كشف الأسير ثائر حماد، منفذ عملية "وادي الحرامية" البطولية في بلدة سلواد قبل عشرين عاماً تقريباً، والتي قتل فيها أحد عشر جندياً إسرائيلياً وإصابة ستة آخرين، ببندقية قديمة استخدمت في الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى تفاصيل العملية الدقيقة؛ والدوافع التي تقف خلف تنفيذه للعملية بشكل فردي، محملاً في الوقت ذاته القيادة الفلسطينية كافة، مسؤولية التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، وأن خطاب الفصائل أثر سلباً على المواطنين، مشدداً على أن المقاومة يجب أن تكون على أساس المصلحة الوطنية وليس على أساس حزبي.
يشار إلى أنه في الثالث من آذار مارس 2002، استيقظ الفلسطينيون على نبأ أثلج صدورهم، بعملية بطولية أدت إلى مقتل 11 جندياً إسرائيلياً، وهروب المنفذ، وهو ما أرعب العدو الإسرائيلي، الذي حاول تجاهل العملية خشية على صورة ما يسمى "الجيش الإسرائيلي" الذي لا يقهر؛ لكنها حظيت باهتمام كبير من قبل وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية والدوليةـ، بينما بقي المنفذ حراً طليقاً يتحرك بين حواجز الاحتلال، نظراً لتخطيطه المحكم للعملية وعدم ارتباطه بأي تنظيم فلسطيني، قبل أن يكتشف أمره بالصدفة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي ويعتقله.
وأوضح الأسير حماد ابن قرية سلواد قضاء رام الله، في حوار خاص مع مجلة الدراسات الفلسطينية، أن ملامح شخصيته النضالية تبلورت وهو في سن مبكر عام 1991م، ذلك العام الذي اغتيل فيه عمه نبيل حماد، بعد أن تعرض للتعذيب من قبل جنود الاحتلال قبل أن يعدموه بالرصاص تنفيذاً لسياسة وزير الحرب آنذاك اسحاق رابين، في إشارة إلى سياسة تكسير العظام.
اقرأ أيضاً: "المركزي"..إختبار حقيقي لوحدة مكونات منظمة التحرير؟
وتابع، أنه نفذ العملية البطولية وهو في سن 21 عاماً، وهو نفس سن عمه نبيل، وجاءت العملية انتقاماً لأرواح الشهداء الفلسطينيين، ورفضاً لسياسة التعذيب والانتهاكات الاسرائيلية بحق الفلسطينيين على الحواجز العسكرية في الضفة الغربية.
وأشار إلى أنه تعلم القنص مبكراً على يد جده، الذي كان يمتلك بندقية منذ حرب 1967، وكان يخبئها مدفونة تحت التراب، والذي يمتلك مهارة القنص من عمله في الجيش الأردني، حيث كان يرافق جده في رحلات الصيد ومنها تدرب على التهديف واطلاق النار والقنص.
دوافع تنفيذ العملية
وحول دوافع تنفيذ العملية، أوضح الأسير حماد، أن مجازر الاحتلال وقتل الاطفال وإذلال الشعب الفلسطيني في كل مكان وعلى الحواجز العسكرية، وذكرى استشهاد عمه نبيل، والوعد بالانتقام له أثناء تشييعه، كانت كلها عوامل دفعته للعملية خاصة أن عملية السلام تبددت، وسقط اللثام عن الاحتلال ليظهر وجهه الحقيقي، واشتعلت الانتفاضة الثانية وكانت فرصة لتنفيذ الوعد بالانتقام والثأر لدماء الشهداء، خاصة أنه يمتلك سلاحاً شخصياً كان قد اشتراه على حسابه الخاص.
التخطيط وتنفيذ العملية
وعن خطة العملية، أوضح الأسير حماد، أنه لم يسبق له أن كان عسكرياً أو حصل على دورة عسكرية، وإنما سخر خبرته في الصيد، واختار هدفاً للقنص، فكان الحاجز هو المكان الأمثل بعد رصده بالمنظار من أعلى قمة الجبل المطل عليه لمدة أربعة أيام متتالية، والحصول على تفاصيل حركة الدورية والجنود في الحاجز، ومواعيد تبديل الدوريات، ونشاطات الجيبات العسكرية، وتم تحديد توقيت تنفيذ العملية في الصباح الباكر، نظراً لأن الجنود يكونوا منهكين من السهر الليلي.
وتابع، أنه جهز بندقيته من نوع M1 صنعت عام 1936م، واستخدمت في الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام، اشتراها من رجل كبير في السن من سكان القرية، ومعها 70 طلقاً نارياً، وجهز بدلته العسكرية الخاصة برحلات الصيد، وودع أشقاؤه وانطلق عازماً النية على الشهادة.
وواصل حديثه، أنه مع آذان الفجر انطلق من منزله، باتجاه قمة الجبل، وما أن وصل للقمة، جهز بندقيته على شجرة زيتون، وعينه على الحاجز، حيث كانت الشرارة التي دفعته لأطلاق الرصاصة الأولى ما شاهدته من تطاول الجنود على سيارة فلسطينية، حينها لم يتمالك أعصابه وأطلق الرصاصة القاتلة على الجندي الأول، ثم جاء الثاني لينقذه فتم اطلاق الطلقة الثانية وأردته قتيلاً، وكذلك الجندي الثالث، وبعد ان استفاق الجنود الثلاثة الآخرين في الحاجز وأطلقوا النار بشكل عشوائي في المكان، تم اصطيادهم الثلاثة قتلى، الى ان جاءت قوة مساندة فيها ضابط رفيع المستوى، وتم قنصه قبل نزوله من الجيب العسكري، وتم قنص سائق الجيب وجندي آخر.
وزاد، أنه قرر مواصلة اطلاق النار الا ان البندقية تفجرت معه، نظراً لقدمها، حينها قرر الانسحاب من المكان تاركاً البندقية خلفه، نظراً لأن رائحة البارود يمكن أن تكشف أمره إذا ما أعادها للمنزل، إضافة إلى أنها بالية ولا تصلح للاستخدام، ووصل البيت بأمان.
وتابع، أنه وصل الى منزله في سلواد في حوالي الساعة الثامنة والنصف صباحاً، وسمع في نشرات الأخبار تفاصيل القتلى وكان في غاية السرور والبهجة، وفرحة الشعب الفلسطيني بالعملية البطولية، وأمهات الشهداء والأسرى.
أسباب عدم كشف امره فور العملية
ولفت الأسير حماد، إلى عدة عوامل ساهمت في عدم كشف أمره واعتقاله بشكل مباشر بعد العملية، حيث أن الاحتلال باستخباراته فشل فشلاً ذريعاً في العثور على طرف خيط يدل على طريقه، إضافة إلى أنه لم يخبر أي تنظيم بالعملية، وعدم تبني العملية من أي جهة، كما أنه لم يكن مطلوباً للاحتلال ولا تبدو عليه ملامح هكذا عمل، ومارس حياته بشكل طبيعي، إلى أن تم كشف امره واعتقاله بعد عامين ونصف من تاريخ تنفيذ العملية.
المقاومة هي الخيار الأصوب للتحرير
ورغم مروره في السجن منذ 17 عاماً، إلا أن الأسير حماد، يشدد على أن ميزان القوى غير المتكافئ ليس مبرراً للابتعاد عن مقاومة الاحتلال، لأن جميع شعوب العالم التي كانت مستعمرة كان ميزان القوة لصالح المستعمر، وأثبتت التجارب بأن العمل المسلح المدروس والمدعوم بأساليب نضالية متنوعة ينتج نصراً لمن لا يملك وسائل قتالية موازية لوسائل قتال يمتلكها العدو.
وقال: " نحن الفلسطينيون سلاحنا وميزان قوتنا الراجح والأساسي يكمن في حقنا الطبيعي في أرضنا، والاعتماد على إرادتنا وإيماننا بتحقيق أهدافنا المتمثلة في تقرير مصيرنا بأيدينا، بجميع الوسائل النضالية، وفي مقدمتها الكفاح المسلح".
وأضاف، أن نهج منظمة التحرير باعتماد النضال الدبلوماسي فقط، ورغم ما حققته من نجاحات إلا أنها قرارات بقيت حبراً على ورق، ولم تجد قوة تجبر الاحتلال على تنفيذها، لذلك فإن البندقية تزرع والسياسة تحصد النتائج.
وحمل الأسير حماد، القيادة الفلسطينية كلها دون استثناء، مسؤولية التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، لأن مهمة هذه القيادة هي الحفاظ على الأرض، وليس الحفاظ على الحكم في الضفة وغزة وعشق الكرسي والسلطة على حساب المصلحة الوطنية.
وأعرب عن اعتقاده أن خطاب الفصائل الفلسطينية أثرت سلباً على المواطن الفلسطيني مثلما أثر "الانقلاب" في غزة سلباً على الروح الوطنية، كما أن الخطاب السلطوي التخويني خلق حالة من عدم الثقة بين المواطن والقيادة السياسية.
وأعرب عن أمنياته في أن يرى فلسطين محررة قريباً من الاحتلال الإسرائيلي، والشعب الفلسطيني يحتفل بهذا الحدث الكبير.