المخدرات تفتك بلاجئي لبنان .. محاولات تطويق ومسؤولية تائهة

فلسطينيي لبنان
فلسطينيي لبنان

اهتز لبنان عموما والمخيمات الفلسطينية خصوصا على وقع جريمة قتل أخ لأخيه في مخيم نهر البارد شمالا طعنا بالسكين. الأمر الذي أثار ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي، ليتبين فيما بعد أن الشاب كان تحت تأثير المخدرات.

وجنوبا في مخيم الرشيدية، سقط اثنان من شباب المخيم ضحية اشتباك مسلح على خلفية إشكال مع تاجر مخدرات، أما في مخيم شاتيلا فتحدث إشكالات شبه اليومية بسبب هذه المادة الملعونة.

وعلى وقع الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تضرب بلاد الأرز، يعيش اللاجئون الفلسطينيون واحدة من أقسى الظروف المعيشية التي مرت بهم. فنشطت تجارة المخدرات في لبنان عموما وتأثرت بها المخيمات إلى حد كبير، لتضيف هذه الآفة إلى اللاجئين تعبا فوق تعب اللجوء ومرارة الحياة.

مقابلة مع "ديلفري"

جلست مع علي (وهو اسم مستعار) ذي الـ16 عاما، وهو يضع قبعته على رأسه ويده في جيبه. والذي يعمل لدى تاجر مخدرات بمهمة توصيل المادة للزبائن، مقابل خمسة آلاف ليرة لبنانية على كل توصيلة (تساوي أقل من ربع دولار أمريكي).

يضع علي في الشارع وعاء حديديا ويملؤه بالحطب ويشعله ليداري به البرد القارص. جلست بجانبه بعد محاولات كثيرة في إقناعه للحديث عن الموضوع. وافق لكن شريطة أن لا أذكر اسمه، وأن لا يعلم التاجر بأني قد قابلته.

يقول "علي" وهو متجه بكُلُه نحو النار "أبوي وأمي تطلقو. ونحنا خمسة بالبيت وأنا أكبر واحد. والدي يعمل يوم وينام عشرة. تركت المدرسة وأنا بالصف السابع. بدأت بالعمل في محل للميكانيك، لكن لم يكن يعطني مقابل بحجة أنه يعلمني المهنة ، بينما كنا نحتاج إلى المال بأي طريقة لكي نأكل فقط".

يتابع "علي" وهو يفرك يديه ببعضهما "تعلمت التدخين من أصدقائي. تركت الشغل عند أبو صبحي الميكانيكي، وبدأت كعامل بتوصيل مياه الشرب للمنازل. صرت أعرف كل بيوت المخيم من خلال عملي الجديد، لكني كنت أتقاضى القليل مقابل عملي. وفي واحدة من السهرات على بحر المخيم، كان صديقي يدخن الحشيش، لم أستطع قول لا لفضول التجربة وجربت معه. ومن ثم طلبت سيجارة. عندها وجدت نفسي سعيدا للغاية".

وأنا أراقب شهيق "علي" وزفيره، كان يذكر ذكريات بائسة، ويخرج سيجارة من جيبه، يشعلها ويقول ضاحكا "هاي على السيرة"، ويتابع: "طلبتُ في اليوم التالي من صديقي أن يعطيني سيجارة، لكنه رفض وأخبرني إذا أردت واحدة فعليّ أن أشتري. لم يكن مدخولي اليومي يكفي لشراء الطعام للمنزل والحشيش. عندها قال لي التاجر لماذا لا تعمل معي في إيصال البضاعة! وبنفس الوقت تتابع عملك في توزيع المياه مقابل أن أعطيك سيجارة يوميا مع بعض النقود. عندها وافقت على الفور".

يضيف علي وعلامات الحزن بادية على وجهه "يا ليتني لم أوافق. الموضوع أكبر من سيجارة حشيش بكثير. هناك أنواع لم أكن أتخيل أنها موجودة أصلا. كثير من الشباب يتصلون بي في وقت متأخر من الليل، وهم يترجون من أجل أن أحضر لهم البضاعة".

يرن هاتف "علي"، وإذ هو اتصال من التاجر، لكي يوصل كمية لأحد الأشخاص. يقف على عجل ويختتم حديثه بالقول: "أتمنى لو أتخلص من هذه البلوة. أعيش قلقا باستمرار. أخاف أن أدخل السجن أو أن يقتلني التاجر إذا وشيت به".  

مسؤولية تطال الجميع

وفي لقاء مع عضو اللجان الشعبية في مخيّم الرشيدية أبو إبراهيم أبو الذهب، رد على سؤالي حول المشكلة في القبض على مروجي المخدرات بالمخيم؟ بالقول: "هناك مشكلتان: الأولى أن استخدام السلاح في أيّ عملية دهم قد يعرّض عناصر القوى الأمنيّة للملاحقة القانونيّة من الدولة اللبنانيّة، ويصبح العنصر مطلوباً وعليه مذكرة توقيف، ولا سيّما إذا حصل إطلاق نار وسقط قتلى".

أما المشكلة الثانية، أن بعض المروّجين ومن باب النكاية، يتهمون في بعض الأحيان من سلّمهم إلى الدولة اللبنانيّة، بأنه شريك معهم في تجارة المخدرات، وهنا تصبح القضية مفتوحة، ويصبح أيّ عنصر أو مسؤول في القوة الأمنيّة معرّضاً للمثول أمام القضاء والمحاكمة.

وأضاف: "المسألة معقّدة، والحل الصحيح لها هو في إيجاد صيغة بين الدولة اللبنانية ومنظمة التحرير، من شأنها أن تراعي الخصوصيّة الفلسطينيّة في لبنان، وتفضي إلى منح القوى الأمنيّة صلاحيّات بالتدخل لمحاربة هذه الآفة، على أن تحميها من أي ملاحقة قضائيّة".

ومن جهة أخرى، أصدرت مؤسسة شاهد لحقوق الإنسان المعنية بقضايا اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، تقريرا مفصلا عن انتشار آفة المخدرات في المخيمات.

وعن أسباب هذا التفشي، قالت المؤسسة: "نتيجة قلة فرص العمل وانسداد الافق أمام الشباب الفلسطيني، اتجه البعض إلى هذه الآفة بوعي أو بدون وعي من خلال ألاعيب يقوم بها التجار بوضع الحبوب في القهوة أو النرجيلة".

 أما في قضية المسؤولية عن الظاهرة الخطيرة، فقد وضعت "شاهد" العديد من المعنيين أمامها، بدءا من الدولة اللبنانية والفصائل الفلسطينية وصولا إلى الأونروا وعلماء الدين.

وقالت: "يجب على الدولة اللبنانية السماح للمخيمات بإدخال مواد البناء، وإنشاء المرافق العامة من نوادي وملاعب، هذه التوسعة من شأنها أن تنعكس إيجابا على حياة الشباب".

الإعلام والمخيمات

تتراكض وسائل الاعلام اللبنانية في نقل أي حدث أمني يخص المخيمات الفلسطينية، وتترك لها مساحات في مواقعها ونشراتها الإخبارية. فبمجرد البحث عن اسم أأي مخيم في واحدة من هذه المؤسسات، تجد عناوين مثل (إشكال – إطلاق نار – إلقاء القبض – مخدرات – سلاح..)

ويقول الباحث إبراهيم سوطري الذي أعد بحثا منذ فترة وجيزة عن المخدرات في المخيمات الفلسطينية، "هذه التغطية تساهم في تكريس صورة نمطية سلبية عن واقع المخيمات الفلسطينية، فهي تعكس صورة أن هذه البقع الجغرافية هي موطئ للفساد والأعمال الخارجة عن القانون فقط".

ويضيف سوطري الكاتب في مؤسسة الدراسات الفلسطينية "هذه المواد تأتي من الخارج، فلا يوجد بالمخيمات مزارع حشيش، ولا معامل لإنتاج المواد المخدرة التي تضر فعليا باللاجئين وتؤرق حياتهم".

مبادرات شبابية تواجه الآفة

في المقابل، يرفض السكان في المخيمات الفلسطينية رفضا قاطعا انتشار المخدرات ويواجهونه بشتى السبل الممكنة، ويعتبرونها دخيلة وهجينة على مجتمع طالما ناضل وقاوم الاحتلال الإسرائيلي، ويعمل المستحيل للحفاظ على صموده حتى العودة إلى دياره الأصلية.

وفي هذا السياق، تبرز مجموعة شباب الجليل في مخيم الرشيدية التي تطلق مبادرة توعوية تحت عنوان "مخيمنا آمن وشبابنا ملاح ".

 

في واحد من مقاهي مخيم الرشيدية الشعبية، نظم شباب الجليل جلسة نقاش مع رواد المقهى عن آفة المخدرات واسباب انتشارها. قدم...

Posted by Al-Jalil on Wednesday, January 5, 2022

تتعدد أنشطة المبادرة من محاضرات توعوية للأهل والشباب حول آفة المخدرات، وتأمين تكاليف علاج لمن يريد الشفاء ممن ابتلي بهذه الآفة.

يقول هنا عبدالله حسين عضو المبادرة "تأتي مبادرتنا في وقت بالغ الأهمية، حيث نعيش ظروفا اقتصادية صعبة، لكن هذا لا يبرر عدم تدخلنا وخصوصا أن هذا صلب دورنا كشباب، بالنهوض بمجتمعاتنا ومواجهة الصعاب لحين العودة لفلسطين".

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo