"التكنولوجيا والخرائط المضادة" فرصة مهدورة لإحياء حق العودة وفضح ممارسات الاحتلال

الخرائط
الخرائط

حاولت دولة الاحتلال بشتى الوسائل بسط نفوذها وسلطتها على أرض فلسطين، وتمارس لتحقيق ذلك التزييف والتضليل لإخفاء معالم فلسطين التاريخية.

ودأبَ رسامو الخرائط الصهاينة والإسرائيليون، منذ زمن الانتداب البريطاني وحتى وقتنا الحاضر، على تسخير الخرائط لطمس المعالم المادية والجغرافية والاجتماعية الشاهدة على ارتباط الفلسطينيين بأرضهم وحيازتهم لها.

وأكدت زينة الآغا الكاتبة في شبكة السياسات الفلسطينية "الشبكة" من خلال ورقة سياسية أن الاحتلال أقصى الفلسطينيين من الخرائط المرسومة لأرضهم منذ بداية الانتداب، مشيرةً إلى أن الخرائط غير الدقيقة للمناطق تشوه فهم الفلسطينيين للحيز المكاني وتسلخهم عن موطنهم، حيث لا تزال خرائط العالم حتى اليوم تمثل مشاريع استعمارية وقومية تعكس نزعةً غربية بامتياز للاستيلاء على الأرض والسيطرة عليها.

وأشارت الكاتبة إلى أن الخرائط الصهيونية أخذت في الانتشار عقب انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل سنة 1897، وكانت الكثير من تلك الخرائط تحوي علامات طوبغرافية ودينية مصممة لإعادة رسم الخريطة على غرار الدولة الصهيونية المقترحة.

وفي أعقاب نكبة 1948، عمدت دولة الاحتلال إلى استخدام العبرية بدلًا من العربية في الخريطة القومية كوسيلة من وسائل بناء الدولة الصهيونية، بهدف جعل العبرية اللغةَ الوحيدة التي يمكن بها فهم التضاريس والمشهد الجغرافي، وبذلك محو تاريخ السكان الأصليين وتجاربهم.

وأوضحت الأغا أن خريطة الضفة الغربية اليوم أصبحت رقعةً مرقّعةً بالتسميات السياسية والعسكرية وفقاً للمناطق المحددة بموجب اتفاقات أسلو (أ) و(ب) و(ج). وغالبًا ما تتراكب هذه التسميات على المستوطنات غير القانونية والمناطق الفلسطينية المبنية بالإضافة إلى نقاط التفتيش والحواجز.

وبينت أن أي خريطة للأرض الفلسطينية المحتلة تصبح متقادمة حالما تصدر لأن المستوطنات اليهودية الإسرائيلية تتزايد، والأراضي الفلسطينية تتضاءل، والحواجز تتوسع أو تُزال أو تتغير أماكنها، وفي الوقت الذي تصور فيه خرائط الداخل المحتل إسرائيل كوحدة جغرافية ثابتة ومتجانسة، فإن خرائط باقي الأرض الفلسطينية تصور واقعًا جغرافيًا غير مستقر أو مكتمل حيث تواصل إسرائيل التلاعب بالأرض والسيطرة عليها وضمها.

ورأت الكاتبة من خلال ورقتها السياسية أن التقدم التكنولوجي يشكل فرصة لإثبات الحق الفلسطيني، حيث صار بمقدور العموم منذ إطلاق القمر الصناعي "إيكونوس" في 1999 أن يحصلوا على صور دقيقة لكوكب الأرض بعد أن كانت في السابق حكرًا على الحكومات، وتستخدم منظمات، كمنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش ووسائل إعلامية، هذه البيانات الجغرافية المكانية كشاهد على الانتهاكات الدولية لحقوق الإنسان ولتقييم مدى فداحتها.

وأكدت أنه يمكن استخدام التكنولوجيا كأداةٍ لوضع تصور ملموس لحق العودة، حيث تسمح الخرائط التاريخية المفصلة والصور عالية الوضوح غير الخاضعة للرقابة  للفلسطينيين بتصنيف بقايا القرى والبلدات المدمرة إبان النكبة وفهرستها. لتقدم دليلًا ملموسًا على التعديات الاستعمارية المستمرة على الأرض الفلسطينية، وتتيح للفلسطينيين تصورَ واقع بديل.

اقرأ أيضاً: ترشيح الشيخ وفتّوح لمواقع بالمنظمة: مآخذ شخصية أم جوهرية؟

وتطرقت الورقة السياسية لعدة تطبيقات تسعى لإحياء حق العودة والهوية الفلسطينية من بينها مشروع " iNakba " وهو تطبيق تفاعلي للهواتف الذكية الذي تشرف عليه منظمة (زوخروت) الإسرائيلية غير الحكومية وتهدف من خلاله إلى رفع مستوى الوعي بالنكبة الفلسطينية في الشارع الإسرائيلي، حيث يحتوي على قائمة تضم أكثر من 600 بلدة وقرية فلسطينية دُمِّرت إبان النكبة، ويحتوي كذلك على صور، ونصوص عربية وعبرية وإنجليزية، وإحداثيات على تطبيق ويز وخرائط جوجل لمساعدة المستخدمين في الوصول إلى تلك المواقع وتمكينهم من إضافة المعلومات بأنفسهم.

وفي هذا المشروع، وضع المشاركون الفلسطينيون واليهود خريطةً شاملةً بديلة متعددة الطبقات فكَّكت السياسات التمييزية الحالية. واتفقوا على أن الخطوة الأولى هي الاعتراف بالدمار الذي ألحقته النكبة بالفلسطينيين أفرادًا وجماعات.

كما يمثل إطلاق خرائط فلسطين المفتوحة (مشروعٌ تعاوني بين مؤسسة تصوير فلسطين وستوديو-إكس عمَّان التابع لجامعة كولومبيا) في 2018 أولَ مشروع للخرائط مفتوحة المصدر المستندة إلى الخرائط التاريخية من حقبة الانتداب البريطاني.

وتابعت الكاتبة أن الفلسطينيين استخدموا التكنولوجيا لإنشاء خدمات الخرائط المستقلة الخاصة بهم، مثل نظام الملاحة دروب، الذي أُطلق في صيف 2019 والذي يَعتمد على جمهور المستخدمين في الحصول على بيانات إغلاقات الطرق والازدحام، ويسمح للسائقين الفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة بمتابعة حركة السير عند نقاط التفتيش وباختيار الطُرق التي بوسعهم أن يسلكوها.

وبحسب الورقة السياسية مكنت هذه المشاريع وغيرها مثل مشروع خريطة حرب غزة وجمعية دار للتخطيط المعماري والفني ومنظمة "Forensic Architecture" (الهندسة المعمارية العدلية) الفلسطينيين من معارضة الخطاب المهيمن وتفنيده، وتأكيد رؤية بديلة للتحرير والعودة بلغة المكان والخرائط، وغالبًا ما تتقوى هذه المبادرات بجهود الفلسطينيين من أجل العودة إلى القرى المدمَّرة، كجهود النازحين من أهالي قرى إقرث والولجة والعراقيب الذين عادوا بعد عقودٍ من تهجيرهم رغم المخاطرة بالتعرض لعنف الدولة العبرية وهدم منازلهم.

ورغم ذلك، فإن صور الأقمار الصناعية واستخداماتها، كما في حال الخرائط المطبوعة، تظل عُرضةً للتحيزات الاجتماعية والسياسية لدى رسامي الخرائط التي يمكن أن تعوقَ القدرةَ الكامنة في تلك الصور على إحداث تأثير إيجابي. ويتجلى ذلك بوجه خاص في حالة جوجل وعلاقتها الشائكة بفلسطين.

وأطلق المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي (حملة) تقريرًا في 2018 قال فيه "إن خرائط جوجل تخدم مصالح الحكومة الإسرائيلية بتسهيل مساعيها الرامية إلى تحجيم مسؤولياتها تجاه السكان المحتلين بموجب أُطر عمل حقوق الإنسان الدولية".

ويُبين التقرير بأن مسارات الطرق في خرائط جوجل مصممةٌ حصرًا للإسرائيليين والمستوطنين ويمكن أن تكون خطرة على الفلسطينيين، حيث إن البرمجية المستخدمة تختار الطُرق الأنسب تلقائيًا على افتراض أن المستخدم يحمل هويةً إسرائيلية ويستطيع استخدام الطرق المسموحة للإسرائيليين فقط، وتتجاهل مئات نقاط التفتيش والحواجز والإغلاقات التي تُحدّ من حرية الفلسطينيين في الحركة".

وأوضحت الكاتبة أن جوجل أعطت (إسرائيل) اسمًا وحدودًا كما لو كانت أرضًا غير متنازعٍ عليها، واعتبرت القدس عاصمتها، متجاهلةً وضعها المعترف به دوليًا. وفي الوقت ذاته، همشت العديد من المناطق الفلسطينية أو تُمحى برمتها، كما مُحيت القرى البدوية التي لا تعترف بها الدولة الإسرائيلية، والقرى الفلسطينية داخل المنطقة (ج) من الضفة الغربية الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية. والأهم من ذلك أن الضفة الغربية وقطاع غزة لا تظهران كجزء من أي بلد أو دولة لأن فلسطين غير مصنفة كدولة.

يذكر أن جوجل تعرضت عام 2016 إلى انتقادات لاذعة بسبب خلل تقني محا الضفة الغربية وقطاع غزة من خرائطها، وتداعى المحتجون في عريضة دعت الشركة إلى إعادة فلسطين على خرائطها، وجمعت ما يزيد على 615,000 توقيع.

وطالبت الكاتبة الآغا الفلسطينيين وحلفائهم باتخاذ خطوات ملموسة لمقاومة الخرائط الاستعمارية وتفنيدها من خلال الخرائط المضادة، وأن تُسمى فلسطين في خرائط جوجل بحسب ما نص عليه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في نوفمبر 2012.

وكما يوصي المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي (حملة)، في المقابل  أن تحدد خرائط جوجل المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية المشيَّدة على أرض محتلة وأن تشير إليها بهذه الصفة.

كما طالبت جوجل بأن تميز بوضوح بين المناطق (أ) و(ب) و(ج) في الضفة، وأن تُبيِّن معوقات الحركة والطُرق المحظورة، وأن تحدد مواقع القرى الفلسطينية "غير المعتَرف بها" داخل إسرائيل وكذلك القرى الفلسطينية في المنطقة (ج).

ودعت الكاتبة السياسية  الولايات المتحدة بأن تساوي مزودي صور الأقمار الصناعية الأمريكيين بغيرهم، مما يسمح لمشغلي الأقمار الصناعية بنشر صور عالية الوضوح لفلسطين على منصات مفتوحة وشعبية لتوثيق التغيرات على أرض الواقع بدقة، ما يُعزز الفرصة لمساءلة الاحتلال الإسرائيلي.

المصدر : متابعة-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo