"حملة طرد الفلسطينيين" من "دويتشه فيله"..إجراء غير مسبوق لإسكات الحقيقة

مقر دويتشه فيله
مقر دويتشه فيله

"حملة تطهير عرقي".. هكذا وصف موظف عربي في شبكة "دويتشه فيله" الألمانية، ما تقوم به الأخيرة، بعد أن أن أقدمت الأخيرة، خلال أسبوعين، على فصل "سبعة من موظفيها"، معظمهم فلسطينيون، بتهمة نشر آراء "معادية للسامية" على حساباتهم في فيسبوك، و"رفض حق إسرائيل بالوجود".

وأحدث عمليات الفصل استهدفت قبل يومين، الإعلاميين زاهي علاوي وياسر أبو معيلق، وهما فلسطينيان يحملان الجنسية الألمانية.

كيف بدأت الحكاية؟

الإعلامية الفلسطينية مرام سالم، هي من بين المفصولين من "دويتشه فيلله"، تتحدث لموقع "زوايا" ما حصل معها؛ إذ أوضحت أن الحكاية بدأت عندما كتب صحفي ألماني تقريراً في صحيفة "زود دويتشه تسايتونج"، وقد ذكر إسم مرام وأربع من زملائها، وقد اتهم "دويتشه فيلله" بأنها توظف أناساً "مُعادين للسامية ولوجود إسرائيل".

وأكدت مرام سالم أن الصحفي الألمانية المذكور، قد نوه في تقريره إلى منشور قد كتبته مرام على صفحتها "الفايسبوكية"، حيث كانت قد انتقدت فيه واقع حرية الرأي والتعبير المشروط في أوروبا، وقد ذكرت مرام في منشورها: "حرية الرأي والتعبير في أوروبا وهم.. خطوط حمراء كثيرة، فإن قررنا الحديث عن القضية الفلسطينية، يمكن أن ينتهي الأمر بنا بالفصل والطرد".

تحقيق داخلي ثم خارجي مع سبعة صحفيين..ثم فصلهم!

وأشارت مرام إلى أن منشورها كتبته، بينما كانت على رأس عملها في" دويتشه فيلله"، لكنه لم يشتمل هذا المنشور على أي انتقاد واضح لإسرائيل، ولم يظهر أي معاداة "للسامية"، وفق مفهوم إسرائيل..وتطور الأمر بعد تقرير الصحفي الألماني، أن قامت "DW" بإجراء تحقيق داخلي، وتم إيقاف مرام وزملائها الأربعة عن العمل مدة شهرين، ثم بعد ذلك خضعوا لتحقيق خارجي من قبل وزيرة العدل الألمانية السابقة إضافة إلى طبيب نفسي يُدعى أحمد منصور، وهو إسرائيلي ألماني، ومعروف بمواقفه المعادية للفلسطينيين والمسلمين في ألمانيا وعموم أوروبا.

لماذا لم تكن لجنة التحقيق الخارجي "مهنية"؟

اللافت أن زوجة الطبيب أحمد منصور، هي نفسها التي تقوم بكتابة البروتوكول الخاص بالتحقيق الخارجي، وهو ما اعتبرته مرام سالم أمراً غير مهني ويفتقر للموضوعية، نظراً لتقاطع المصالح داخل اللجنة، وصلة القرابة بين كاتبة البروتوكول والطبيب النفسي الذي يشارك في التحقيق، عدا عن آرائه المعروفة سلفاً.

اقرأ أيضاً: خلاف بين التشريعي والقضاء الشرعي حول قرارات تخص المرأة بغزة

ثم خرج القرار من لجنة التحقيق الخارجية في السابع من الشهر الجاري، بفصل مرام وعدد من زملائها، مع توصيات عدة بينها مقاطعة شراكات مع وسائل إعلام فلسطينية وعربية، مع إشارة القرار إلى استمرار التحقيق، في هذه الأثناء، مع ثمانية صحفيين آخرين لم يتم ذكر اسمهم، ولكن تم مراقبة صفحاتهم واستخراج منشورات منها عبر سنوات.. وقبل يومين، صدر قرار آخر بفصل زاهي علاوي المنحدر من بلدة سبسطية بنابلس، وياسر أبو معيلق من قطاع غزة.

وتنحدر مرام من مدينة دورا بمحافظة الخليل، وعملت في "دويتشة فيلله" مدة عامين، قبل أن يتم فصلها مؤخراً، وتركز عملها على إنتاج فيديوهات (إنسانية وإجتماعية) لقسم "الأون لاين" في DW، فضلاً عن كتابتها مقالات عدة.

ومن بين الصحفيين السبعة الذين تم فصلهم حتى الآن، أربعة فلسطينيين ولبنانيان، إضافة غلى صحفي سوري. بينما أغلب الصحفيين الذين يتم التحقيق معهم في هذه الأثناء هم فلسطينيون.

وبينت مرام سالم، أنه لم يتم التحقيق معها بخصوص منشورات أخرى كتبها على فايسبوك، فيما تم سؤال زملائها الآخرين عن منشورات كتبوها قبل عملهم في DW. وأكدت مرام أنها لا تعلم تفاصيل التهم الموجهة لها؛ لأنه تم الإكتفاء بالقرار الصادر بحقهم، "بأنه تم فصلكم لأسباب مهمة"، دون ذكر تفاصيل الأسباب والتهم.

فصلها وزملائها من "دويتشه فيلله"..أكد منشورها الفايسبوكي

وشدد مرام في حديثها لـ "زوايا"، أن مؤسسة "دويتشه فيله" أكدت صحة ما جاء في منشورها الذي انتقدت فيه سابقاً "الإزدواجية الأوروبية في حرية الرأي والتعبير"، ما يعني أن حرية التعبير بألمانيا مقوضة. وأشارت إلى أن وسائل الإعلام الألمانية المختلفة تجردت من المهنية حينما تابعت القضية، حيث أخذت رأي لجنة التحقيق الخارجية دونما أي اعتبار للرأي الصحفيين المفصولين، وهو ما يمسّ بالعُرف الإعلامي المعهود، والذي يشدد على ضرورة أخذ وجهتي النظر. كما وتمادى الإعلام الألماني حينما نشر أسماء الصحفيين، في انتهاك صارخ للمبادئ الإعلامية والحقوقية.

سيواجهون "قانونياً" الفصل التعسفي

وحول الخطوة التالية من مرام وزملائها المفصولين، قالت إنهم سيتوجهون إلى الخيار القانوني لأن ما حصل بحقهم هو انتهاك لحرية التعبير، وتم التشهير بهم من قبل الإعلام الألماني.

وتابعت: "التوجه للقضاء هو خطوة يجري اتخاذها لإنصافنا، واتمنى ان يكون القضاء الألماني قادراً على انصافنا وأن يعيد روح حرية التعبير للإعلام الألماني".

وحذرت مرام سالم من أن حالة من الترهيب الواضح تترسخ في ألمانيا، وهو ما يضع الإعلامي ضمن رقابة ذاتية بدأت بالإنتشار، حتى "على مستوى الحديث مع الصحفيين المفصولين".. فقد أوضحت مرام أن زملاءها الصحفيين الألمان والعرب الذين هاتفوها للإطمئنان عليها، طلبوا منها ألا تذكر اسمهم بأنهم تواصلوا معها!

ورفض صحفيون فلسطينيون آخرون طالهم قرار الفصل، أن يتحدثوا لـ "زوايا"؛ بسبب عدم رغبتهم بالكلام للإعلام في هذه المرحلة، كونهم يتحضرون للتوجه القانوني رداً على قرار فصلهم. وبينوا أنهم سيتكلمون "حينما ينتهي النزاع القانوني، ويصدر القرار النهائي".

اقرأ أيضاً: شبح البطالة يخيم على مهنة الصحافة والإعلام بغزة

واكتفى أحدهم بالقول: "للأسف لم يكن أحد يتوقع هذا التعامل مع ناس ملتزمين بمعايير المؤسسة المهنية وأهدوها جزءا كبيرا من حياتهم".

صحفي يخشى المصير نفسه..يتحدث لـ "زوايا"

لكنّ موظفاً لا زال على رأس عمله في "دويتشه فيله"، وافق على الحديث لموقع "زوايا" عن بعض المعطيات الهامة، شريطة عدم ذكر إسمه.. وقد عبر عن مخاوفه من أن يطوله القرار، مشيراً إلى أن "الحبل على الجرار، والتهمة العداء للسامية، والوضع غير مسبوق فعلا".

وبين أنه توارى عن الأنظار في الفايسبوك منذ فترة طويلة، كونه مكان "للتجسس على البشر وإيقاع الأذى بهم". وكشف عن فصل مراسلين ل"DW" في بيروت وتونس، للأسباب ذاتها.

وتابع: "الوضع صعب عليّ، ولا أحد من النقابات يدعمني، والكل خايف وكأننا جربانين، أخشى أن أكون المفصول التالي. أحاول ان أجمع أناساً للتضامن معنا لكن عددهم قليل".

ووصف هذا الإعلامي، أن ما يجري "مخزي فعلا، وهذا في مكان إعلامي ينادي بحرية الرأي والتعبير. هذه هجمة شرسة على الإعلاميين الفلسطينيين في الغرب".

وشدد على أن الإعلام الغربي هاجم الإعلاميين المفصولين، ورفض حتى يسمع أي صوت له علاقة بفلسطين، و"كل هذا بمساعدة بعض الأخوة العرب الذين كانوا يجمعون كل منشورات الفيس ويحفظونها لتقديمها لإدانة الزملاء. هذه هي الحقيقة المرة".

التحقيق الآن مع أحد عشر صحفياً الآن..معظمهم فلسطينيون

وعلم موقع "زوايا" أنه يجري في الأثناء التحقيق مع نحو أحد عشر صحفياً يعملون في "دويتشه فيله"، معظمهم فلسطيينون؛ بحثاً عن إدانتهم وفصلهم بتهمة "معاداة السامية". مع العلم أن هذا التعبير استولت عليه إسرائيل، بالرغم من أن العرب هم أيضاً من أصل "سامي"، بمنظور الحضارة الإنسانية.. فكيف يمكن لهم معاداة الجذر السامي؟!

بدروها، أكدت نقابة الصحفيين الفلسطينيين متابعتها لما يجري في "دويتشه فيله" من فصل تعسفي بحق خيرة من الصحفيين الفلسطينيين والعرب وفض الشراكات مع وسائل إعلام فلسطينية بينها تلفزيون "فلسطين"، لإسكات صوت الحقيقة، ونصرة رواية الإحتلال.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo