شُفت اسمك في الكشف!

مسافرين عبر معبر رفح
مسافرين عبر معبر رفح

قد تكون على موعد خاص، أو ذاهب في رحلة علاجية في دولة ما، ولا تود أن يعلم أحد بما تقوم به، ليس من باب السرية، بل من باب الخصوصية الفردية التي لا تهم أحد أن يعرفها، فما هي أهمية أن يعرف شخص ما موعد وتاريخ وساعة ورقم حافلة شخص يريد السفر؟!

يعتبر هذا التصرف انتهاك صارخ لخصوصية الأفراد في قطاع غزة، إذ يتم إعلان كشوفات أسماء المسافرين وموعد سفرهم دون حاجة ماسة لذلك، مما قد يسبب الحرج للكثيرين الذين لا يرغبون بمشاركة معلوماتهم الشخصية وتحركاتهم مع الغير من الناس، ويشعرون بعدم قدرتهم على حماية تحركاتهم الشخصية جدًا، وهذا يتنافى تمامًا مع مفهوم الخصوصية المبني في الأصل على قدرة الأشخاص على منع المعلومات المتعلقة بهم لتصبح معروفة للآخرين إذا كان الشخص لم يختر طوعًا أن يقدم تلك المعلومات.

أخبرني صديق أنه سجل للسفر وقد قرأ أسمه في أحد الكشوفات، ولسبب خاص جدًا لن يستطيع السفر، ولكنه تفاجأ في الصباح الباكر باتصال من صديق لم يره منذ عشر سنوات ينتظره على باب المنزل وقد أحضر معه شنطة كبيرة، ويطلب من صاحب المنزل أن يستعجل كي لا يستطيعا السفر في وقت مبكر.

وأنا أستمع للقصة من صديقي ضحكت، وغضبت في وقت واحد، صديقي فهو لا يريد السفر، وصديقه علم بسفره من خلال قراءة الاسم في كشوفات المسافرين، فأراد أن يستغل وجود سيارة صديقه ليأخذه معه إلى المعبر! وانتهت القصة بخلاف كلامي انتهى بجملة: "يا راجل بتفكرني جاي بدي أركب معك، أنا قلت بنسلي بعض"

طبعًا هذه النهاية جاءت بعد سلسلة من الأيمان المغلظة بأن صديقي قد قرر تأجيل السفر، وليس رفضًا "لتسلية" صديقه أو ما شابه.

هذا أهون المواقف التي سمعتها من مجموعة كبيرة من الناس تعرضوا لمواقف مسيئة بسبب إعلان أسماءهم في كشوفات المسافرين.

"لا يجوز تعريض أحد لتدخُّل تعسُّفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمسُّ شرفه وسمعته. ولكلِّ شخص الحق في أن يحميه القانونُ من مثل ذلك التدخُّل أو تلك الحملات" المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

لم يستقر الأمر على كشوفات السفر فقط، بل عانى الجمهور في قطاع غزة من مأساة نشر أسماء مصابي فايروس كورونا في كشوفات على مواقع التواصل الاجتماعي وتداولها بين الناس وكأنها جريمة اقترفها أصحابها مما شكل حالة من الضيق للكثير من المصابين، وهذا انتهاك للخصوصية الشخصية  تتعلق بتداول كالبيانات المالية أو الصحية للشخص، وعلى صعيد المالية فإن هذا الانتهاك ظهر أول مرة في توزيع ما عرف بالمنحة القطرية وهي عبارة عن مساعدة نقدية (100) دولار تقدم للشخص كل شهر بنظام غير ثابت، والتي بدأ المسؤولون عنها بنشر كشوفات تحتوي على عشر آلاف الأسماء الحاصلة على تلك المساعدة المالية، وهذا تسبب بحرج للكثير من الأسر المتعففة التي لم تكن ترغب بهذا الانتهاك بحقها، وأنا أعلم الكثيرين الذي أصيبوا بحرج شديد جراء إعلان أسمائهم في هذه الكشوفات، ومنهم من توقف عن استلامها لأنها أصابته بجرح في كرامته، ومنهم من تغاضى عن هذا الانتهاك لحاجته الماسة لتلك المساعدة المالية، وهذا دفع بالقائمين على هذه المنحة ابتكار طريقة أفضل لنشر الأسماء وهي عبار عن رابط الكتروني خاص يتم البحث من خلاله بشكل شخصي عبر رقم البطاقة الشخصية.

ولكن أخي القارئ لا تظن أن رقم البطاقة الشخصية هو شيء صعب الحصول عليه في قطاع غزة، بل يؤسفني أن أخبرك أن بيانات السجل المدني جميعها منشورة من خلال تطبيق على الإنترنت يمكن لأي شخص تنزيله والبحث عن معلومات أي شخص يريده بدون أي معاناة تذكر.

حتى على الصعيد الحكومي هناك انتهاك لخصوصية المعلومات، فكيف يمكن لمؤسسة معينة أن تحصل على بيانات المواطنين من وزارة التنمية الاجتماعية مثلاً لتقوم المؤسسة بعمل زيارات ميدانية لتلك البيوت بهذا تقدم المساعدة أو بأي هدف كان فهذا سلوك غير صحيح، فكيف للوزارة أن تكشف عن معلومات المواطنين دون موافقة منهم وإن كان الهدف نبيلًا، فربما هناك من يستغله في أمر غير نبيل.

إن الخصوصية حق أساسي من حقوق الإنسان، ينبغي صونها لأنها الأساس الذي يبنى عليه الكثير من الحقوق فيما بعد، فالخصوصية هي مفتاح حفظ كرامة الإنسان واستقلاليته، والخصوصية وحدها هي من تمكننا من رسم الحدود الآمنة لأنفسنا من أي تدخلات غير مرغوبة فيها، سواء حكومية أو فردية تطفلية مما يحفظ لنا الطريقة المثلى للتعامل مع المجتمع المحيط بنا بشكل قانوني قبل أي شكل آخر.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo