حرب المناهج الفلسطينية ..معركة مصير

طلبة المدارس
طلبة المدارس

(1) محو الهوية والذاكرة الفلسطينية

بعد سرقة الارض وتهجير المواطنين ثم فرض قبضتها الحديدية على الاراضي الفلسطينية المحتلة, وبما مارسته من كل اشكال العقاب والخراب وبناء المستوطنات ومصادرة الاراضي , تواصل دولة الاحتلال حربها "المقدسة" والاستراتيجية في محو هوية الشعب الفلسطيني وتشويه تراثه وتاريخه من خلال خطط جهنمية تقوم بها للتأثير على الفلسطينيين وغيرهم, تقوم على غسل دماغ الرأي العام الدولي ومن ثم لاقناعهم بأن الفلسطينيين طارئون لا ماض ولا تاريخ لهم, وأنهم من رعاع الامم المتعطشون للدماء والخراب, والمعارضون للتطور العصري والحضارة المدنية, وأن التاريخ الحقيقي قائم على دولة الاحتلال باعتبارها دولة عصرية حضارية متقدمة !!

وهذه تعتبرها اسرائيل من المهمات الاستراتيجية التي تساعدها في السيطرة واحكام الطوق حول عنق الفلسطينيين وكذلك المجتمع الدولي لخلق رؤية وثقافة جديدة, تجعل من التراث اليهودي وقيام دولة الاحتلال هو منطلق التأريخ الجديد.

لقد استهدفت سياسات دولة الاحتلال الهوية الفلسطينية بكل مكوناتها بما فيها الدين والتاريخ واللغة والعادات والتقاليد .

لقد اعتمدت دولة الاحتلال برامج ومنظومات ممنهجة شاركت فيها كل الاجهزة والمؤسسات , خاصة الامنية والسياسية والتعليمية لفرض تاريخ وواقع جديد يمحو كل ما يتعلق بالفلسطينيين منذ وجودهم على هذه الارض الى يومنا هذا, ويعزز الروايات والاساطير والخرافات الاسرائيلية المستندة الى التوراة والمراجع اليهودية ، فمن خلال فرض المناهج التعليمية على اهل القدس الى محاربة المناهج الفلسطينية, الى السعي الدائم لتشويه صورة الفلسطينيين في المحافل الدولية، تهدف إسرائيل إلى خلق وعي وذاكرة بديلة للشعب الفلسطيني يؤكد على تاريخ اليهود في فلسطين وأحقيتهم فيها.

(2) المناهج التعليمية ..حرب مستمرة

تعتبر المناهج التعليمية الفلسطينية هي النبع الذي تنهل منه الاجيال الفلسطينية علومهم وتاريخهم , لذا فانه كان من اهم واخطر ساحات المواجهة مع الاحتلال الاسرائيلي.

فمنذ الاحتلال عام 1967 عملت اسرائيل بكل طاقتها الى "تنظيف " الكتب والمناهج التعليمية من كل شيء له علاقة بفلسطين واهلها وتاريخها, حتى انها قامت بحذف الآيات القرآنية التي تتحدث عن اليهود والجهاد, او تتحدث عن قوة المسلمين ومدى ارتباطهم وتوحدهم, او عن الاسراء والمعراج والمسجد الاقصى, كما "نخلت" الكتب من الصور والاثار التاريخية التي تعكس الماضي الفلسطيني وافرغتها من مضمونها.

لقد كانت نكسة عام 67 من اخطر المحطات للتأثير على هوية الفلسطينيين واخضاعهم للروايات الصهيونية تحت نشوة الانتصار على الجيوش العربية, غير ان الفلسطينيين سرعان ما فاقوا من الصدمة وبدأوا في جمع شتاتهم وترتيب صفوفهم , ومن ثم أنشأت منظمة التحرير كعنوان للحفاظ على الهوية الفلسطينية وبدأ مرحلة الكفاح العسكري والسياسي ضد دولة الاحتلال والحفاظ على تراث وتاريخ وحضور الشعب الفلسطيني بين الامم.

ثم جاءت مرحلة اتفاقية اوسلو التي أدخلت الشعب الفلسطيني في مرحلة تفكُك بناء على توزعـه الجغرافي بعد أن كان يلتف حول مشروع وطني واحد في مختلف أماكن تواجده، وحول الهوية الوطنية الفلسطينية من هوية نضالية كفاحية إلى هوية مفككـة بنـاء علـى التوزيع الجغرافي . لقد كانت اتفاقات اوسلو كارثة وطنية بمعنى الكلمة, اذا انها شرعت الاعتراف بالاحتلال وتخلت عن 78% من اراضي فلسطين , والزمت السلطة الفلسطينية بتغيير مناهجها التعليمية لتتواءم مع مرحلة "السلام" , ولتضع نفسها عرضة للضغوط الاسرائيلية والغربية لتعديل مناهجها ومحو كل ما يتعلق بالحق التاريخي في فلسطين  ومقاومة الاحتلال.

(3) مناهج اسرائيلية ملغومة

بدأت اسرائيل بتجيير كل المحافل الدولية للضغط على السلطة لتغيير مناهجها , وسخرت مراكز الابحاث والدراسات للبحث والتنقيب في المناهج الفلسطينية وتصيد أي جملة او كلمة او صورة  قد تفيد في الصاق التهمة بالسلطة أنها معادية للسامية وانها تحرض على الكراهية والعنف. وروجت دولة الاحتلال لدى الدول الغربية التي تمول انشطة السلطة أنها عثرت" على مضامين قاسية وخطيرة ضدّ اليهود وإسرائيل في الكتب الدراسية الفلسطينية الجديدة التي أقرتها وزارة التعليم الفلسطينية".

وقد أطلق المعهد الإسرائيلي للسياسة حملة ضدّ محتوى المناهج التعليمية في الأراضي الفلسطينية، التي يتم تمويلها من قبل الاتحاد الأوروبي، حيث طالب المعهد بتجميد الاتحاد الاوروبي تمويل المناهج التعليمية الفلسطينية، تحت مبرر أنّها تحرّض على العنف وقتل الإسرائيليين، وتشجع الجهاد والعمليات المسلحة.

ومن بين الأمثلة التي زوّد بها الإسرائيليون مسؤولين في الاتحاد الأوروبي، احتواء المناهج الفلسطينية على إنهاء دولة إسرائيل وإقامة دولة فلسطين، إضافة إلى تمجيد العمليات الكفاحية، والدعوة إلى شطب إسرائيل عن الخرائط، ومطالبة التلاميذ بالدفاع عن فلسطين بالدماء.

إن المطلع على المناهج التعليمية الإسرائيلية يلاحظ حقيقة الوجهة التربوية في نظرة اليهودي الإسرائيلي إلى نفسه وإلى الأغيار- خاصة العرب، ويرى بالعرب والمسلمين رعاعا وهمجيين, ويلصق بهم العبارات السيئة مثل: الغباء، الفشل، القذارة، التوحش، السطو، وميلهم إلى التخريب لذا يجب قتلهم وابادتهم، وفق قناعاتهم الإسرائيلية.

اما مدارس اليهود المتشددين التي تضم نحو 500 الف تلميذ وتلميذة، فتعتبر ان المستوطنات "اقيمت على انقاض قرى عربية كانت دائما اعشاشا للمجرمين ولمجموعات عربية متعطشة للدماء".وتصف كتب مدارس اليهود المتشددين اسرائيل بانها "محاطة بدول عربية عدوة وهي مثل الحمل في بحر من الذئاب".

ويجتهد خبراء اسرائيليون متخصصون في المناهج التعليمية في استخراج ما يرونه مناقضا لحق وجودهم في ارض فلسطين, ويعملون ليل نهار على تجميع أدلة وبراهين تثبت ان الكتب والمناهج هي عبارة عن قنابل موقوتة !!

المضحك والغريب أن اسرائيل صارت في كل كلمة هاجسا وفي كل صورة تهديدا وفي كل جملة لغما مدفونا !!

فمثلا حينما يتعلم التلاميذ الفلسطينيون مادة الرياضيات تعتبر اسرائيل أن احصاء عدد الشهداء هو نوع من التمجيد , وهذا في نظرهم يعتبر ارهابا , وحينما تتطلب دروس اللغة العربية حينما إيراد كلمات تحمل حرف الهاء، ويأتي مثال: شهيد، هجوم تعتبر ذلك تحريضا واضحا وبينا , وحينما تدرس حقوق الانسان ويأتي مثل الاسرى في سجون الاحتلال يعتبر ذلك من "الموبقات" التي تناقض مفهوم السلام !! 

ان مجرد ذكر القادة والشهداء ورموز الشعب الفلسطيني في المناهج التعليمية او اطلاق اسمائهم على مدارس ومراكز ومستشفيات ومؤسسات يعتبر "خطا احمر" يصيب دولة الاحتلال بالرعب من وجود ثقافة تعمل على ابادة اسرائيل وقتل اليهود!

وفق الرؤية الاسرائيلية فان وجود خريطة فلسطين في المناهج التعليمية تشكل خطرا داهما ينبغي اقتلاعه , وان وجود العلم الفلسطيني هو نوع  الترويج لدولة لا وجود لها , كما ان نشر بعض الطوابع الاثرية التي تحمل اسم فلسطين يعتبر تزويرا للتاريخ !!

ومن المضحكات المبكيات أن هناك اصرارا على استخدام كلمة "يقطين" بدل "فلسطين" واستبدال خريطة فلسطين بالثوب الفلسطيني التقليدي، وكلمة "الأسير" بالأمير، والاحتلال بالبلدية، إضافة إلى اعتبار مدن القدس وحيفا ويافا وغيرها مدناً إسرائيلية.

ولان الغرب المسيحي لديه "عقدة" تجاه الاسلام فان اسرائيل تحاول ان تستغل هذه العقدة في اقناع الغرب ان المناهج الفلسطينية ذات علاقة وثيقة "بالارهاب الاسلامي ", حين تزعم أن هذه المناهج تعتبر أن التضحية بالنفس من أجل الإسلام قيمة كبيرة، وان الذين يستشهدون في سبيل قضيتهم هم ابطال ينبغي تبجيلهم

(4) الغرب.. الكيل بمكيالين

ويبدو ان الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي اغمضوا اعينهم-عمدا- عما تحتويه المناهج التعليمية الاسرائيلية التي تنضح بكل معاني الكراهية والحقد ضد الفلسطينيين وتعتبرهم اعداء يستحقون القتل والابادة, كما تناسى كل ما حملته المناهج الاسرائيلية من مضامين عنصرية ومحو للوجود الفلسطيني من اصله في بلاده ووطنه.

ان بعض مراكز الابحاث الحيادية –خاصة الغربية منها – قد قامت بجهد كبير في تنقيح المناهج الفلسطينية والتنقيب فيها عما تزعمه اسرائيل من وجود مضامين مناهضة لها ولوجودها,  

فوزارة الخارجية الأمريكية , ومن خلال خبراء وباحثين أمريكيين، خرجت باستنتاجات واضحة وحاسمة ان المنهاج الفلسطيني لا يحتوي على عبارات تحريضية ولا مضامين عنصرية او دعوات للقتل، لكنّ إسرائيل رفضت مخرجات الباحثين"

لكن مع شدة واستمرار الضغط الاسرائيلي والالحاح غير المنقطع خضعت الولايات المتحدة والدول الأوروبية وألزمت وكالة الغوث بتعديل مناهجها بما ينسجم مع مبادئ الأمم المتحدة. كذلك اشترط الأوروبيون على الوكالة الأممية ذلك لمواصلة الدعم المالي.

ويبدو أن الاتحاد الأوروبي تساوق مع الادعاءات الاسرائيلية وقال انه سيشرع في التحقيق فيما يصفه بالتحريض في المقررات التعليمية والمناهج الدراسية الفلسطينية، لا سيما في قطاع غزة, حتى انه ذهب بعيدا حينما دان وكالة الغوث "الأونروا" في الأراضي الفلسطينية، على خلفية احتواء الكتب المدرسية على مواد تحضّ على العنف والكراهية، وانها تناقض مفاهيم السلام والتعايش والتسامح.

وللاسف فان وكالة الانروا المنوط بها حماية اللاجئين والدفاع عن حقوقهم سارعت لتنفيذ ما املته عليها الولايات المتحدة واوروبا وقيدت نفسها بما يسمى بمبدأ "الحياد" , وأعدّت الوكالة الأممية دراسة للمناهج الفلسطينية، أدخلت عليها نحو 55 تعديلاً، جاءت في 65 صفحة.

والغريب والمستهجن أن وكالة اللاجئين تصنّف بعض المواضيع الحساسة وذات العلاقة بتاريخ وهوية ومصير الشعب الفلسطيني بأنها تخضع لمبدأ الحياد , مثل حق العودة للاجئين، كما أنها وضعت قيوداً على استخدام آيات قرآنية معتبرة أن ذلك يشكل خرقاً لهذا المبدأ، وطلبت استبدال سؤال حسابي حول المسافة بين مدن فلسطينية في داخل الاراضي المحتلة عام 48، بالمسافة بين مدن في قطاع غزة", كما انها قامت بتغيير بعض المصطلحات الوطنية وعاقبت بعض الموظفين لانهم لم يلتزموا بتعليم الطلاب بتغيير المصطلحات.

(5) حرب لا تنتهي

ان الحرب على المناهج الفلسطينية لن تنتهي الا بانتهاء الاحتلال لان اسرائيل تعتبرها مفصلا فارقا في وجودها واستقرارها وقبولها في المجتمع الدولي, لذا كان من المطلوب ان يقف الفلسطينيون الذين هم في خط الدفاع الاول ضد هذه المحاولات المحمومة والتصدي لها بكل الوسائل, لان انتصارهم في هذه المعركة يعني انتصارهم لحقهم في الارض ودحض كل الخرافات والاساطير الصهيونية.

انها معركة تستدعي تجنيد كل الطاقات والموارد والوقوف صفا واحدا في مواجهة الاحتلال , ومن الواضح ان الفلسطينيين يمتلكون الكثير من الاوراق والوثائق ما يمكنهم – بكل سهولة اثبات حقهم في فلسطين واثبات ان دولة الاحتلال لا مقام لها هنا.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo