المسألة التايوانية هل تحسنت شروطها لصالح الصين؟

الجزيرة التايوانية
الجزيرة التايوانية

يعتبر اقتصاد الجزيرة التايوانية اقتصاد سوق حر عالي التقدم ويبلغ مستوى ناتجها المحلي حوالي 760 مليار دولار بالقيمة الاسمية لعام 2021، ويعادل حوالي 1.4 تريليون دولار من حيث تعادل القوة الشرائية حيث يبلغ الترتيب الثامن على اسيا والثامن عشر عالميا، وهو ما يوازي نصف قيمة وإجمالي قيمة الناتج لروسيا على التوالي. حيث يعتبر نصيب الفرد من الناتج الاسمي وتعادل القوة الشرائية لعام 2021 حوالي 32800 ، 60000 دولار امريكي على التوالي تقريبا، فهي ضمن الفئة مرتفعة الدخل لتصنيفات البنك الدولي ومجموعة الدول المتقدمة لصندوق النقد الدولي. وتبلغ عمالتها الصناعية وإنتاجها الصناعي حوالي 36% وبطالتها اقل من 4% وشراكات تجارية رئيسية مع الصين والاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة وسنغافورة ودول الآسيان.

نشأة المسألة التايوانية

استطاع الحزب الوطني الصيني الكومينتانج الذي يتزعمه ابو الصين الحديثة صن يات صن عام 1912 القضاء على الملكية التي حكمت الصين الفي عام والتي انهكتها حربي الافيون الاولى والثانية وما تبعها من تدخلات غربية، وسيطر الحزب على بر الصين الرئيسي وقد عانى هذا التوجه القومي الوطني من الشيوعيين الذين ازداد نفوذهم تدريجيا اعقاب الثورة البلشفية واشتدت قوتهم بعد عام 1925 وبلغت ذروتها بداية الثلاثينيات من القرن الماضي وبدت بوادر الحرب الاهلية التي تأجلت بسبب احتلال اليابانيين منشوريا ودخول الصين الحرب العالمية الثانية، ومع نهاية هذه الحرب واشتعال الحرب الاهلية استطاع الشيوعيين الصينيين السيطرة على بر الصين الرئيسي وهي مجمل اراضي الصين وطرد الكومينتانج اي الحزب الوطني الذي تزعمه تشيانغ كاي تشيك الى جزيرة تايوان والتي كانت تحت الاحتلال الياباني منذ 1890، وقد كان ماوتسي تونغ عازما على غزو الجزيرة وضمها لجمهورية الصين الشعبية الا ان الحرب الكورية وتطور مبدأ ترومان حال دون ذلك، فاستمر الحكم الشيوعي للصين وسيطرة القوميين لتايوان حتى الوقت الراهن.

تايوان ليست دولة

كان خروج الصين من الحلف الرأسمالي وانضمامها للمعسكر الاشتراكي حاسما في تطور مبدأ ترومان الذي اعتبر إطلاقه بداية للحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي والذي دفع للتدخل العسكري المباشر مثلما حدث في كوريا وفيتنام لاحقا او غير مباشر مثل الحرب الأفغانية. لقد كان دعم الغرب للوطنيين في تايوان واعتبار شرعية التمثيل لهم للجمهورية الصينية حتى في الامم المتحدة وامتلاكهم لحق النقض الفيتو في مجلس الامن حتى استطاعت جمهورية الصين الشعبية استرداد هذا التمثيل وحق النقض عبر قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 1971 بعد سياسة الانفتاح الامريكي تجاه الصين، الا انه لم يكن هناك اعتراف بها كدولة مستقلة، واستمرت الصين تطالب بحق اعادتها لحضنها حتى اللحظة مع تمسك تايوان بسيادتها الا انها لم تركز على مسألة اعلان السيادة والاستقلال باعتبارها مستقلة عن الصين الشعبية فعلا ويبدو حتى لا يحدث الصدام مع الصين وكان التركيز على التحديث الاقتصادي مما عرف بالمعجزة التايوانية الذي بلغ مستوى متطورا في الصناعة ومنتجات تكنولوجيا المعلومات واشباه الموصلات والبتروكيماويات مما جعل لها مركزا متقدما في دعم قطاعات التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي في كثير من الدول الصناعية الاخرى مما يعزز موقف الدفاع عنها وموقف الغرب من ضم الصين لها وازدادت اهميتها خلال ازمة سلاسل التوريد مؤخرا وارتفاع معدلات التضخم وكذلك حظر الشركات الصينية من العمل على منظومات الجيل الخامس في الغرب، وهذا درس مهم اولى بالتأمل لكثير من الدول التي تبحث عن الاستقلال السياسي الحقيقي. علما ان مساحة الجزيرة صغيرة تبلغ حوالي 36000 كيلو متر مربع فقط وعدد سكان 23.5 مليون نسمة.

هل تنفجر المسألة التايوانية

لم تعد سياسة الاحتواء الذي مارسها الغرب تجاه الكثير من الدول لابعادها عن المعسكر الشيوعي ملحة كما كانت في السابق، نظرا لانتشار المنظومة الرأسمالية الاقتصادية عالميا وانضواء غالبية الدول ضمن التبعية والهمينة الغربية والأمريكية ولان الصدام المباشر سيمس المصالح المباشرة الامنية والسيادية للطرف الاخر كما في حال الصراع في اوكرانيا حاليا واحتمالية الصدام مع روسيا، وكذلك الحال عند اي صراع مباشر في تايوان خشية الصدام مع الصين.

اقرأ أيضاً: دراسة: تل ابيب تخشى خسارة روسيا وفقدان أمنها على جبهة سوريا

ولكن السؤال المهم هل المصلحة الصينية تقتضي صداما مع القوى الغربية وعقوبات اقتصادية وهي المواجهة المفضلة لدى الغرب في اضعاف الخصم وانهاكه اقتصاديا دون اي صدامات عسكرية وهو ما يحقق اهدافهم بالطريقة الاسهل وكبش الفداء دوما ليس من صميم المنظومة الغربية مثل اوكرانيا او تايوان على الاهمية الاستراتيجية والاقتصادية لهما الا ان ادخال الخصوم للشرك الاقتصادي اهون الشرور والطريقة السهلة لتحقيق الاهداف، ويبقى الاختلاف الجوهري بكون روسيا فرعا اقتصاديا في هذا العالم الا ان الصين شريكا أساسيا فهل تستمر المنظومة الاقتصادية العالمية دون صدمات او تصعيد لمستوى صراع اعلى، عسكري مثلا حال استحواذ الصين على تايوان وحصارها اقتصاديا.

ان وقوع قوى عظمى مثل الصين وروسيا تحت العقوبات الغربية سيعجل حتما من تصعيد الصراع للعسكرية واستهداف الشركاء الصغار مثل ايران وتفعيل الدفاع المشترك لحلف شينغهاي او استغلال القوى النووية المارقة مثل كوريا الشمالية، مما سيعجل الصدام الشامل. واخيرا فإن عامل الزمن الاكثر حسما دوما والعامل الاقتصادي يعمل لمصلحة الصين عبر الزمن على عكس روسيا مما سيجعلها على الارجح اكثر صبرا وصمودا في تأخير الصراع مع الغرب واختيار الطريقة الاسهل والمنافسة الاقتصادية لا المنافسة الخشنة، الا ان كان هناك امرا دبر بليل في مظلة حلف سينغهاي.

الانفجار والمتطقة العربية

ان انفجار المسألة التايوانية بعد الازمة الاوكرانية ليس كأي وقت مضى، اذ انه بوادر على صدام عالمي تتواجه فيه روسيا والصين وايران وكوريا الشمالية وغيرها لاحقا مع الغرب مما سيضع المتطقة العربية حرفيا على صفيح ساخن سواء كانت المواجهة العالمية اقتصادية او عسكرية. كما وسيعزز هكذا تصعيد قطعا احتمالية ضرب ايران والقضاء على برنامجها النووي وما يترافق معه من احتدام المواجهة في غزة ولبنان وغيرها مع اسرائيل والعرب على حد سواء. ان الشغل العالمي هو التخوف والتنبؤ بتطورات الحرب وهل سيعاد تشكيل الاقطاب والقوى العالمية بالطريقة الاقتصادية الناعمة كما تجري منذ عقدين لصالح الصين ام بالطريقة الخشنة كما تظهر بوادرها الان. ان الجغرافيا وحدها على الاقل تضع منطقتنا على خط المواجهة الساخن.

ان مما يثير القلق ايضا ملامح الاصطفاف المجاني لبعض القوى الفلسطينية في حرب يريد القوي قبل الضعيف ان ينأى براسه عنها، وقد يأتي وقت قريب تصبح فيه الاصطفافات السياسية والاقتصادية على الاقل اجبارية على القوى في المنطقة مما سيقحمها في آتون المعركة، وقد يشكل ذلك منعطف تاريخي لقضيتنا سواء لما قد يصيب تحولات القوى في المنطقة او اهتمامات واولويات القوى الغربية التي يستمد الغصن الصهيوني قوته منها. كما ان الحكمة الفلسطينية وعدم بيع المواقف المجانية متطلبا ضروريا في الوقت الراهن.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo