أراضي المندوب تشعل الخلاف بين الحكومة وعائلات كبيرة بغزة

الأراضي المندوب بغزة
الأراضي المندوب بغزة

تقود عائلات فلسطينية حملة مستمرة، للدفاع عما تعتبره حقها في ملكية الأراضي المُسماة "الأراضي المندوب" في إشارة إلى المندوب البريطاني إبان احتلال بريطانيا لفلسطين (1917 ــ 1948).

وتصاعد النزاع بين هذه العائلات المعنية الكبيرة "كالأسطل والأغا والفرا والشاعر وزعرب وشعث" وبين الحكومة القائمة في غزة، حيث ترى الأخيرة في "المندوب" أراضي حكومية يجب تسوية أوضاعها قانونياً، الأمر الذي ترفضه العائلات المذكورة.

وتتمثل مطالب العائلات الحائزة على الأراضي المندوب، بإجراء تسوية عادلة مع الحائزين تراعي المدة الطويلة للحيازة المستقرة دون معارضة، والسماح لهم بالحصول على التراخيص والبناء بأراضي المندوب.

و"الأراضي المندوب" تقع جنوب قطاع غزة، تحديداً في منطقة المواصي غرب مدينة خان يونس، وفي القرارة شمال المدينة، وأيضاً في رفح، حيث تمتد كلها على الساحل، وتُقدر مساحتها في خان يونس بـ(ـ6820 دونماً) وفي رفح بـ(ـ2290) وفق لسلطة الأراضي.

وتنقسم الأراضي في قطاع غزة وفق قانون الأراضي العثماني لعام 1858 إلى خمسة أقسام (الأرض الملك، الأميرية، الموات، المتروكة والوقف)، ولكل منها تعريف وخصوصية.

لكن التغيرات السياسية على الأراضي الفلسطينية أفرزت تقسيماً آخر يسمى "الواقعي"، ويشمل سبعة أنواع (المندوب، المحلول، المالية، الأقساط واللاجئين).

 #أرض- المندوب- خط- أحمر

وخلق النزاع القائم حالياً، إجراءات ميدانية وحملات إعلامية عبر "السوشال ميديا" قام بها الطرفان، ولا سيما من أصحاب هذه الأراضي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي عجت بمهاجمة سلطة الأراضي ورئيسها "عماد الباز" الذي عبر عن رفضه -أكثر من مرة- تطويب أراضي المندوب، فضلاً عن أن الصفحة الرسمية للوزارة علقت على منشور على صفحة إحدى العائلات بشكل مسئ، الأمر الذي تم حذفه لاحقاً وتقديم اعتذار من قبل رئيس سلطة الأراضي.

.1.jpg

وأثار الباز غضب أصحاب أراضي المندوب، وذلك في آخر حديث إذاعي له، معقباً على سؤال المذيع حول الهاشتاغ المنتشر على مواقع التواصل "#أرض- المندوب- خط- أحمر" فأجاب "مش فاهم إيش خط أحمر، وإذا بقولوا خط أحمر، فإن هناك مليون خط أحمر بأنها أرض حكومية، ولا يوجد تطويب في أرض المندوب".

ولم يشأ طارق الأسطل رئيس لجنة عائلات أراضي المندوب خلال اتصال مع "زوايا" الزيادة على حديثه المدون على الصفحة الرسمية لـ"أرض المندوب" على الفيس بوك، مكتفياً بالإشارة إلى أن قضيتهم أصبحت قضية رأي عام، حيث بعد مضي خمسمائة يوم على الوعودات بالحل وإنهاء الملف خلال مائة يوم، فإنه سوف يتم اللقاء قريباً مع مُلاك وأصحاب الأراضي غير المطوبة في رفح وخانيونس فوق الأراضي غير المطوبة، للإعلان عن موقفهم النهائي والبات بالخصوص.

ومن جملة ما رد به الأسطل على حديث الباز في تدوينته قائلاً "إن دعاية حركة حماس في العام 2006 أكدت على تطويب الأراضي في رفح وخان يونس"، مشيراً إلى أن الإحتلال البريطاني والصهيوني والسلطة الفلسطينية لم يستطيعوا أخذ الأرض من أصحابها(..) فإذا قوتك قادرة على انتزاعها من أصحابها فافعل، وإن كنت عاجزاً فلا داعي أن تختبر مشاعر الناس وصبرهم"، والكلام موجه للباز.

وأضاف الأسطل "نحن مع الحكومة في إرجاع جميع أراضي التعديات بعد عام ٢٠٠٥ والمعروفة بالأرض الصفراء"، مطالباً كل المعنيين بالتدخل العاجل وعلى رأسهم يحيى السنوار رئيس حركة حماس بغزة، بوضع حد لهذه القضية إما بالتطويب، أو السماح فوراً لملاكها للتصرف بها".

.2.jpg

وفي السياق، فقد علق الأكاديمي المعروف سلام زكريا الأغا نائب رئيس جامعة الأقصى على المنشور السابق للأسطل، بالقول "للأسف الشديد ومن خلال خبرتي الإدارية المتواضعة لأكثر من ثلاثين عاماً، فإن كثيراً من الأخطاء التي لا زالت تقع بها حركة حماس، وهو عدم وجود الخبرة الكافية لدى (بعض) المسئولين الذين يتم تعيينهم في مناصب رفيعة (..) بعضهم لا يصدق نفسه أنه في هذا الموقع والبعض الآخر ينظر بازدراء للآخرين والبعض يتعامل بفوقية محتميا بالقوة وليس بالحكمة المطلوبة".

وطالب الأغا من وصفهم "القادة الحكماء" بوضع حد لهذه المشكلة ووضع الكفاءات المناسبة التي تتعامل مع الجميع باحترام لا بتفوهات تثير الفتن والحزازيات والضغينة بين الحكومة والشعب وفى النهاية يدفع فاتورتها كلا الطرفين، متسائلاً "هل يعلم رئيس سلطة الأراضي أن كثيرا من الأراضي الحكومية، وزعت وبيعت بطريقة مخالفة وغير مدروسة في غير عهده دون النظر لمستقبل الأجيال القادمة واحتياجاتهم؟".

.3.jpg

من ناحيته كتب مأمون أبو عامر في تدوينة له على فيس بوك قائلاً "مشكلة أرض المندوب خرجت عن المنطق، وتحولت إلى نزيف في خاصرة أهلنا في منطقة مواصي خان يونس ورفح، ونزيف في صورة الجهات الحاكمة، وبوابة لإثارة الأزمات الاجتماعية، ندعو الجهات المختصة أن تتحرك لإغلاق هذا الملف على وجه السرعة وبيكفي تأجيل وكل يوم قصة وحكاية!!".

كما كتب عامر في تدوينة لاحقة "اللهم إني بلغت فاشهد!، ما يصدر من بيانات وتصريحات من القائمين على سلطة الأرضي، لغة التصعيد بحق قطاع واسع من أبناء شعبنا الصابر والمحتسب، ولا تساهم بحل المشكلة بل للأسف الشديد تصب الزيت على النار!!".

.4.jpg

 القرار سياسي

أما النائب في المجلس التشريعي عن حركة يحيى موسى، فقد كتب –هو الآخر- تدوينة في صفحته الشخصية على الفيس بوك قائلاً "لا تطلبوا حل مشكلة أرض المندوب من سلطة الأراضي، لأن سقفهم قانوني، والحل سياسي ووطني".

.5.jpg

وأعقبها موسى بالتوضيح لـ"زوايا" أن المشكلة مركبة منذ زمن بعيد، ولذلك يفترض أن تُحال إلى الإطار السياسي الموجود المتمثل في الحكومة في الموقع السياسي والفصائل الفلسطينية في الموقع الوطني، عاداً أن "سقف الحل ليس قانونياً حتى يتم الاحتكام إليه وإنما سياسياً".

وأشار إلى أن أرض المندوب توارثها المواطنون من عشرات السنين، وقابلوا كل أهوال الاحتلال وصبروا وثبتوا على الأرض حفاظاً عليها، حيث أنه من الناحية العملية هذه الأرض لهؤلاء المواطنين ولا تستطيع أي حكومة في الدنيا أن تنزع هذه الأرض منهم، لافتاً إلى أنه لا يصح أن تبقى الأمور عالقة وأن يبقى التطور العمراني والتنمية في هذه الأراضي متوقف.

وعاد موسى ليكرر "القضية تحتاج إلى قرار سياسي مدعوم من كل الفصائل والحكومة، بحيث يتم اتخاذ قرار واضح بتمليك المواطنين لأراضيهم التي هم عليها، وذلك نظير دفع نسبة مالية مقابل حصولهم على (الطابو) لهذه الأراضي".

الوضع القانوني

ورغم أن مشكلة "أراضي المندوب" بقيت عالقة منذ عقود، حيث تعاقب أكثر من حكم على فلسطين عموماً وقطاع غزة خصوصاً، عثماني ثم بريطاني فإسرائيلي ومصري وصولاً إلى السلطة الفلسطينية التي جلبت قبل الانقسام الفلسطيني تمويلاً أوروبياً لإنهاء المشكلة، وأخيراً "حماس" التي أعادت فتح الملف في العام 2013.

وفي التفاصيل، فقد صدر قرار من مجلس الوزراء سنة 2013 لتسوية "الأراضي المندوب، والأراضي المحلول"، بإعطاء نسبة 45% من الأرض لمالكيها عبر شراء هذه النسبة على أقساط طويلة الأمد تمتد إلى عشرات السنين، فيما تعود 55% إلى الحكومة.

هذا العرض لم يلق قبولاً عند الأهالي فجرى تعديله بإعفاء الأهالي من دفع الأقساط مقابل أن يحصلوا على 18% من مساحة الأرض والباقي للحكومة وبـ "تطويب" مباشر، وهو ما رفضه الأهالي أيضاً وتصدوا له بقوة.

ومما يفجر الأوضاع من وقت لآخر، فإن البلديات التي تقودها حركة حماس، ترفض منح المواطنين التراخيص اللازمة للبناء في أراضي المندوب، وتمنعهم من البيع أو الشراء باعتبارها أراضي حكومية، حيث تجدد ذلك قبل نحو أكثر من عام، من خلال قيام سلطة الأراضي بالتعاون مع البلديات والشرطة بأعمال هدم وتجريف لبعض المنشآت المقامة على أراضي المندوب في خان يونس.

وتعقيباً على كل ما سبق، يؤكد المختص القانوني أمجد الأغا في حديث لـ"زوايا" أن تسمية الأراضي المندوب ترتبط بقانون التسوية الانتدابي لسنة 1928 الذي سجل الأراضي كافة في سجلات الطابو وتعذر على السكان تسجيل الأراضي العالية، لأنها كثبان رملية عالية غير صالحة للزراعة وملتصقة بالأراضي المسجلة، وبالتالي ظلت تحت حيازة السكان إلا أنها سُميت باسم المندوب كأمانة لحين استكمال إصلاحها.

وأشار إلى أن الأراضي المندوب تقع ضمن أراضي الساحل في كل من خان يونس والقرارة ورفح وتبلغ مساحتها بين 5000 الى 6000 دونم زراعي، وتتركز ضمن قسائم محددة وحدود جغرافية واضحة تتمثل في شارع وهمي يمتد من دير البلح إلى خانيونس وضعه الإنجليز يفصل الأراضي الحكومية عن الأراضي المندوب التي تقع غرب الشارع.

وذكر الأغا أن سلطة الأراضي تحصر (الأراضي المندوب) في نطاق القسائم من 90 حتى 96 فقط، ويفتقر هذا التصنيف إلى المعيارية الدقيقة وهو عبارة عن اجتهاد مبني على المعطيات الواقعية وقراءة للخرائط والمعالم الديموغرافية.

وأكد الأغا على أن الأساس المعتمد عليه لفرز الأراضي المندوب عن الأراضي الحكومية هو شارع وهمي على الخرائط فقط يسمى (شارع العشرين) أقره الانجليز سنة 1937 ويمتد من رفح لدير البلح ويقع غرب شارع المحررات ببضعة أمتار وفقاً للخرائط وهو شارع متعرج، وما يقع غرب شارع العشرين هي أراضي ملك ومندوب، أما ما يقع شرق شارع العشرين هي أراضي حكومية خالصة لا شك فيها.

ونوه إلى أن السلطة الفلسطينية حاولت حل إشكالية "المندوب"، وبدأت بتسويات في رفح مع عائلات برهوم وزعرب وأبو زهري بنسب قاربت منحهم 25% واسترداد الباقي، وأخفقت باقي الحلول، لافتاً إلى أن مساحات المندوب اليوم اختلطت بالطابو وتجذر بها السكان وتوارثوها منذ أكثر من ١٠٠ سنة وتُوزع الميراث دون تمييز بين المندوب والملك.

ويرى الأغا "أن استناد سلطة الأراضي إلى شرط التسجيل للأرض كسند للملكية ليس منطقياً، لأن الحيثيات والسياقات التاريخية لحيازة هذه الأرض لها خصوصية ولا يمكن الركون للمستندات في مثل هذه الحالة".

وختم الأغا حديثه بوضع مقترحات عديدة لحل النزاع منها "تطويب 80% من أراضي المندوب وخصم 20%مرافق، كما يمكن التطويب لمساحة 50% والباقي تقسط على أقساط تؤول للملكية للحائز بعد خصم حصة المرافق الخدماتية، وكذلك تطويب المساحات الحالية لحائزيها مع مضاعفة قيمة الطابو".

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo