الفلسطينيون والحياد

فلسطينيون يرفعون علم فلسطين
فلسطينيون يرفعون علم فلسطين

يمكن لأي مجموعة من أي شعب أن تتعاطف مع أي حدث عالمي، وأن تعلن ذلك على الملأ دون أن تترتب على ذلك أي عواقب، لا على ذات المجموعة، ولا على بقية الشعب الذي تنتسب إليه هذه المجموعة، على اعتبار ذلك جزءاً من حرية التعبير الطبيعية، يحدث ذلك في كل أحداث العالم تقريباً، فحينما ينشب أي نزاع بين مجموعة من الدول، يمكن للشعوب حتى داخل الدول المتحاربة ذاتها أن تبدي مواقفاً على خلاف مواقف دولها، دون أن تتعرض لعقاب جماعي، أو حتى مجرد تهديد لمصالحها، أو حقها في التعبير، وبالمثل لو أبدت مجموعة شعبية ما في دولة ما مواققاً رافضة لحرب بين دولتين، وترى في إحداهما معتدية، والأخرى معتدى عليها، فإن مثل هذه المواقف لا تُنتج ردات فعل ضد مجموع شعب تلك المجموعات.

لا يحدث مثل هذا في دولنا العربية، حيث من المستحيل تقريباً أن تخرج أي تظاهرة تمثل مجموعة شعبية ما لتهتف ضد سياسة دولتها إن كانت في لحظة حرب مع دولة أخرى، بل ربما يتم توصيف مثل هذا السلوك كخيانة وطنية، تستوجب رداً عنيفاً من قِبل الدولة، ويمكن لها أن تفعل ذلك دون خجل، وتراه عقاباً مشروعاً لمجموعة خائنة، حتى لو كانت الحرب بين دولتين أخرتين فإن دولنا العربية لا تسمح لشعوبها بالتظاهر ضد موقفها الرسمي من تلك الحرب.

اقرأ أيضاً: بروفيسور يكشف عن وثائق سرية تؤكد ملكية النقب لسكانها

هذا هو واقعنا العربي دون تجميل، ودون خداع، وفي حالتنا الفلسطينية تحديداً هناك عامل إضافي آخر،،، نحن لسنا دولة بعد، وبلا وطن تقريباً، وشتاتنا موزع على العديد من الدول العربية، كما أننا في مرحلة لا نستطيع فيها الاستغناء عن دعم الدول العربية، أياً كانت وجهة وغايات هذا الدعم، وهذا يفرض علينا معادلة أكثر تعقيداً من تلك التي تخضع لها بقية الدول العربية، حيث من المتوقع- وهذا ماحدث فعلياً من قبل- أن ندفع ثمن أي موقف يمكن لنا أن نتخذه، وفي أي اتجاه، فكل موقف له في الجهة المقابلة رافضون، يمكن لهم أن يغضبوا منه، ومن ثم يحملون كل الفلسطينيين ثمنه، بخلاف ما يحدث في الدول المتحضرة، التي تختلف فيما بينها، دون تهديد رعايا دولها من مخالفيها، وتخرج فيها التظاهرات الشعبية على غير موقف الدولة، ضد نزاعات مجاورة، أو نزاعات دولية، حيث تسعى الشعوب هناك للضغط على حكوماتها للتدخل لصالح موقف ما، أو على الأقل لإبداء موقفها كشعوب من تلك النزاعات.

في تاريخنا الفلسطيني القريب هناك عدة أمثلة تورطت فيها جهات فلسطينية في مواقف سياسية تتعلق بالنزاعات العربية العربية، كلها تقريباً دفع الفلسطينيون ثمنها بشكل أو بآخر، وكلها يعرفها كل الفلسطينيين، بدءاً بالموقف من اجتياح صدام حسين للكويت، والذي أدى إلى طرد أكثر من نصف مليون فلسطيني من الكويت، ليعيدوا رسم مشهد اللجوء، وليدفع من لا تربطه بالسياسة أية رابطة ثمن مواقف ربما لو سألته لعارضها، لكن العقاب طال كل ما هو فلسطيني، ولم يقتصر على معاقبة الجهة صاحبة الموقف، أو مقاطعتها مثلاً، بل دفع كل الفلسطينين هناك ثمن مجرد موقف سياسي اتخذته القيادة الفلسطينية في حينه.

في سوريا أيضاً أقحمت بعض الجهات الفلسطينية أنفها، فماذا كانت النتيجة؟ في مصر تعاطفت حركة حماس مع الرئيس مرسي، فتعرضت غزة للتضييق الذي لا تزال آثاره حتى اللحظة.

باختصار:

حتى اللحظة لا يعترف الواقع العربي بحق الشعوب في إبداء تعاطفها، أو مواقفها من أي حدث بما يخالف موقف الدولة، ولا تزال الدول العربية ترى في ذلك تدخلاً في شئونها الداخلية، وفيما يخصنا نحن الفلسطينيين فإننا لا نستطيع تحمل تبعات تلك المواقف التي يمكن تصنيفها كتدخل في الشئون الداخلية للدول، لأننا بوضوح لا نمتلك دولة تحمينا، وشتاتنا سيدفع الثمن من استقراره، حتى نحن المتواجدين داخل فلسطين سندفع ثمن أي موقف يمكن اعتباره تدخلاً في شئون الدول العربية، أو انحيازا لجهة دون جهة.

نحن الفلسطينيين لنا وضع خاص، ويمكن لنا أن نُفهم ذلك لكل أصدقائنا، لا تطلبوا منا مواقفاً تعرضنا لمخاطر لا نستطيع تحمل تبعاتها، نحن من دون كل الآخرين تحت الاحتلال، ولا طاقة لنا بأي ردات فعل تعرض شتاتنا وبقاءنا للخطر، لذلك نحن على الحياد، ولا يجب أن نتدخل في أي شأن داخلي لأي دولة عربية، ولا أن ننحاز إلى دولة على حساب دولة، ولا إلى طرف على حساب طرف آخر داخل أي دولة، نحن بحاجة إلى كل العرب، ومن مصلحتنا أن نبقى على وفاق مع الجميع، ما دون ذلك من الصعب أن يمر بدون ثمن يدفعه شعبنا، ومن المؤكد أنه لا يحق لأي مجموعة أن تجلب على شعبنا ما لا يطيقه.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo