحكمة الإدارية يخالف معيار تكافؤ الفرص والأهلية"

وختم الدرعاوي حديثه، بالقول إن "معايير الاختيار القائمة في ذهن صانع القرار الفلسطيني ستجد ترجمتها الفعلية بطبيعة القرارات التي ستنظر بها المحاكم الإدارية، وكيف ستقرر بالطعون التي تُقدَّم لها، وخاصة الطعون التي سيكون لها ابعاد سياسية؟.. من قبيل مكافآت اعضاء التشريعي والمفصولين من الوظيفة العمومية، وتأجيل الإنتخابات التشريعية والرئاسية".

وقال إن "كيفية نظرها بالطعون ستكشف معايير الإختيار لأعضاء المحكمة الإدارية العليا من قبل النظام السياسي".

وكان رئيس السلطة محمود عباس شكل المحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار هاني بولص الناطور، القضاة أمجد نبيل لبادة، وكفاح الشولي، وهدى مرعي، ومحمد أبو السندس، ووائل لافي، ورامي حلبيه، وجمال الخطيب، وجميل مسالمة، وذلك إلى حين تشكيل المحكمة الإدارية برئاسة المستشار وحيد أبو عياش، وعضوية كل من القضاة: عمار النمورة، وفاطمة النتشة، ونضال العواودة، وياسر صوافطه، وطارق طوقان، وجياد دعبوب، وحكم أبو راس.

وينص القرار بقانون الذي أصدره الرئيس محمود عباس على أن "المحاكم الإدارية تختص دون غيرها بالنظر في المنازعات الإدارية والدعاوى التأديبية وأي اختصاصات أخرى منصوص عليها في هذا القرار بقانون أو بموجب أي قانون آخر".

وينظر مراقبون، في أحاديثهم لموقع "زوايا"، إلى العبارة الأخيرة الواردة في نص القرار، بأنها فضفاضة لدرجة تجعل الاختصاصات مفتوحة بعض الشيء، بشأن القضايا المنظور بها من قبل "الإدارية العليا"، لا سيما تلك التي ربما تعتقد السلطة التنفيذية أنه يمكن النظر بها، لا سيما قضايا سياسية طارئة.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo