خلافاً للرواية الإسرائيلية

بروفيسور يكشف عن وثائق سرية تؤكد ملكية النقب لسكانها

صورة من المواجهات مع الاحتلال الإسرائيلي
صورة من المواجهات مع الاحتلال الإسرائيلي

في الوقت الذي يتعرض فيه بدو النقب في الداخل المحتل حالياً إلى عمليات إسرائيلية تستهدف اجتثاثهم من أراضيهم بحجة تشجير النقب، فقد كشف الكاتب الإسرائيلي في صحيفة هآرتس العبرية نتعئيل بندل، عن بحث معمق أجراه البروفيسور غادي الغازي، من قسم التاريخ في جامعة تل ابيب، أثبت فيه أن بدو النقب تعرضوا لعملية عسكرية قادها آنذاك موشيه ديان رئيس المنطقة الجنوبية، بهدف فصل البدو عن أراضيهم بالقوة، وهو أمر مثبت في الأرشيف العسكري الإسرائيلي الذي تم الوصول إليه خلال إجراء البحث.

ويقول الكاتب الإسرائيلي، إن الهدوء الذي يسود في قرية العراقيب في النقب غير المعترف بها من قبل الحكومة الإسرائيلية، يجري على بعد 30 كم منها مواجهات بين البدو وجيش الاحتلال حول عملية تشجير الأراضي التي تهدف لنقل البدو الموجودين إلى أماكن أخرى، تنفيذاً لتوصيات موشيه ديان، الذي اعتبر أن بقاء البدو في النقب على وضعهم سيهدد أمن "إسرائيل" مستقبلاً، ولذلك يجب طردهم حتى ولو بالقوة العسكرية. 

واستدرك أنه رغم هدوء الوضع على السطح، لكن الحقيقة أن ما تسمى وزارة العدل "الإسرائيلية" تشخص قضية أخرى متفجرة، أكثر من قضية التشجير، وهي قضية "ملف استراتيجي وطني"، كما يصفونها في الوزارة.

وأشار الكاتب إلى أن هناك دعوى حول ملكية البدو لأراضٍ في النقب قامت "اسرائيل" بمصادرتها بعد النكبة. ودعوى أخرى من شأنها، مثل كل سابقاتها، أن ترفض، لافتاً إلى أن ما تسمى "وزارة العدل" تعتقد أن فوز الدولة بهذه القضية سيؤدي إلى نهاية دعاوى الملكية للبدو في النقب، وحسب رأيهم هذه هي القضية الأخيرة.

وأشار الكاتب الإسرائيلي إلى أن ما كشفه البروفيسور الغازي، في بحثه، ربما سيغير القصة في المحكمة، نظراً لوجود وثائق رسمية تنفي الرواية الاسرائيلية القائمة على أن سكان العراقيب غادروا أراضيهم طوعاً، وأن ما حصل هو أمر مدروس ومخطط له من أعلى المستويات السياسية الاسرائيلية، وبإشراف من اللواء موشيه ديان قائد المنطقة الجنوبية، بهدف فصل البدو عن أراضيهم بالقوة، وأن نقل البدو من أماكنهم سيلغي حقهم كأصحاب للأرض، وسيكونون مستأجرين لأراضي الدولة"، كما كتب ديان بحسب ما جاء في وثائق الأرشيف الإسرائيلي.

اقرأ أيضاً: هكذا يهدد قانون "المواطنة" الإسرائيلي عائلات فلسطينيي الداخل المحتل

وأشار الغازي في رسالة أخرى عثر عليها للحاكم العسكري قال فيها:" رفض البدو الانتقال والتنبؤ بأنه إذا لم يتم نقلهم بإرادتهم فان الجيش سيضطر إلى نقلهم". وحتى إذا كانوا في وزارة العدل يؤمنون بأن هذا الملف سينتهي مثل سابقيه فانه توجد احتمالية بأن هذه المواد التاريخية يمكن أن تصبح سابقة قضائية، مع تداعيات أكبر من اعتراف محتمل بإحدى القرى.

وأشار الكاتب إلى أن من يرى قرية العراقيب أو ما تبقى منها في النقب فمن السهل أن يرى خرائب للبلدة. والمقبرة القديمة، التي توجد فيها، هي ربما الشاهد الأكثر وضوحا على الحياة التي كانت هنا.

ونوه إلى أن "الجيش الإسرائيلي" قام عشرات المرات بإخلاء هذه القرية التي تمتد على مساحة 2000 دونم تقريبا. وسكانها يعودون إليها ويبنون، والآن توجد هنا خيمة ولافتتان تجاريتان، إحداهما تستخدم كمأوى من أضرار الطقس أكثر مما تستخدم لتوجيه الحركة.

ونوه البروفيسور في بحثه إلى أن قصة قرية العراقيب هي قصة الشتات البدوي، حيث عشرات آلاف الدونمات، التي عاشوا وما زالوا يعيشون فيها، لكن غير معترف بها من قبل "إسرائيل"، علماً أنهم (سكان العراقيب في النقب، قد تركوا أراضيهم في فترة الحرب (48)، ولم يعودوا، وهذه الأراضي تمت مصادرتها من قبل "إسرائيل". 

ومن ثم جاء قانون "شراء الأراضي" الإسرائيلي في العام 1993 والذي حول ذلك إلى وضع مستمر. وينص القانون الإسرائيلي على أن الأراضي التي تمت مصادرتها سيتم نقلها إلى سلطات الدولة إذا لم يكن أصحابها العرب، الذين ما زالوا يعيشون في "إسرائيل"، فيها بين 15/5/1948 و1/4/1952. مع شرط آخر هو أنه في تلك الفترة الزمنية تمت مصادرة الارض لغرض "تطوير ضروري" وما زالت تستخدم لهذا الغرض.

ولفت إلى أن "إسرائيل" صادرت فعليا 247 ألف دونم في النقب، لكن 66 ألف دونم منها لم يتم استخدامها حتى الآن. 

وتابع ، أن مصادرة الأراضي أدى إلى موجة دعاوى من قبل البدو، لكن هذه الدعاوى تم رفضها مرة تلو الاخرى. "إزاء الطابع الخاص لقانون الشراء والظروف التاريخية الفريدة التي أدت إلى سنه، لا يوجد الآن مجال للاستئناف على شرعية المصادرات التي تمت بقوة هذا القانون"، هذا ما كتبته المحكمة العليا في القرارات القضاة الثلاثة فيما يخص عائلات أبو فريح والعقبي ودينار. 

في أحد القرارات قال قاضي المحكمة العليا، آشر غرونس، إنه رغم أن السلطات موجودة لمناقشة كل حالة من هذه الحالات إلا أنه "في نهاية المطاف من الناحية العملية القرار هو قرار نظري بدرجة كبيرة".

نظري، ولكنه أمر محتمل. بالتأكيد عندما ينضم الى ذلك الآن ادعاء جديد بأن المصادرة نفسها كانت غير قانونية. يشار أيضا إلى أنه أصبحت هناك شهادات على أن السكان لم يغادروا ولم يهربوا، بل تم طردهم بالقوة من قبل الجنود. ولكن الآن في أعقاب بحث البروفيسور الإسرائيلي الغازي فان الحديث لا يدور فقط عن شهادات البدو، كما يبدو، فهناك أيضا إثباتات على خطة منظمة للدولة في هذا الموضوع.

الانتقال لفترة قصيرة

وأشار البروفيسور الغازي في بحثه إلى شهادة اسماعيل محمد سالم أبو مديغم، الذي ولد في العام 1939 في قرية العراقيب، أمام المحكمة بالقول :" "خفنا من هجمات الجيش، وانتقلت عائلات في المحيط إلى أرضنا كي تكون أقل عرضة للهجمات، وبعد انتهاء الحرب عادت العائلات إلى أراضيها".

وتابع في شهادته، أن الحاكم العسكري جاء إلى القرية للتحدث مع جده، وأمره بالانتقال لفترة قصيرة، بحجة أن الجيش يخطط لإجراء تدريبات في المنطقة وبعد ذلك يمكننا العودة". وبالفعل تم نقلهم إلى مكان آخر على بعد مسافة 300 متر عن أراضيهم. وبعد ذلك عادوا إلى العراقيب وفيما بعد اشترى بيتا في رهط، غير بعيد عن أراضي العائلة. "في هذه الفترة لم اعرف أنه يوجد ادعاء للدولة بأن الارض ليست لنا، أو أنه تمت مصادرتها".

ولكن عندما بدأت عمليات الاخلاء المتكررة عرف، مثل سكان المكان الآخرين، بأن اراضيهم لم تعد لهم، ولم يكن ذلك من ناحية الدولة.

وأشار إلى أن العراقيب تحولت في العقد الأخير إلى راية لنضال البدو من أجل ملكيتهم في أراضي النقب. وعشرات المرات جاءت قوات الجيش، وقاموا بإخلاء من اعتبروا غزاة، ومن يعتقدون أن هذه هي أراضيهم وأن هذا وطنهم. ولكن قرار الحكم الذي أصدره غرونس أعطى للعائلات الأمل أيضا.

وتابع، أن عائلة أبو مديغم وعائلة ابو فريح قدمت دعاوى ملكية على الـ 2000 دونم في العراقيب للمحكمة المركزية في بئر السبع بواسطة المحامي ميخائيل سفارد والمحامي كارمل كومرنتس، وقبلها تقدمت قبيلة أخرى في المنطقة بدعوة وتم رفضها، علماً أن في تلك الدعاوي لم يكن الرأي التاريخي للغازي موجوداً، والآن يمكن استخدامه في الدعاوى القضائية للحصول على الأراضي التي انتزعت منهم.

العملية العسكرية الأولى في النقب

وكشف الغازي للمرة الاولى عن العملية العسكرية التي انطلقت في تشرين الثاني 1951، وهي عملية واسعة النطاق لقيادة المنطقة الجنوبية بمصادقة رئيس الأركان في حينه، يغئال يدين، لإخلاء البدو ونقلهم إلى منطقة أخرى في النقب، تحت مبررات أمنية؛ مستدركاً أنه كان هناك هدف آخر وهو فصل علاقتهم بالأرض.

وأوضح الغازي أن الرأي الذي تم تقديمه يثبت بأن ما تم نفيه في الكنيست بصورة صريحة من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك دافيد بن غوريون حدث. وأكد أنه تم إجراء نقل منظم للبدو من شمال غرب النقب إلى الشرق، إلى مناطق قفراء بهدف السيطرة على أراضيهم"، وأن العملية تمت من خلال استخدام التهديد والعنف والرشوة والخداع".

ويقول البروفيسور الغازي، أنه البحث الذي استمر ثمانية سنوات متنقلاً بين وثائق أرشيف وزارة الجيش والكيبوتسات في النقب، قادتني إلى رسالة أرسلها ديان في 25 ايلول 1951 إلى القيادة العامة. "يمكن الآن نقل معظم البدو الذين يوجدون في محيط كيبوتس "شوفال" إلى مناطق تقع جنوب شارع الخليل – بئر السبع"، وكتب قائد المنطقة الوسطى في حينه. "بهذه الطريقة سيتم إخلاء 60 الف دونم تقريبا من أجل فلاحتها وإقامة قرى عليها. بعد عملية النقل هذه لن يكون هناك بدو في شمال شارع الخليل – بئر السبع".

اقرأ أيضاً: "المركزي"..إختبار حقيقي لوحدة مكونات منظمة التحرير؟

وأضاف الغازي، عثرت على نص رسالة ديان الحرفية في الأرشيف تقول: "نقل البدو إلى مناطق جديدة سيلغي حقهم كأصحاب للأراضي وهم سيكونون مستأجرين للأراضي من الدولة، هكذا حرفيا".

ويضيف الغازي: أن ديان المتحايل الذي اعتقد أنه نجح في تسوية عملية نقل البدو بمساعدة الموافقة، لكنه تبين أنه لا توجد موافقة، مارس الضغوط والعنف على بدو النقب لإجبارهم على الانتقال، وما يؤكد كذلك أنه تم العثور في الملف ذاته على تقريرا للحاكم العسكري يؤكد رفض البدو للانتقال.

وما يعزز أن ما جرى من نقل لبدو النقب بالقوة والترهيب، ما كتبه القائم بأعمال الحاكم العسكري في النقب، الرائد موشيه بار أون، الذي كتب: "لقد حصلنا على تعليمات من قائد المنطقة الجنوبية (ديان) من أجل الضغط على قبائل البدو في المنطقة الشمالية من أجل نقلهم إلى درجة أنه في حالة عدم انتقالهم بإرادتهم فإن الجيش سيضطر إلى نقلهم".

وسائل الإقناع

ولفت البروفيسور الغازي، أن شهادات البدو المشفوعة بالقسم للمحكمة، أكدت أن من رفضوا النقل تعرضوا للاعتقال، على الرغم من أن الرافضين للانتقال تم إيهامهم بأن النقل لأغراض عسكرية لبضعة أشهر فقط.
 

وأشار إلى أن ليس كل من في الجيش كانوا متفقين بخصوص هذه العملية، مستعرضاً موقف حالكم النقب المقدم ميخال هنغبي الذي كتب لرئاسة الأركان بأن "تخييم البدو في المنطقة يشكل كابحا جديا لعمليات المتسللين من الشرق ضد مستوطناتنا في الخط المذكور أعلاه. إضافة إلى أنه حذر من أن المنطقة البديلة المخصصة للبدو تنقصها المياه، وأن مشكلة المياه في المنطقة الشرقية آخذة في الاشتداد". كما كتب المقدم هنغبي في مناسبات أخرى بأنه "رغم القيود المفروضة على عدم استخدام القوة، إلا أنه جرت محاولة بموافقة القيادة لإجبارهم على الانتقال، حيث قامت وحدة الحكم العسكري بتفكيك بعض الخيام وحملتها في السيارات. أصحاب الخيام لم يغادروا، ولم ينضموا لعائلاتهم التي تم نقلها".

كما كتب هنغبي في إحدى الرسائل بأن "عملية النقل تم تنفيذها بالأساس عن طريق الإقناع والضغط الاقتصادي". بعد ذلك كشف عن جزء آخر. "لم يكن لدينا أي أساس قانوني، حتى أنه كانت هناك تعليمات صريحة بأن لا نستخدم القوة. لذلك، كانت هناك حاجة إلى التصرف بحذر في عملية التنفيذ دون التورط في مشكلات قانونية".

ووفقاً للبروفيسور الغازي، فإن سياسة الضغط الاقتصادي تم تأكيدها من خلال البطاقة التي كتبها مستشار رئيس الحكومة للشؤون العربية في حينه يهوشع بولمان الذي يعد الشخصية الأرفع في تحديد السياسة بخصوص العرب من مواطني "إسرائيل". وكتب بولمان أن الحاكم العسكري منع البدو من فلاحة أراضيهم من أجل الضغط عليهم للموافقة على الانتقال.

وأمام ما جرى مع بدو النقب عقب النكبة من المؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية لانتزاع اراضيهم وتحويلها إلى ملك للدولة، وفي ظل وجود الوثائق التي تؤكد أن البدو هم أصحاب الأرضي في النقب، هل ستكون لهبة النقب الكلمة الفصل أمام المحكمة التي تنظر في الدعاوي، وتعيد الحق لأصحابه أم أن "إسرائيل" ستضرب بالأرشيف الإسرائيلي عرض الحائط عملاً بوصية موشيه ديان، بضرورة فصل سكان النقب عن أراضيهم من أجل أمن "إسرائيل".

المصدر : متابعة -زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo