احتكار وغلاء يتصاعد بغزة.. ما واجب الحكومة؟

صورة من الأسواق الشعبية بغزة
صورة من الأسواق الشعبية بغزة

يشهد قطاع غزة غلاءً فاحشاً واحتكاراً جشعاً، لمعظم السلع الأساسية للمواطن الفلسطيني، وذلك من قبل "بعض" كبار التجار والمستوردين، الذين يُرجعون السبب إلى الغلاء العالمي، إثر الحرب الروسية الأوكرانية الدائرة منذ أقل من شهر.

ومما ضاعف من هذا الغلاء والاحتكار -وفقاً للمراقبين والمعنيين- عدم وجود خطة حقيقية لإدارة الأزمة الحالية من قبل الحكومة القائمة في غزة، وذلك من خلال عدم التدخل لدعم السلع الأساسية والتحرك الميداني لكسر الاحتكار، وكذلك عدم الإعفاء من الضرائب والجمارك المفروضة على البضائع الواردة للقطاع خلال فترة الأزمة على الأقل.

يذكر أنه منذ بداية العام الحالي 2022، شهدت أسواق الضفة الغربية –هي الأخرى- رفع التجار لأسعار السلع الأساسية، والتي بلغت في بعض المنتجات 30% وأكثر، وذلك وسط غضب شعبي تخلله مظاهرات واعتصامات وشكاوى واضحة من ضيق الحال واستغلال التجار للمواطنين، وتحميل المسؤولية لحكومة محمد اشتية، التي رفعت الضرائب على التجار.

يشار إلى أن هذا الغلاء يضاف لغلاء تراكمي من العام الفائت، فبحسب ما أعلنه الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في بيان له في 27 فبراير الماضي، فإن الرقم القياسي العام لأسعار المنتج في فلسطين سجل خلال العام 2021 ارتفاعاً نسبته 2.67% مقارنة مع العام السابق.

 قفز في الأسعار

وكثيرة هي السلع الأساسية التي شهدت غلاءً واحتكاراً في قطاع غزة، والتي عرج على ذكرها المختص في الشأن الاقتصادي د. حسام أبو دلال، مبيناً الفروقات الكبيرة في أسعار بعض هذه السلع، والتي زادت من 30-40% في مدة وجيزة لا تتعدى الشهر أو الشهرين، كما توقع زيادة أكثر في الفترة القريبة وخاصة خلال شهر رمضان بنسبة تصل إلى 50%.

وعدد أبو دلال في حديث لـ "زوايا" بعض الأصناف الغذائية التي قفرت أسعارها، منها "البقوليات من 3-6 شيكل، السيرج 3 لتر من 11-19 شيكل، رطل السكر من 6-8 شيكل، أنواع المعكرونة من 2-4شيكل، الرز من 5-7شيكل، علبة الفول من 1-1.5 شيكل، جبنة فيتا1-2 شيكل، الصلصة من 2-3 شيكل، الطحين من 40-47 شيكل، الخميرة من 5-6 شيكل، طبق البيض من 9-14شيكل، علبة لحمة لانشون من 2-3 شيكل، قلون عصير من 11-13 شيكل، جبنة الشيدر من 9-11 شيكل، وكرتونة بسكويت البفلة من 19-25 شيكل"، علماً أن ذلك يشمل فقط السلع الأساسية، إلى جانب ارتفاع أسعار الكثير من السلع والكماليات.

كما أشار أبو دلال إلى أن أسعار العلف ارتفعت من 1650 إلى 1950 شيكل للطن الواحد، والشعير من 1350 إلى 1600 شيكل، معتبرا أن الفروقات الجديدة في الأسعار هي "ضرائب وجمارك لجيب الحكومة".
غير أن طاهر أبو حمد مدير الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة بغزة، أكد أن أسعار الأعلاف المذكورة سالفاً، والتي تتغذى عليها (الماشية والحيوانات)، لم تشهد ارتفاعاً كبيراً، مبيناً أن الارتفاع لم يزد عن 100 شيكل، وذلك بسبب الأزمة العالمية.

وذكر أبو حمد لـ "زوايا" أن أسعار الأعلاف التي يتغذى عليها (الدجاج اللاحم) لم تشهد هي الأخرى ارتفاعاً كبيراً، حيث ارتفع سعر الطن الوارد من مصر من 2400 إلى 2500 شيكل، بينما الوارد من الاحتلال الإسرائيلي ارتفع من 2800 إلى 2900 شيكل فقط، لافتاً إلى أن المخزون الاحتياطي من هذه الأعلاف لا يتعدى 30%، علماً أنه إدخال الأعلاف اقتصر منذ منتصف العام الماضي 2021 على الجانب المصري بنحو 16000-18000 طن شهرياً.

اقرأ أيضاً: استياء شعبي في غزة من ارتفاع تسعيرة "العُمرة"

ولفت أبو حمد إلى ارتفاع أسعار طبق البيض من 11-14 شيكل، متوقعاً أن يرتفع سعر الدجاج اللاحم خلال شهر رمضان، علماً أن سعر الكيلو حالياً 12 شيكل.

وأرجع سبب هذا الارتفاع إلى عدم إدخال كميات كافية من البيض المخصب الخاص بالتفريخ في الفقاسات المحلية، وذلك بسبب ندرة هذا البيض عند الاحتلال الإسرائيلي والدول الأوروبية التي تعد موبوءة بالإصابة بمرض أنفلونزا الطيور، إضافة إلى سبب جزئي آخر متعلق بالأزمة العالمية الحالية.

الدقيق والخبر

أما فيما يتعلق بأسعار الخبز والدقيق الذي تحتاجه غالبية الأسر الغزاوية يومياً، فقد دق ناقوس الخطر بشأنه سلامة اليازجي عضو جمعية أصحاب المخابز ومدير عام مجموعة مخابز اليازجي، حيث ذكر أن أصحاب المخابز يعانون حالياً من أزمة في توفر الدقيق للمخابز، معرباً عن أسفه لافتقاد القطاع لإدارة أزمة خطيرة بهذا الشكل.

وأوضح اليازجي لـ "زوايا" أن سعر الدقيق وصل على أرضه من المصدر مصر 100 شيكل بما يعادل 500 جنية للشوال الواحد، لافتاً إلى أن ما يزيد الطين بلة أن مصر لا تريد بيع القمح بسبب العجز لديها، وذلك شأنها شأن دول كثيرة تأثرت بالحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا.

وأكد أنه لا يوجد مخزون قمح ودقيق كافِ في غزة في الوقت الحالي، كما أن عملية الشراء من الخارج أصبحت صعبة، بسبب عدم رغبة الدول المجاورة بالبيع، مشيراً إلى أنه خلال فترة أسبوع إلى أسبوعين لم يدخل إلى القطاع أي كميات من الدقيق والقمح.

وأشار اليازجي إلى أن المخابر تشتري الدقيق والقمح بأسعار أغلى من السابق وبسعر 95 شيكل للشوال الواحد، وذلك من الكميات القليلة الموجودة في مخازن القطاع والتي لا تكفي لأيام، فضلاً عن الغلاء في أسعار الغاز والزيت والسولار، متوقعاً أنه خلال أسبوع أو أقل سوف يدخل القطاع في كارثة حقيقية بسبب شح القمح والدقيق، وبالتالي سينعكس ذلك على رغيف الخبز للمواطنين.

ونوه إلى أنه في ظل هذا الارتفاع في سعر الدقيق مازالت ربطة الخبر سعرها 7شيقل، مما يسبب خسائر لأصحاب المخابر، مطالباً وزارة الاقتصاد بالتدخل لإيجاد حلول سريعة من خلال "الإعفاء من ضريبة الدقيق وخفض أسعار الغاز والكهرباء والسولار عن أصحاب المخابز".

بدورها، استجابت وزارة الاقتصاد الوطني بغزة للطلب أصحاب المخابر المذكور مؤخراً، حيث قررت لجنة متابعة العمل الحكومي منح إعفاء لمستوردي الدقيق من الجمارك والضرائب، مما سيساهم بتوفير مخزون من الطحين لشهرين قادمين.

وطمأنت وزارة الاقتصاد بغزة على لسان يعقوب الغندور مدير عام الشؤون القانونية بالوزارة، بأن مخزون الطحين في قطاع غزة يكفي لشهرين كاملين ولن يحدث أي نقص، مشيراً إلى أن أسعار الخبز ستبقى كما هي دون تغيير خلال الشهرين القادمين.

وأفرد الغندور مساحة في حديثه لـ "زوايا" حول إجراءات وزارته لمنع الغلاء والاحتكار في السلع الأساسية وخاصة الدقيق، مشدداً على أن طواقم حماية المستهلك التابعة لوزارته قامت بتحرير عدد من محاضر الضبط بحق تجار مخالفين في جميع المحافظات.

وحذر الغندور من أنه سيتم توقيف من تسول له نفسه برفع الأسعار والاحتكار من التجار والبائعين، مشدداً على أنه سيتم اتخاذ أقصى العقوبات والمقتضى القانوني بحق التجار المخالفين وإحالتهم للنيابة العامة.

وفي سياق متصل، فقد كان رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة سلامة معروف، قد صرح بالقول: "من الواضح أننا ذاهبون إلى المزيد من اشتداد أزمة الغلاء العالمي"، مشيراً إلى أنه منذ بداية هذا الغلاء العالمي ولجنة متابعة العمل الحكومي تجتهد لمحاولة الحد من التداعيات السلبية لهذه الأزمة.

وأشار إلى أن هناك خطوات تم اتخاذها بالشراكة مع القطاع الخاص بوجوب مواجهة أزمة الغلاء، مبيناً أن أزمة الغلاء مسؤولية الجميع، والشراكة يجب أن تتحقق في تجاوز الآثار السلبية لهذه المرحلة.

وتابع: "من ضمن الخطوات للتخفيف من تداعيات أزمة الغلاء إعفاء السلع الأساسية، وتقديم تسهيلات للتجار من أجل تشجيعهم على الاستيراد"، منوهاً إلى أن الجانب المصري أبلغهم بارتفاع أسعار المحروقات بدءاً من شهر مارس الحالي بواقع 10 -15% زيادة عن السعر المتفق عليه، حيث أن وزارة المالية تحملت فارق السعر بتوجيهات من لجنة متابعة العمل الحكومي، وهذا يعني أن قيمة ما تحصله وزارة المالية سينخفض بشكل واضح.

وفي تدوينة له على حسابه الشخص على الفيسبوك، اعتبر المحلل الاقتصادي محمد أبو جياب، أن إعلان كلاً من وزارتي المالية بغزة ورام الله، عن تثبيت أسعار المحروقات والغاز لشهر مارس كما كانت الشهر الماضي "خطوة بالاتجاه الصحيح، وتنم عن مسؤولية وطنية حقيقية، على طريق حماية المجتمع الفلسطيني من الغلاء العالمي".

اقرأ أيضاً: أراضي المندوب تشعل الخلاف بين الحكومة وعائلات كبيرة بغزة

ولكنه في تدوينة أخرى قال: "على مختلف الجهات الحكومية في غزة أن تقوم بتسريع عمليات استيراد المواد الأساسية وبكميات تخزينية طويلة الأمد (بترول، غاز، قمح أو دقيق، زيوت نباتية، أعلاف للدواجن والماشية..)، اليوم يدور النقاش حول أثر ارتفاع الأسعار لهذه السلع، أخشى أن نتحدث خلال الأيام القادمة عن مدى وفرة هذه السلع ووجودها لتلبية احتياجات الناس، يجب أن نبدأ العمل من الأمس وليس الآن لاستدراك الأمر".
 

thumbnail_Image.jpg

الغلاء يطال سلعا غير غذائية

ولم يتوقف الغلاء عند المواد الغذائية فقط، بل طال أيضاً أصنافاً أخرى مثل مواد البناء ومنها أسعار الحديد الصناعي(الصاج)، إذ ارتفع سعر الطن المورد عبر معبر كرم أبو سالم جنوب قطاع غزة من 200 إلى 300 دولار أمريكي عن ثمنه الأصلي، وهو ما سينعكس بالسلب على المستهلك، الذي يعيش أوضاعاً اقتصادية غاية في السوء، بفعل الحصار الإسرائيلي منذ 16 عاماً.

ويؤكد نقيب المقاولين بغزة م.علاء الأعرج ، أن أسعار الحديد ارتفعت في يومين 1000 شيقل، وهناك مشكلة تواجه المقاولين في استكمال الأعمال، وإذا استمر المقاول في العمل أو توقف سيتضرر.

وفي ذات الإطار، أكد أحد تجار الحديد الصناعي أبو صبري القصاص، ارتفاع سعر طن الحديد ما يقارب من 200 دولار فوق ثمنه، وهو ما سيتحمله المستهلك الفلسطيني في القطاع، مرجعاً السبب إلى نشوب الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

بدوره، قال رئيس اتحاد الصناعات المعدنية والهندسية في قطاع غزة محمد المنسي: "إن سعر الحديد الصناعي بدأ بالارتفاع التدريجي منذ انتشار وباء كورونا، حيث زاد سعر الطن إلى اليوم من 250 إلى 300 دولار، وأضحى يباع للمستهلك بحوالي 6000 شيكل".

كما طال الغلاء "الذهب"، حيث أكد كمان عثمان صاحب محل مجوهرات شمال قطاع غزة، في تصريح إذاعي، أن سعر الذهب في ارتفاع مستمر، إذ إن سعر جرام الذهب عيار 21 ارتفع الأسبوع الجاري نحو دينار وربع عن الأسبوع الماضي، وأضحى التاجر يشتريه بـ 39.25 ديناراً أردنياً، ويُباع للمواطن من 40.90 ديناراً وحتى 45 ديناراً حسب الصنف.

وأشار عثمان إلى أن الذهب مرشح للزيادة بفعل استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية، حيث أن الأسعار قد تتغير في اليوم ذاته، مبيناً أن سعر الأونصة في فلسطين وصل إلى 2100 دولار، بينما يصل سعرها عالمياً عند مستوى 2000 دولار فقط.

مبررات لأجل الجباية!

وفي غمرة كل ذلك، يرى المختص الاقتصادي د. حسام أبو دلال، أن أزمة الارتفاع في الأسعار برزت منذ بداية العام الحالي 2022، وذلك تحت مبررات واهية وتصدير أزمات على المواطن الفلسطيني، عاداً أن الحديث حول الغلاء عالمي بسبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا "مجرد أكذوبة"، حيث لم تصلنا تداعيات هذه الحرب التي هي وليدة أسبوعين أو ثلاثة فقط.

وذهب أبو دلال إلى القول: "الادعاءات والشعارات الرنانة لا تفيد المواطن العاطل عن العمل أو الخريج بدون وظيفة أو حتى الموظف الذي يتقاضى راتباً ضئيلاً"، معتبرا أن شرائح المجتمع الفلسطيني تختلف ظروفه ومقاييسه عن أي شريحة أو مواطن في العالم.

ولفت إلى أن المواطن الفلسطيني يتعرض لفرض جباية عليه بدون أي مبرر، منوهاً أن السلعة التي ترد إلى غزة لا تكلف ثُلث استيرادها من موطنها الأصلي، لكنه ذكر بالمقابل أن الشحنة الواردة (الحاوية) من الجانب المصري (شركة أبناء سيناء) تُفرض عليها ضريبة من 3000 إلى 5000 دولار، وهي ضريبة عالية بالنسبة لشعب محاصر مثل غزة، وفق لتعبيره.

وأكمل بالقول: "الجانب الفلسطيني يفرض ضريبة من 1000-3000 على الحاوية الواحدة"، عاداً أن المشكلة الحقيقية تكمن في أنه لا يتم التفريق بين السلع الأساسية وبين سلع الكماليات، بحيث تأخذ السلعتين نفس الحيز من الضريبة.

ويرى أبو دلال أن "المسؤولية تقع على عاتق الحكومة في غزة، التي تجبي الضرائب على هذه السلع، لكنها في نفس الوقت لا تُخضِع هذه الجمارك إلى التنمية والتطوير"، مستدلاً على ذلك بأن "هناك فئات كثيرة في المجتمع لا يتم مساعدتها".

وذكر أن التجار يقومون بعملية استيراد السلع وتخزينها، حيث يقومون بعدها باحتكار السلع وقت الأزمات واللعب على التناقضات السياسية، مبيناً أن بضائع شهر رمضان دخلت القطاع قبل شهرين أو ثلاثة، ولدى دائرة الجمارك في غزة إحصاءات بالكميات الواردة، الأمر الذي ليس بحاجة للتفتيش والرقابة على الكميات الموجودة في المخازن، متهماً الحكومة بالتغاضي عن ذلك، لأنها معنية فقط بالجمارك والضريبة طبقاً للمثل القائل "شخلل علشان تعدي"، حسب تعبيره.

واتهم أبو دلال الحكومة في عزة بصناعة الأزمات من خلال رفع قيمة الضريبة على سعر الدخان والمعسل الوارد من معبر رفح، وذلك بهدف إلهاء المواطنين عن ارتفاع أسعار السلع الأساسية.

ومن وجهة نظر أبو دلال، فإن الحل للخروج من أزمة الغلاء والاحتكار التي يعيشها قطاع غزة يتمثل في "الإعفاء من الضرائب والجمارك عن السلع الأساسية وملاحقة التجار المحتكرين للسلع الأساسية في مخازنهم"، داعياً المسؤولين في الحكومة إلى أن يتعاملوا مع هذه الغلاء بقرارات حكيمة تراعي الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها سكان القطاع.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo