ماذا وراء الزخم الأردني مع رام الله وتل أبيب؟

لقاء الرئيس الفلسطيني مع العاهل الأردني
لقاء الرئيس الفلسطيني مع العاهل الأردني

تصاعدت الزيارات الأردنية الرسمية وغير الرسمية إلى رام الله، وكذلك الفلسطينية لعمّان، منذ الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة. ثم تُوّجت هذه الزيارات بلقاء ملك الأردن عبد الله الثاني مع وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي بني غانتس في عمّان، الأربعاء.

وجاء اللقاء الذي أجرته إذاعة المملكة الأردنية مع وزير الشؤون المدنية الفلسطينية حسين الشيخ، كي يوضح مقاصد لقاء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مع وزير جيش الاحتلال غانتس مؤخراً، لتعطي انطباعاً حول مباركة المملكة للقاء عباس-غانتس، عبر محاولة إبراز "الإنجازات" من "لقاء الضرورة"، والتي تمثلت باستجابة الاحتلال لـ"60" بالمائة من مطالب السلطة، حسب الشيخ.

فما خلفية هذا النشاط الأردني والوتيرة العالية للتنسيق بين المملكة والسلطة الفلسطينية؟

يقول النائب الأردني السابق سمير عويس لموقع "زوايا" إن الزيارات الأردنية الرسمية وغير الرسمية إلى رام الله وبالعكس، هو ترجمة عملية للقاء القمة الثلاثية الذي عُقد في القاهرة، وجمع حينها الرئيس محمود عباس وملك الأردن عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

القمة الثلاثية في مصر

وتابع عويس: "واضح أن هناك تفاهما بين القيادات الثلاثية لتحريك الوضع السياسي، والأولوية هي إعادة المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية أكثر مما هي للتفاهم على إستعادة الوحدة الفلسطينية مع قطاع غزة".

الجهد المكوكي الأردني لتهيئة المناخ السياسي

واعتبر عويس أن زيارة غانتس إلى عمّان واجتماعه مع الملك، تأتي أيضاً كنوع من الحركة المكوكية في محاولة لتهيئة المناخ لإطلاق المسار السياسي، لكنّ عويس عبر عن اعتقاده بأنّ هذه الجهود لن تنجح في إستعادة المفاوضات السياسية، موضحاً أنّ (إسرائيل) واضحة في سلوكها؛ فمن جهة تسعى لتوسيع الاستيطان ومن جهة أخرى تعمل على إيجاد حلول إقتصادية فقط.

لقاء الملك عبد الله وغانتس


وبالتالي، فإن سمير عويس يرى بأن عنوان الجهود المصرية-الفلسطينية-الأردنية محاولة إيجاد أي أمل لإستمرار حل الدولتين، بموازاة محاولة لإيجاد صيغة معينة تقنع إسرائيل لإطلاق المسار السياسي، مشيراً إلى أن القيادة الفلسطينية جاهزة للحراك السياسي والتنازل عن بعض شروطها، لكنّ القضية تتركز الآن على إقناع الاحتلال الإسرائيلي لإطلاق مسار سياسي.

عريب الرنتاوي: لقاء عباس-غانتس بمباركة عواصم عربية

الواقع، أن لقاء عباس-غانتس جاء بعد زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان إلى رام الله وتل أبيب، وهو ما دفع الكاتب الصحفي الأردني عريب الرنتاوي إلى اعتبار لقاء عباس مع وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه جاء بمباركة من عواصم عربية وغربية أيضاً.

ووجه الرنتاوي في حديثه لـ "زوايا" انتقاداً حادّا للسلطة بسبب سيرها في سياق "السلام الإقتصادي"، قائلاً: "هذه البضاعة الإسرائيلية، إما نشتريها وإما أن نقاومها".

وأضاف: "القيادة الفلسطينية تعود لنفس المربع من الفشل السياسي"، موضحاً أن المطلوب "ليس اجتماعات احتفال ومجاملات، حينما ينعقد المجلس المركزي في وقت قريب، وإنما مراجعة حقيقية للواقع الفلسطينية الذي يبعث على القلق الشديد".

من ناحيته، قرأ عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة "التحرير" واصل أبو يوسف، التحرك الأردني، بأنه يأتي في سياق دعم الموقف الفلسطيني في إطار التحرك الجدي على الصعيد الدبلوماسي، لوقف سياسة الاحتلال واعتداءاته ومستوطنيه بحق الشعب الفلسطيني.

وأضاف أبو يوسف لـ "زوايا" أن ما يجري على الأرض يحتاج إلى تضافر الجهود، وهو ما يزيد الدور الأردني أهمية.

وأشار إلى أن "الأردن لها علاقات متصلة بالقضية الفلسطينية، وتحركها لدعم الموقف الفلسطيني، في سياق التنسيق الكامل والمواقف المشتركة والموحدة".

الرئيس محمود عباس، يستقبل رئيس ديوان الخدمة المدنية الأردني سامح الناصر

بدوره، كشف مصدر سياسي في السلطة الفلسطينية لـ "زوايا" عن أن "التسهيلات الإسرائيلية" التي منحتها حكومة الاحتلال للسلطة الفلسطينية هي نتاج جهد أردني وأمريكي مكثف، وذلك في سياق منع الانفجار في الأراضي الفلسطينية وتمدده إلى خارج الحدود.

ويدلل هذا الكشف على قلق أردني وأمريكي ومصري من أنّ أي انفجار للشارع الفلسطيني، سيقود إلى أزمات في الدول المجاورة.

تحالف أمني أردني-فلسطيني-إسرائيلي برعاية مصرية وأمريكية؟

لكنّ مصدرا سياسيا مقيما في أراضي الـ48، ومطلع على الملف، أضاف أسباباً أخرى للزخم الأردني في الحراك الجاري في هذا التوقيت، ألا وهو تحسين العلاقات بين الأردن والسلطة الفلسطينية من جهة والاحتلال الإسرائيلي من جهة ثانية، بعد مرحلة بنيامين نتنياهو والتي شهدت علاقات الجانبين توتراً في عهده.

لرئيس محمود عباس، يستقبل وزير الداخلية الأردني مازن عبد الله

وأضاف لموقع "زوايا" أن القصد من هذا الزخم وكل الزيارات واللقاءات المكوكية أيضا الحصول على ضمانات من أقطاب بالحكومة الإسرائيلية حول إطلاق المسار السياسي وحل الدولتين، وملف القدس والأقصى، من قبل التحالف الأمني الثلاثي (إسرائيلي أردني فلسطيني) برعاية مصر والولايات المتحدة.

زخم الأردن في الضفة بحكم التاريخ والجغرافيا

من جانبه، عبر رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات السياسية والإستراتيجية الدكتور سمير غطاس، عن اعتقاده بأن مصر والأردن هما الدولتان العربيتان المعنيتان بالقضية الفلسطينية أكثر من غيرهما، وهذا ما يفسر مستوى التنسيق العالي بين عماّن ورام الله والقاهرة، مع تقاسم الأدوار أيضاً بحكم الجغرافيا والتاريخ، بحيث تكون الأردن حاضرة بقوة أكبر في الضفة الغربية والقدس، بينما تتولى مصر ملف غزة.

غطاس: لقاء عباس-غانتس تحدث سياسة أيضاً

وشدد غطاس في حديثه لموقع "زوايا" على وجود تنسيق فلسطيني-أردني عالٍ، تُرجم بزيارات من قبل رئيس الوزراء الأردني ووزير خارجيته وغيرهما، كما أن الرئيس محمود عباس يُعرّج على القصر الملكي الأردني في كل زياراته الخارجية.

 الرئيس محمود عباس، يستقبل وزير الخارجية الأردني ايمن الصفدي


وبين أن العلاقات الفلسطينية-الأردنية مغطاة بالكامل، وكذلك الحال بالنسبة للعلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي، معرباً عن اعتقاده بأن ما قيل في لقاء عباس-غانتس لم ينحصر فقط بمواضيع اقتصادية وبعض التسهيلات للفلسطينيين؛ لأن عباس حريص على ربط أي تسهيلات من هذا النوع بالأفق السياسي.

وتابع سمير غطاس: "أعتقد جازماً أن هناك بحثا قد جرى في اللقاء حول الأفق السياسي في هذه المرحلة، كما أن غانتس يذهب إلى الأردن ليس لمشاريع مياه؛ لأنه ليس مختصا بذلك، وإنما جاء كوزير إسرائيلي ورئيس حزب، ما يجعل طابع اللقاء الذي جرى بين غانتس وملك الأردن عبد الله الثاني ذو طابع سياسي استراتيجي".

"تعويل على أن الجهد المشترك سيكسر اللاءات الإسرائيلية"

وتمنّى غطاس بأن يخرج عن هذا الزخم الأردني-الفلسطيني شيء، خاصة في ظل تعقيدات تمثلت بتصريحات وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي يائير لابيد، والذي قال فيها "إنه لن يستأنف المفاوضات مع الفلسطينيين حينما يصبح رئيسا للوزراء في آب/أغسطس عام 2023".

لكنّ غطاس شدد على أن هذه اللاءات الإسرائيلية يمكن أن تنكسر بفعل الجهد الفلسطيني-الأردني المشترك، مشيراً إلى أن مزيدا من هذه الجهود المشتركة بين عمان ورام الله والقاهرة، يمكن أن يولّد خيارات جديدة من شأنها أن تفتح أفقاً حول الحل السياسي المنشود.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo