بدأت بالقدس.. كيف عبرنت دولة الاحتلال أسماء المدن والمواقع الفلسطينية؟

المدن الفلسطيينة المحتلة
المدن الفلسطيينة المحتلة


حاولت الحركة الصهيونية عبر اعتماد الأسماء العبرية، الربط بين الحركة، ومجتمعها الاستيطاني، والتاريخ القديم للإسرائيليين اليهود في فلسطين، وتم استهداف الذاكرة الفلسطينية العربية التي تجسدها مادياً أسماء المواقع الجغرافية وإبادتها من خلال إحلال مفردات مستعارة من تراث الأسطورة "الكتابية" محل الأسماء العربية.

وترصد دراسة للكاتب "أحمد الدبش" حول عبرنة الخارطة الفلسطينية مجموعة المشاريع التي وضعتها الحركة الصهيونية الاستيطانية منذ بداية الانتداب البريطاني على فلسطين لإعادة تسمية الأماكن والمواقع الفلسطينية التاريخية بأسماء عبرية ‏ حيث تشكل التسمية جزءاً لا يتجزأ من الصراع السياسي في فلسطين وعليها كانت عبرنة الأسماء العربية جزءاً من عملية الاحتلال التي قامت بها العصابات الصهيونية منذ احتلال فلسطين عام 1948.

وتشـير الدراسة إلى أن أكثر التسميات إثــارة للسجال في حينه كانـت القـدس وفلسطين، فقــد رغبـت لجنة صهيونية مكونة من ثلاثة أشخاص شكلها الانتداب البريطاني عام 1920 في إطلاق اسـم "يروشـلايم" علـى القـدس، و"إيرتس يسرائيل" عـلى الدولة الفلسطينية، حيث اســتعملت المنظمات الصهيونية في فلسطين أسـاليب متنوعة مـن الحيل، غرضها الخلط بــين "فلسـطين" و"إيرتـس يسرائيـل" من بينها إقحام الاختصار العـبري لعبارة "إيريتس يسرائيـل"؛ أي "أرض إسرائيـل"، بعــد كلمــة فلســطين بالعربية عـلى طوابع حكومـة الانتداب الرسميّة.

وأوضحت الدراسة أن الحركة الصهيونية قامت بعد ذلك بإنتاج خرائط توثق أسـماء المواقـع التــي أنتجتهــا، وصاغـت عمليـة مَمنهجـة ومنظمة في وضـع أسـماء المواقـع الجغرافية الرئيسة وتلك التــي أقيمـت مــن قبلهـا، كما عبـرت أسـماء المستوطنات اليهوديـة التـي وجـدت في إطـار الأنشطة الاستيطانية الصهيونيـة عــن حالات رمزيـة لصــدى مـادي من خلال تجسيدها لخطاب قومي متجدد، فاستعادت المستوطنات اليهودية الني تأسست حينها تســميات كتابية وتلموديـة أو احتفــاءً برموز وزعماء صهاينة وقادة سياسيين.

اقرأ أيضاً: ماوراء الزخم الأردني مع رام الله وتل أبيب؟

وحاولت الحركة الصهيونيـة عـبر اعتماد الأسماء العبريـة، الربط بـين الحركة الصهيونية، ومجتمعها الاستيطاني، والتاريخ اليهودي القديم في فلسطين، وهكـذا تـم اسـتهداف الذاكرة الفلسطينية العربية التـي تجسـدها ماديًا أســماء المواقع الجغرافية.

وفي أربعينيات القــرن العرشين وضع الانتداب البريطاني خرائــط بغرض المسح الشامل لفلسطين، وكانت أســماء المعالم الجغرافية لفلسطين تُكتـب عــلى الخريطة بأسمائها العربية ولكن بحروف إنجليزية.

وبحسب الدراسة وغــداة قيام الكيان الصهيوني، تــم تصـور إنشاء خارطة عبرية شاملة، ومنحـت المقاربة الصارمة للغة الخارطة القومية تفويضا رسميًا عندما قام بن غوريون في تموز1949 باقتراح تشكيل لجنة توكل لها مهمة محددة جغرافيًا في منطقة النقب فقـط؛ أي النصف الجنوبي مـن "إسرائيل" مـن أجل "تحديـد أسـماء عبرية للأماكن كافة، الجبال والوديان والينابيع، والطرق ومــا شـابه، وذلك من خلال تحديــد الهوية التاريخية للمكان، واستخدام التوراة، وتجاهل الأسماء العاميــة المستخدمة مــن قبــل السكان الفلسطينيين، وترجمة الأسماء العربية، وإعطاءها شكل عــبري للأسماء العربية وفقاً لتشابه الصوت.

وتابعت الدراسة أنه واســتمرارا للجهـود الإسرائيلية في عبرنة الأسماء، تم تشكيل لجنة حكومية عــام1951، ســميت بلجنة "المسميات"، وضمت أعضاء كنيســت، وممثلــين عــن وزارة الداخلية، ومؤرخـين، وعلماء آثار، ومتخصصين في اللغة العربية، وكان هــدفها أن تــورد أسماء للمواقع في "إسرائيل"، سواء أكانت تجمعات جديدة، شــوارع جديدة ومواقع جغرافية أخــرى، وقــد كان هــدف اللجنة ربط مشــروع المسميات بالمشروع السياسي اليهودي، فاختارت الأسماء العبرية مــن خلال إحياء الأسماء العبرية القديمة للمواقع في فلسطين، وذلــك للإشارة إلى الرابطــة التاريخيــة بــن اليهــود وبين فلسطين، أو من خلال استحضار أسـماء توراتية وإطلاقها على مواقع معينة وذلك لتعميق الرابطة الدينية لليهود من القادمين الجدد، وإقناعهم أن فلسطين هي "أرض إسرائيل" التاريخية.

وتشير الدراسة إلى الطرق العديدة التي استخدمتها لجنة المسميات الصهيونية لصبغ المواقع الحكومية بأسماء عبرية ومن بينها، إحياء أسماء تاريخية قديمة من فترة التوراة والتلمود وغيرها، وتحتوي هذه المجموعة على 350 بلدة أي حوالي 40% من مجموع البلدات الفلسطينية، بالإضافة إلى أسماء مستوحاة من الطبيعة والبنية الجغرافية والأرض وسميت 167 بلدة بهذه الطريقة، وأسماء ذات طابع قومي يهودي، وتضم 146 اسماً، وأسماء معارك تاريخية يهودية، وأسماء شخصيات يهودية وأجنبية وضمت هذه المجموعة 17 موقعاً.

وامتد عملية لجنة المسميات إلى ما بعد عام 1967 ووصلت إلى الأراضي العربية المحتلة في الضفة وقطاع غزة وشرق القدس، وهضبة الجولان وبدأت تسمية الاماكن في هذه المناطق بوجود ممثل عن مجلس المستعمرات وبالتنسيق مع المجالس المحلية للمستوطنين.

ويلخص "موشيه ديان" وزير جيش الاحتلال الأسبق عملية السيطرة على الحيز وتهويد المكان وعبرنته من خلال مخاطبته طالب صهيوني في حيفا، عام 1969 حيث قال: "بنيت القرى اليهودية مكان القرى العربية، أنتم حتى لا تعلمون أسماء هذه القرى وأنا لا ألومكم على ذلك، لأن كتب الجغرافيا لم تعد موجودة، وليس فقط أن الكتب غير موجودة بل لأن القرى غير موجودة".

وأكدت الدراسة أن حملة إبادة الذاكرة العربية توسعت لتشمل تهويد الأماكن المقدسة وقبور المسلمين وعبرنتها، وجرى إعداد أطالس وموسوعات إسرائيلية تضمنت تسميات عبرية لغالبية معالم فلسطين التاريخية، كما ركز المسؤولون الإسرائيليون في وسائل الدعاية الصهيونيـة المختلفة على استخدام الأسماء العبرية الجديدة للمواقع والأماكن في الضفة وقطاع غزة وتجنبوا استخدام الأسماء العربية.

وفي عام 2004 أصدرت لجنة الأسماء الصهيونية "أطلس اسرائيل للاستيطان" والتي تحتوي أسماء المستوطنات والمواقع في إسرائيل، وعام 2009 اتخـذت عملية عبرنة الأسماء شكلاً مقززاً عندما أمر وزير المواصلات الإسرائيلي بشطب أسماء البلدات والمدن العربية عن الإشارات واللافتات المنصوبة على الشوارع والطرقات الرئيسية وان يحتفظ بأسمائها العبرية.

وعام 2011 قررت الشرطة الإسرائيلية وإدارة المعابر استعمال الأسماء العبرية لسلسلة من الحواجز العسكرية المنتشرة في الضفة المحتلة.

وفي كتاب "تهويد الأرض وأسماء المعالم الفلسطينية" يقول "شكري عراف" :"مضى نحو 120 عاماً على تغيير الأسماء العربية في فلسطين إلى تسميات أخرى عبرية تخـدم الأهداف التـي وضعتها الحركة الصهيونية ودولة الاحتلال بعدها والتي نجحت في عبرنة أكثر من 7 آلاف اسم لمواقـع فلسـطينية، منهـا أكثـر مـن خمسة آلاف موقــع جغرافي، وعــدة مئات مــن الأسماء التاريخيــة، وأكثر مــن ألف اسم للمستوطنات.

كما يقول الباحث الفلسطيني "ياسر سليمان" في كتابه "حرب اللغات": "بإزالة معظم الأماكن باللغة العربية من الخريطة لم تخلق إسرائيل فقط خريطة جديدة، وإنما رسمت أيضاً موقعاً جديداً ربحت به العبرية على العربية، لقـد كان احتلال الخريطة، أسـهل كثـيًرا مـن احتلال الأرض

المصدر : متابعة-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo